بعد الإعلان عن سقوط حلب بالكامل تحت سيطرة القوات الروسية و الميلشيات الإيرانية ، أصبح الوضع في سوريا محسوم بنسبة مائة في المائة الي روسيا و ايران ، حيث أشارت كل تقارير الاخبار العالمية ان ما يقارب من 45% من الاراضي السورية تحت سيطرة روسيا و ميليشيات إيران و حزب الله ، فيما ان باقي الاراضي السورية والتي تمثل بعض المدن فأغلبها خاضع لتنظيم الدولة ” داعش “ كالرقة و دير الزور و تدمر ، اما باقي المدن الصغيرة و القري فهي تحت سيطرة قوات المعارضة بقيادة الجيش السوري الحر الذي يشهد اكبر مرحلة ضعف و تفكك في داخله من كثرة عدد الشهداء و قلة الجند و العتاد ، و بالأخص بعد فقدانه لأخر و أهم قلاعه وهي حلب .
بمعني اخر نستطيع القول ان المعركة في سوريا خلال الفترة القادمة ، ستقتصر فقط بين داعش و التحالف الروسي الايراني ، مع خروج شبه كامل لقوات المعارضة السورية من المشهد .
إيران و عبقرية الميليشيات
بعد كل هذا التقارب الروسي الإيراني ، لا يعتقد عاقل ان روسيا ستتردد ولو للحظة من إعطاء ايران بعض الصلاحيات في الشأن الداخلي السوري كتدفق بشكل أوسع و اكبر ( للشيعة ) داخل سوريا ، خاصة ان روسيا تحمل دافع انتقامي من المسلمين (السنة) بعد الخسائر الفادحة التي وقعت لها في حروب أفغانستان و الشيشان .
إيران التي تمارس عبقرية فذة في التوغل داخل الوطن العربي ؛ أملاً في تكوين حلم امبراطورية المذهب الشيعي و التي نجحت حتي الان في ضم جنوب لبنان و العراق و سوريا و اخيراً توغلها في اليمن بدعم عسكري كامل للحوثيين .
من الجدير بالذكر أن إيران من أنجح دول العالم في تكوين الميليشيات المسلحة فعلي سبيل المثال حزب الله في لبنان و توغله الصريح في سوريا ، و الحوثيين و انقلابهم المسلح في اليمن ، و ميليشيات تقود العراق تحت مسمي ( الحرس الثوري العراقي ) ، بالاضافة الي ميليشيات متقطعة في سوريا كامل ولائها لإيران .
سيناريو العراق
الوضع في سوريا يكاد نسخة شبه الأصل من الغزو الامريكي للعراق عام 2003، فقط تبدلت أمريكا بروسيا و جورج بوش ببوتين و العراق بسوريا .
فقبل غزو العراق ، كانت الاغلبية (للسنة) في العراق بينما كانت الاقلية من شعب العراق ينتمي للمذهب الشيعي . ولكن تبدلت الاحوال رأساً علي عقب بعد الغزو ، فبعد مغادرة القوات الامريكية العراق في 18 ديسمبر 2011 اصبحت الاغلبية للشيعة في كل المناصب و بالأخص في الجيش و الشرطة و المخابرات ، الي ان تخطت نسبة الشيعة في الجيش العراقي الي 80% بجانب حصولهم علي اغلب الوزارات و الدوائر الحكومية اي بمعني اخر ” امريكا سلمت جميع مقاليد الحكم في العراق للشيعة قبل مغادرة اخر جندي امريكي ” .
أعتقد ان روسيا ستفعل نفس الأمر في سوريا و ستسير علي نفس نهج امريكا اثناء احتلالها للعراق ، فلن تترك سوريا سوي بعد تسليم كافة مقاليد الحكم للشيعة بزعامة ايران و التي بمثابة الدولة الأم للمذهب الشيعي في العالم .
شام علي المذهب الشيعي
بلاد الشام تتكون من ( سوريا – الأردن – لبنان – فلسطين ) بالإضافة الي بعض المناطق الحدودية مع العراق و السعودية و تركيا .
فالسؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هنا ، بعد كل هذا التمدد الشيعي الإيراني في سوريا و لبنان وبعد قدرة اسرائيل في تثبيت حكمها و خلق معادلة جديدة في فلسطين ، هل نستطيع الان ان نطلق علي الشام وصف ( شام علي المذهب الشيعي ) ؟
واهم من يعتقد ان التمدد الإيراني في المنطقة العربية سيتوقف عند دولة معينة او عند مدينة معينة ! ، إيران لديها هدف و حلم مماثل بالضبط لحلم اسرائيل في المنطقة ، و ستبذل كل ما في وسعها لتحقيقه ، بينما نحن العرب غارقين في خلافاتنا السياسية و الثقافية .
فمن السهل جدا ان تجد في الوطن العربي شخص يسب ويلعن احدهم و يلعن بلاده لمجرد هزيمة فريقه المفضل في كرة القدم أو ربما لأن احدهم سخر من مطربه المفضل !
نحن العرب بحاجة شديدة للإيمان بفكرة ” العرب اخوة ” وليس بمجرد القول أو الخروج بنغمة ” الضمير العربي ” ! ، في نظري يجب أن يُربي الطفل العربي أثناء طفولته علي فكرة أن صديقه من تونس او السعودية او مصر او سوريا أو الصومال ، هو اخاه وليس مجرد صديق !
بيان إستنكاري
في الواقع نحن العرب بارعون الي أقصي درجة في إصدار بيانات إستنكارية ، و التي تصدر من وزارات الخارجية للدول العربية ، فعندما تري ردة فعل دول اوروبا بعد التدخل الروسي في اوكرانيا في 27 فبراير 2014 و مجرد مقارنته بردة فعل جامعة الدول العربية اثناء سقوط حلب ، لا ابالغ اذا قلت انه قد يدفعك للإنتحار !
بصفتي مواطن عربي قبل اي شئ ، هل يجب أن احزن و ابكي لأن سوريا اصبحت تحت سيطرة دول اجنبية بقيادة ايران و روسيا و في الجهة الاخري تنظيم داعش ، ام يجب ان احزن لان سوريا اصبحت دولة تحمل المذهب (الشيعي) تابعة لإيران حالها كحال جنوب لبنان و اليمن او حالها كحال العراق جميع مقاليد الحكم بها يتولاها أشخاص و حكام ع المذهب الشيعي ولكن في النهاية تحت مسمي سنة ! ، في الواقع انا اريد ان ابتعد عن كل هذه الضوضاء لأطرح سؤال برئ الي أقصي حد ” ماذا بعد سوريا يا عرب ؟ “
*كاتب و مدون مصري ، مهتم بالقضايا العربية و باحث في شئون الإسلام السياسي