يعتبر مرض السل من أكثر الأمراض التنفسية خطورة، ولأن أعراضه الأولية كالحمى والسعال، تتشابه مع الكثير من الأمراض غير الخطيرة، فإن أغلب الحالات يتم اكتشافها في وقت متأخر وبعد تطور المرض إلى مراحل خطيرة قد تودي بحياة المريض، وهذا ما يجعل انتشار المرض وارداً في المجتمعات الفقيرة خاصة التي لا يمتلك أفرادها أي نوع من التأمين أو الضمان الصحي ولا يخضعون لفحوصات دورية أكثر من غيرها من المجتمعات، وهذه الأوضاع مطابقة تماماً لحياة أغلب الشعوب الإيرانية التي تفتقر إلى أدنى مقومات الصحة والسلامة.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن من أكثر أسباب انتشار مرض السل: التدخين والتلوث ونقص المناعة وسوء التغذية، وهذه الأسباب تجعل من المراقب للوضع الإيراني والمتابع لشؤونها لا ينصدم من التصريحات التي نشرتها وكالة أنباء فارس عن رئيسة دائرة السيطرة على مرض السل والجذام في وزارة الصحة الإيرانية “مهشيد ناصحي” بأن (هناك أكثر من 10 آلاف شخص قد أصيبوا بمرض السل في عام واحد في إيران).
إن الإحصائيات المنشورة في الصحف الإيرانية حول أعداد المدخنين وأعمارهم تدق ناقوس الخطر، فقد تبين في تقرير أوردته صحيفة “آفرينش” الإيرانية عن ارتفاع استهلاك الدخان بين النساء في إيران، أنه (في عام 2004 كان معدل استهلاك الدخان بين 100 امرأة 4.3%، وفي عام 2010 أصبح 6.9%، وهذا يعني أن استهلاك الدخانيات من قبل النساء قد ارتفع من عام 2004 حتى عام 2010 بنسبة 2.6%، لذلك فإننا سنشهد ارتفاعاً لاستهلاك التدخين بين النساء في المستقبل أيضاً)، وعندما تنتشر عادة مثل التدخين بين النساء فمن المؤكد أن الأطفال سيعانون من هذه الظاهرة أيضاً، مع العلم أن الأضرار على الأطفال ستكون كارثية بشكل أكبر، فقد نقلت صحيفة “آرمان” الإيرانية في وقت سابق عن مسؤولين في وزارة الصحة الإيرانية أن (سن التدخين في إيران قد انخفض قبل بضعة سنين إلى ما بين 14 إلى 16 عاماً، أما الآن فقد وصل إلى عمر 12 عاماً، وأضافت أن الشعب الإيراني ينفق سنوياً 30 ألف مليار تومان على التدخين، لذا فإن ما يقارب 65 ألف شخص يموتون سنوياً في إيران بسبب التدخين، كما أن استهلاك الشيشة قد ارتفع بنسبة 20% بين طالبات المدارس والجامعات).
ومن الطبيعي أن تعزز هذه الأرقام المروعة من احتمال انتشار مرض السل في المجتمع الإيراني، الذي لم تؤثر فيه التصريحات أو الاقتراحات التي تم تقديمها مثل رفع نسبة الضرائب على التبغ، أو حتى القوانين التي تم سنها للتقليل من خطر التدخين عليه، إذ نقلت وكالة أنباء فارس تصريحات وزير الصحة الإيراني “سيد حسن هاشمي” حول تطبيق قانون مكافحة التدخين والتي أكد فيها أنه (حتى الآن لم يطبق سوى 10% من قانون مكافحة التدخين، الأمر الذي جعل 60 ألف إيراني يموتون سنوياً بسبب التدخين).
ولكون المدن الإيرانية من أكثر المدن تلوثاً في العالم، فقد أوردت صحيفة “اعتماد” تقريراً يتحدث عن تردي حالة الجو في إقليم خوزستان (الأحواز) بسبب ارتفاع نسبة التلوث في الهواء، وقالت فيه (إنه لا يوجد شيء يتجول في شوارع وحارات خوزستان غير الغبار والأتربة، وحياة الأحوازيين لا تغدو أن تكون أكثر من الموت البطيء، وأضافت أن مؤشر تلوث الهواء في الأهواز قد وصل إلى 8110 وفي ماهشهر إلى 10 آلاف ميكروغرام لكل متر مكعب، وهو ما أدى إلى تعطيل كافة الدوائر والمدارس في إقليم خوزستان)؛ فإن هذه المدن وغيرها من المناطق التي تعاني من هذا المستوى من التلوث ستشكل بيئة حاضنة لمرض السل وغيره من الأمراض الخطيرة على صحة المجتمع.
