تتصاعد الانقسامات الداخلية بين مؤسسات وأركان النظام الإيراني لدرجة بات معها التنبؤ ببدء مرحلة داخلية خطيرة مكتظة بالخلافات والصراعات التي بدأت بالظهور علنا وتتجه نحو المجهول وتشير إلى قرب انهيار النظام من الداخل.
وعندما يصل الانقسام والخلاف بين المؤسسات الحساسة للدولة، والتي من المفترض أن تكون هذه المؤسسات هي الجهات التي تعمل على رأب الصدع وحل النزاعات، وتشرف على عمل مؤسسات الدولة وتنظم الروابط والعلاقات بينها، فإن الوضع يسجل خطيرا للغاية.
ورغم حرص النظام الإيراني الشديد على التكتم على الخلافات والصراعات الداخلية بين مؤسساته، غير أن قوتها كسرت حاجز الحرص وأخذت تتسرب إلى الرأي العام ووسائل الإعلام في مؤشر واضح على تخط المؤسسات ووهن النظام.
لقد كشفت الانقسامات الدائرة حاليا بين وزارة المخابرات الإيرانية من جهة والادعاء العام من جهة أخرى الوهن الذي يعاني منه جسد النظام، ففي الوقت الذي أكد فيه وزير المخابرات الإيراني “محمد علوي” على عدم وجود أي مسؤول إيراني يحمل جنسيتين، يجد على مكتبه قائمة أرسلها مدعي عام إيران “محمد جعفر منتظري” تضمنت 52 مسؤولا إيرانيا يحملون جنسيتين، ليتحول هذا الموضوع إلى تحد وخلاف يتصاعد مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية.
ومن جهة أخرى أثارت الاعتقالات التي قام بها الحرس الثوري الإيراني في صفوف الصحفيين والنشطاء السياسيين الإصلاحيين ردة فعل غاضبة عبر عنها عدد من أعضاء مجلس الشورى الإيراني، الذين أرسل أربعة منهم وهم: محمد علي وکیلي، والیاس حضرتي، وعبد الکریم حسین زاده، وبهرام بارسایي رسالة إلى الرئيس حسن روحاني يطالبوه فيها بمساءلة وزراء المخابرات والعدل والداخلية والثقافة حول اعتقال مسؤولي 12 قناة في التيلغرام وعدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين الإصلاحيين في الأيام الأخيرة الماضية، ومعرفة الجهات التي نفذت هذه الاعتقالات وأسباب الاعتقال وخاصة أن هذه الاعتقالات جاءت قبل الانتخابات الرئاسية.
وفي تحذير واضح لتدخل الحرس الثوري الإيراني في الانتحابات القادمة لصالح التيار المتشدد، بعث النائب عن مدينة طهران في مجلس الشورى “محمود صادقي” رسالة إلى قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري انتقد خلالها الاعتقالات التي تمت مؤخرا، وطالب الحرس الثوري بعدم التدخل في الانتخابات، كما نقل موقع سحام نيوز انتقادات نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني “مسعود بزشكيان” للاعتقالات التي تمت مؤخرا في حق النشطاء الإصلاحيين، وقال بزشكيان: يجب أن نجلس مع من نفذوا هذه الاعتقالات ونتحدث معهم داخل المجلس، لأن هذا السلوك ليس في مصلحة البلد.
وما يشير إلى تأزم هذه الانقسامات صدور عقوبة السجن لمدة ستة أشهر ضد ابنة الرئيس الإيراني الأسبق، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الراحل، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بعد اتهامها بالتمرد على السلطات والدعاية الكاذبة ضد الدولة والسلطة القضائية والحرس الثوري، وذلك بعد إجرائها مقابلات بشأن الحسابات المصرفية المتعلقة برئيس السلطة القضائية صادق آملي لاریجاني.
وكانت فائزة رفسنجاني قد أثارت جدلا واسعا حين أعلنت أن سبب وفاة والدها الذي أعلنته السلطات الإيرانية في 8 من يناير الماضي غير مقنع، واعتبرت أن الأدلة التي قدمتها مجموعة من الأطباء عن أسباب وفاة والدها هاشمي رفسنجاني، ليست مقنعة ومخالفة للحقائق المتوافرة، مؤكدة أن والدها كان بوضع صحي جيد قبل وفاته، وقد تم فحصه من قبل طبيب إيراني مخضرم مقيم في الولايات المتحدة، وتصريحاتها هذه تعتبر اتهاما للنظام الإيراني والحرس الثوري بتصفية أبيها أكبر معارضي النظام، وقد تؤثر هذه الاتهامات على الدائرة الشعبية التي تسعى للخلاص من نظام ولاية الفقيه.
ويعد استهداف ابنة رفسنجاني من قبل التيار المتشدد والحرس الثوري حلقة جديدة من الصراع بين المعسكرين المتنازعين على السلطة في إيران، ومن المتوقع وحسب ما يعكسه المشهد الحالي المتوتر فإن هذا الصراع سيشتد مع قرب حلول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفي حال استمر النهج التعسفي والقمعي الذي يتبعه الحرس الثوري في إجهاض تحركات الإصلاحيين واعتقال الصحفيين والنشطاء، فإن الوضع سيتأزم ويتحول الصراع بين الشعوب والنظام وخاصة إذا ما تلاعب الحرس الثوري بالانتخابات المقلبة بعد ثبوت تدخله المباشر لصالح الأصوليين.
المصدر| مركز المزماة للدراسات والبحوث