"سياسة الخوف".. هي منهج إيران منذ زمن طويل في التعامل مع المعارضين، حيث يُقتل فيها المعارضين ومع مرور الوقت تكشف السلطات أنها هي من قامت بتصفيتهم بفتاوى من رجال الدين المتشددين.
"الاستخبارات" ذراع الاغتيالات
وتستخدم إيران بشكل أساسي وزارة الاستخبارات الإيرانية في تصفية معارضيها، حيث تشير أصابع الاتهام إليها، لاسيما وأنها اتهمت بشكل اساسي في “الاغتيالات المسلسلة” التي وقعت في نهاية التسعينيات بإيران، حيث تمت تصفية العديد من المعارضين لنظام الجمهورية الإيرانية في الداخل والخارج.
ففي الداخل دأبت “الاستخبارات” على الاغتيالات وفق فتاوى من رجال دين الملالي مصباح يزدي وجنتي وآخرين، حيث سَرّبت قائمة تقضي بفتاوى لاغتيال 197 مثقفا وكاتبا.
أما في الخارج، فأشهر الاغتيالات التي نفذتها وزارة الاستخبارات الإيرانية هي: عملية اغتيال في باريس ضد شابور بختيار آخر رئيس وزراء لإيران في عهد الشاه، وكذلك ضد الزعيمين الكرديين الإيرانيين الدكتور عبدالرحمن قاسملو في النمسا والدكتور صادق شرفكندي واثنين من رفاقه في برلين بألمانيا.
وفي أكتوبر 2013 وبمناسبة مرور 30 عاماً على تأسيس وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، كشفت وسائل إعلام إيرانية عن وجود 16 جهازاً للأمن والاستخبارات تعمل بإشراف “مجلس تنسيق المعلومات”، يرأسه وزير الاستخبارات محمود علوي.
وأنشأت إيران عام 1984 وزارة الاستخبارات لتقوم بدمج الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي كانت تعمل بشكل مستقل منذ حل جهاز “السافاك” الأمني التابع لنظام الشاه عقب الثورة عام 1979.
حفيدة شقيقة “روحاني”
اثيرت أنباء عن اعتقال السلطات الأمنية في إيران طاهرة قيومي، حفيدة شقيقة الرئيس حسن روحاني ورئيسة قسم العلاقات الدولية والإعلام في مكتب الرئاسة، بتهمة التواصل مع وسائل إعلام معادية للنظام، بحسب ما ورد من أنباء في مواقع إيرانية فبراير الماضي.
وكشف موقع “آمد نيوز” أن السلطات الأمنية اعتقلت قيومي يوم الأربعاء 15 فبراير الماضي، وتم التحقيق معها عن طريق المدعي العام لمدينة طهران، عباس جعفري دولت آبادي، بتهم لم تعلنها السلطة القضائية رسمياً حتى الآن.
وتضاربت الأنباء حول ما إذا كان قد تم الإفراج عنها واستدعاؤها مرة أخرى، أم أنها بقيت قيد الاعتقال، حتى أفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية، 4 مارس الجاري، أن “طاهرة قيومي أطلق سراحها بعد جهود بذلها الرئيس حسن روحاني”، مشيرة إلى أن “السلطات القضائية طلبت من روحاني التحقيق مع قيومي في وقت لاحق”.
ونقل الموقع الإيراني نقلاً عن مصادره في الحكومة الإيرانية أن التحقيق مع قيومي تم في الطابق الثاني بمبنى الادعاء العام وسط العاصمة طهران، واستمر لعدة ساعات مع رئيسة قسم العلاقات الدولية والإعلام في مكتب الرئيس حسن روحاني.
ويرى مراقبون في الشأن الإيراني أن اعتقال طاهرة قيومي يأتي في إطار تصفية حسابات والصراع على السلطة الذي أصبح علناً في الآونة الأخيرة بين الرئيس حسن روحاني المنتمي للتيار المعتدل، ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني المنتمي للتيار المتشدد، المقرب من المرشد علي خامنئي.
تصفية “رفسنجاني “
وفي يناير الماضي، كشف موقع “آمد نيوز” الإلكتروني المقرب من المعارضة الإصلاحية، الاثنين، عن وجود معلومات تشير إلى قيام النظام الإيراني بـ”تصفية” رئيس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الأسبق على أكبر هاشمي رفسنجاني الذي أعلنت الحكومة عن وفاته نتيجة أزمة قلبية.
وذكر الموقع في قناته على موقع التواصل الاجتماعي “تليغرام”، نقلاً عن مصادر مطلعة تتحدث عن معلومات عن اغتيال رفسنجاني بالكيماوي قبيل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في مايو المقبل”.
