عندما تزوج صادق زميلته في الدراسة، لم يكن يتصور أنه سيلقى مصير آلاف الإيرانيين ممن يرزحون تحت أعباء مالية كبيرة ربما تقودهم إلى السجن بسبب المبالغ الضخمة المترتبة عليهم في حالة الطلاق.
وتسجل هذه الحالات ازديادًا في إيران، حيث يتعهد العريس بتقديم مهر يوازي قيمة عدد من العملات الذهبية لعروسته في حال وقع الطلاق، على أن تتفاهم عائلتا العروسين في شأن مقدار هذا المهر قبل الزواج.
ويوضح صادق الذي تطلق العام الماضي بعد زواج استمر ثماني سنوات، بالقول: “المهر كان مرتفعًا ويبلغ حوالي 800 قطعة ذهبية، لكن عندما كنا نحضر لزفافنا لم نتوقع كيف ستؤول الأمور في نهاية المطاف”.
ويقرب ثمن كل قطعة ذهبية من عشرة ملايين ريال إيراني (300 دولار)، وتالياً فإن قيمة 800 قطعة ذهب توازي إيرادات 50 عامًا من العمل بالنسبة لأي إيراني يتقاضى راتبًا شهريًا يوازي متوسط الأجور في البلاد.
ووفق صادق، عندما ظهرت المشكلات مع زوجته وبدأت فكرة الطلاق تراودهما، “حصل تفاهم على أن تسلك الأمور منحى رضائيًا من دون دفع المهر”.
لكن عائلة الزوجة تدخلت ووجد صادق نفسه أمام محكمة أمرته بدفع مبلغ فوري يوازي ثمن 110 عملات ذهبية تحت طائلة السجن.
منحى تجاري
ويقول صادق إن “فكرة دخول السجن كما في الأفلام لسبب كهذا كانت تبدو سخيفة”، مضيفًا “المهر وسيلة جيدة للدعم المالي بالنسبة للنساء في مجتمع ذكوري مثل إيران، لكن الأمور بدأت تتخذ طابعًا تجاريًا”.
وركز صادق في دفاعه أمام المحكمة على صعوبة وضعه المالي، ونجح بفضل ذلك في انتزاع اتفاق يتعهد بموجبه دفع ما يوازي قيمة 120 قطعة ذهبية (36 ألف دولار) بواقع قطعة واحدة في الشهر. ويتعين عليه بذلك دفع المبلغ كاملًا على عشر سنوات مضحيًا بنصف راتبه شهرياً لهذه الغاية.
لكن بعد خمسة أشهر على الاتفاق، فقد صادق وظيفته كمصور.
وتشير السلطات القضائية إلى أن 2297 رجلًا يقبعون في السجون الإيرانية بسبب تعذر دفع قيمة المهر المترتبة عليهم.
ويبقى الأمل الوحيد بالنسبة للأكثر فقرًا من بين السجناء، هو الإفادة من سخاء متبرعين أثرياء يتكفلون تسديد قيمة ديونهم، على غرار ما حصل بالنسبة لـ1700 سجين من هؤلاء خلال مراسم أقيمت أخيرًا في طهران.
ويقول هادي صادقي وهو رجل دين ومسؤول عن الهيئة القضائية التي تساعد في تنظيم هذه المراسم: “مع الأسف، أدت المنافسة بين العائلات إلى ارتفاع غير مسبوق في قيمة المهور”.
وللفوز بيد العروس، تعمد عائلات إلى المزايدة في قيمة المهر ما أفقد هذا النظام وظيفته التقليدية القائمة أساسًا على توفير مبلغ مالي للعروسين الشابين يكفي لتسديد ثمن أثاث المنزل الزوجي وفق صادقي.
تهديد للرجال
وفي الوقائع، تحول المهر إلى تهديد للرجال الذين قد يجدون أنفسهم في أسوأ الحالات ضحايا عمليات ابتزاز ممارسة من عائلات الزوجات بحسب صادقي.
ويقول صادقي: “على الفتيان المقبلين على الزواج التنبه لعدم الوقوع في الفخ”.
ويشير علي رضا افساري وهو مدير صندوق لمساعدة السجناء في هذه القضايا، إلى أن “السؤال الأول الذي تطرحه عائلات كثيرة عند تزويج بناتها يتعلق بالمهر”، مضيفًا “يجب تعديل بعض القوانين وتغيير بعض العادات الثقافية والاجتماعية”.
لكن بالنسبة لنساء كثيرات، يبقى المهر وسيلة ناجعة لضمان حقهن في حال الطلاق.
وتقول صافي وهي عروس شابة في العشرين من العمر: “تبدي كل امرأة مقبلة على الزواج خوفًا من عدم الاستحصال على أي حقوق فعلية في حال الانفصال وتحاول ضمان حقها من خلال المهر”.
وسجلت أعداد الطلاق في إيران ازديادًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة في ظل موجات الحداثة في المجتمع وحصول النساء على حيز أكبر من الحريات والحقوق.
وفي الأشهر الـ11 الأخيرة، شهدت إيران 165 ألف حالة طلاق في ارتفاع نسبته 15% خلال خمس سنوات، وفقًا لـ”فرانس برس”.
وتقول شيما البالغة من العمر 28 سنة، إنه “في حال كانت السلطات تبحث عن سبل لدعم النساء مع السماح للرجال بإظهار إخلاصهم لعائلاتهم، يجب إقرار قوانين جديدة بينها على سبيل المثال إرساء تقاسم قانوني لممتلكات الرجال قائم على المناصفة مع النساء”.
لكن حتى اللحظة، يبقى صادق رازحًا تحت أعباء ديونه إذ يتعين عليه دفع 300 دولار شهريًا لطليقته على رغم كونه عاطلًا عن العمل. وهو لم يتمكن من تسديد آخر الدفعات المستحقة عليه ما يعرضه لخطر داهم بدخول السجن.
ويستذكر صادق قائلًا: “كنا زميلين في الدراسة واستمرت علاقتنا سنة أو اثنتين قبل الزواج.. كنا نعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام إلى الأبد”.