وبلغ رفسنجاني الذي يوصف بثعلب السياسية الإيرانية من العمر 83 عامًا ويعتبر “شيخ الإصلاحيين وزعيمهم” بسبب نفوذه الواسع في البلاد.
الاغتيالات المسلسلة
في نهاية أكتوبر الماضي، حذر نائب رئيس البرلمان الإيراني، علي مطهري، من عودة “الاغتيالات المسلسلة” بالإشارة إلى موجة التصفيات الجسدية التي نفذتها المخابرات الإيرانية، والتي طالت في نهاية التسعينيات العشرات من المثقفين والكتّاب والسياسيين المعارضين للنظام الإيراني في الداخل والخارج.
يذكر أن وزارة الاستخبارات الإيرانية كانت قد نفذت الاغتيالات المتسلسلة في عهد الرئيس خاتمي في بداية حقبة الإصلاحات، حيث تم تصفية عشرات الكتّاب والسياسيين في الداخل، وراح ضحيتها محمد مختاري وجعفر بويندة وداريوش فروهر وزوجته بروانه اسكندري وبيروز دواني، ونفذتها خلية بقيادة سعيد إمامي، نائب وزير الاستخبارات آنذاك.
وكانت الاغتيالات تتم وفق فتاوى من رجال الدين المتشددين، مصباح يزدي وجنتي وآخرين، حيث سَرّبت قائمة تقضي بفتاوى لاغتيال 197 مثقفا وكاتبا.
من جانبها طالبت منظمة ” مراسلون بلا حدود” بمحاكمة 3 مسؤولين في النظام الإيراني، لما عرفت في إيران بـ” الاغتيالات المسلسلة” في التسعينات والتي طالت العشرات من المثقفين والكتّاب والسياسيين المعارضين في الداخل، الذين تمت تصفيتهم بفتوى مراجع ومسؤولين كبار في النظام الإيراني.
وبحسب البيان، فإن ‘ثلاثة من المسؤولين الرئيسيين عن تلك الاغتيالات، وهم مصطفى بورمحمدي وزير العدل الحالي، وغلام حسين محسني ايجئي المتحدث باسم السلطة القضائية، وقربان علي درّي نجف آبادي المدعي العام الإيراني، غير قلقين من أي ملاحقة قضائية !.
كما أدانت المنظمة قمع الأمن الإيراني لمراسم أقامها ناشطون وعائلات في 2 ديسمبر 2016 لضحايا الاغتيالات التي طالت المثقفين والصحافيين المدافعين عن حرية التعبير في خريف 1998، حيث قام عناصر الأمن بإبعاد المشاركين من المقبرة التي دفن فيها المقتولون في ضواحي العاصمة طهران.
ولفتت المنظمة أن ” ضلوع كبار المسؤولين في إيران في القتل بات واضحا إلا أنه ليس هناك أي إرادة لملاحقتهم قضائيا، كما أن منفذي الاغتيالات الذين أدينوا بالحبس بين 3 و15 عاما هم طلقاء اليوم “.
اغتيالات في الخارج
وقبيل الاغتيالات المسلسلة في داخل إيران في التسعينيات من القرن الماضي، نفذت المخابرات الإيرانية عدة اغتيالات ضد معارضين في الخارج، كان أشهرها كما يلي:
– في العام 1989م اغتالت في فيينا عبدالرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومساعده عبدالله آذر، وهو على طاولة التفاوض مع وفد جاء من إيران.
– في باريس عام 1991م قام الحرس الثوري الإيراني باغتيال شابور بختيار آخر رئيس وزراء في إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ما أودى بحياة رجل أمن فرنسي وسيدة فرنسية أيضا.
– في برلين عام 1992م اغتالت إيران الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني صادق شرفكندي وثلاثة من مساعديه “فتاح عبدولي، همايون اردلان، نوري دهكردي”.
– في الثالث من أيار لعام 1991 اغتالت إيران الأمين العام للجبهة العربية الأحواز، حسين ماضي، في بغداد، حيث كان مقر الجبهة.
– في 24 أبريل 1990 اغتالت إيران كاظم رجوي شقيق مسعود رجوي زعيم ممظمة مجاهدي خلق المعارضة، وكان ناشطا بارزا بمجال حقوق الإنسان، حيث اغتيل بالقرب من منزله في كوبيه في جنيف.
وأعلن القاضي السويسري شاتلان في 22 يونيه 1990 في بيان صحافي أن 13 مسؤولاً رسمياً للنظام الحاكم في إيران جاؤوا من طهران الى جنيف بجوازات سفر “دبلوماسية” لتنفيذ هذا الاغتيال وعاد بعضهم مباشرة بعد الاغتيال إلى طهران برحلة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية.
تهديدات مباشرة بالتصفية
وكان الناشط الإصلاحي روح الله زم، المقيم في فرنسا، كشف في سبتمبر الماضي، عن تهديدات وجهت له بتصفيته من قبل أجهزة الاستخبارت الإيرانية في حال استمراره بفضح ملفات الفساد وحملات القمع والملاحقة ضد الناشطين والصحافيين والمنتقدين عبر موقع “سحام نيوز” المقرب من مهدي كروبي، أحد زعماء الحركة الخضراء الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ 5 سنوات.
كما كشف زم عن عملية تصفية القائد السابق للجيش الإلكتروني بوزارة الاستخبارات الإيرانية محمد حسين تاجيك،(35 عاما) في يوينو الماضي، بعد اتهامه بـ “التجسس” ونقل الأخبار الأمنية لصالح نشطاء الحركة الخضراء المعارضة.
وكان تاجيك بالإضافة إلى وظيفته كقائد الجيش الإلكتروني بوزارة الاستخبارات، قد شغل منصب مدير الدائرة التقنية بنفس الوزارة، كما كان عضوا في استخبارات الحرس الثوري، وأيضا كان عضوا في استخبارات ” فيلق القدس” الملكف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
وكان محمد حسين تاجيك قد اتهم في أغسطس 2013 بالتجسس واعتقل من قبل وزارة الاستخبارات بسبب تعامله وتأييده للحركة الخضراء، وبقي حوالي عام ونصف، تحت التعذيب في سجن ” إيفين” حتى أطلق سراحه في فبراير 2014 بكفالة والده.
ويعتبر محمد تاجيك والد المقتول من كبار الموظفين القدامى في الاستخبارات وكان يعرف بالاسم الحركي “حاج ولي” وقد لعب دورا أساسيا في “الاغتيالات المسلسلة” التي طالت مثقفين وناشطين وكتّاباً وصحافيين في التسعينيات من القرن.
يذكر أن العديد من غالبية نشطاء وقيادات الحركة الخضراء جاؤوا من داخل أجهزة ومؤسسات النظام، لكنهم تحولوا إلى معارضين بعد القمع الدموي للاحتجاجات التي اندلعت عام 2009 ضد ما قالوا إنه تزوير بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى فوز الرئيس المتشدد السابق محمود أحمدي نجاد.
شبكة اغتيالات عالمية
في يناير 2013 كشف تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” حصول واشنطن على معلومات جديدة تؤكد أن أجهزة المخابرات الإيرانية لديها شبكة مكونة من عشرات الآلاف من عناصر مخابراتية للتخطيط لعمليات الاغتيالات حول العالم وقمع المعارضين داخل البلاد. وأن هذه الأجهزة السرية للمخابرات الإيرانية تستخدم أكبر وأشد العمليات التجسسيّة في أنحاء العالم من مخططات للاغتيالات والتفجيرات الإرهابية والحرب السايبري.
ولم تنكر السلطات الايرانية قيامها بإغتيالات على ايدي جهاز الاستخبارات، جاء ذلك على لسان محمود علوي وزير الاستخبارات الإيراني، في الخامس من سبتمبر من العام 2015، عندما قال إن من ضمن نشاطات وزارته خارج البلاد ” تنفيذ اغتيالات ضد معارضين لنظام الجمهورية الإيرانية في الخارج”.
ووفقا لوكالة أنباء السلطة القضائية الإيرانية وعدد من الوكالات الرسمية وغير الرسمية، أكد أن “الاغتيالات شملت زعيم جيش النصر البلوشي عبدالرؤوف ريغي وابن شقيقه وأشخاص آخرين في باكستان”.
وكان مساعد الأركان الإيرانية الجنرال، مسعود جزائري، أكد في تصريحات أن السلطات ترصد المعارضين في الداخل والخارج، وقال إن النظام الإيراني سيواجه امتدادات المعارضة ونشاطاتها للإطاحة بالنظام إلى خارج الحدود.
ومن الواضح أن النظام الإيراني لا يخشى من تصفيات المعارضين؛ حيث مرارًا وتكرارًا يجاهر بذلك على الملأ دون أن يخشى أحدًا، ولكن يبقى السؤال هل هذه هي أقصى جرائم النظام الإيراني؟!!
التقرير