كما أن العاصمة الإيرانية طهران ليست بعيدة أبداً عن هذا التلوث الذي يؤدي إلى وفاة 12 شخصاً يومياً فيها، وذلك حسب صحيفة “آرمان” الإيرانية التي نقلت عن “معصومة آباد” رئيسة لجنة السلامة في مجلس بلدية طهران تصريحاً قالت فيه: (إن أعداد الوفايات الناتجة عن تلوث الهواء قد بلغت في العام الماضي أكثر من 4400 شخص، بمعدل 12 شخصاً كل 24 ساعة، أي كل ساعتين يموت شخص بسبب تلوث الهواء في طهران).
ولا تتوقف أسباب الوفاة الناتجة عن التلوث على الطقس فحسب، فحتى السيارات القديمة التي مازال يستخدمها كثير من الإيرانيين في شوارع طهران دون أن تلتفت السلطات الإيرانية إلى مدى الخطر الذي تشكله هذه السيارات على الصحة وتؤدي إلى رفع نسبة التلوث وتزيد من أسباب الأمراض الخطيرة والمزمنة كالسل وغيره، وقد جاء هذا تحت عنوان “500 ألف سيارة بالية وملوثة تعرض أرواح الملايين في طهران للخطر” الذي أوردت صحيفة “جمهوري إسلامي” تحته تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة مراقبة نوعية الهواء “وحيد حسيني” حول وجود مئات الآلاف من السيارات المهترءة والتي تسبب التلوث في الهواء، وقال (إن وجود 500 ألف سيارة بالية وقديمة تعرض أرواح الملايين من الناس في طهران للخطر، وأضاف: إنني أتعجب من الذين يقولون الأفضل أن يموت الناس، في حين يتحرك الشعب بسيارات قديمة في طهران، وأضاف أن هذه السيارات تسبب تلوثاً للهواء بشكل كبير، وهو ما يرفع نسبة السكتات القلبية والتنفسية وأنواع السرطانات والربو وغيرها من الأمراض المزمنة والقاتلة، وأضاف أن المسؤولين مازالوا يرفضون تغيير هذه السيارات واستبدالها بسيارات مناسبة للمحافظة على أرواح 10 مليون نسمة).
وفي هذا الجو من التلوث والتدخين ينتشر أيضاً سبب آخر لمرض السل وهو سوء التغذية والذي يرجع إلى الكثير من الأسباب في إيران وله آثار خطيرة واضحة على صحة المجتمع الإيراني في الحاضر وإذا لم يتم حلها فستكون النتائج كارثية في المستقبل، ومن أهم أسباب سوء التغذية الفقر المنتشر بشكل غير مسبوق في إيران، والذي يطال معظم فئات المجتمع الإيراني، مما يجعلها غير قادرة على توفير الغذاء الصحي المتوازن لأفراد أسرها، ولن يجعلها قادرة على زيارة الطبيب للمتابعة الصحية ولتلقي النصائح اللازمة حول التغذية السليمة لكل فرد من أفراد الأسرة حسب العمر والوضع الصحي، وتحت عنوان أكثر من 200 ألف طفل في إيران يعانون من سوء التغذية بسبب الفقر، أفادت صحيفة “اعتماد” أن هناك أكثر من 200 ألف طفل يعانون من سوء التغذية في إيران بسبب الفقر، وأن وقف السلات الغذائية سيزيد من خطورة هذا الوضع، وأضافت أن إيران تعاني من مشكلة سوء التغذية منذ عشرين عاماً، وتحت عنوان: 83% من الشعب الإيراني يعاني من سوء التغذية، نقلت صحيفة “رسالت” تصريحات مديرة مكتب التغذية التابع لوزارة الصحة الدكتورة “زهرا عبد اللهي” والتي قالت فيها: إن من أهم أسباب السكتة القلبية سوء التغذية وزيادة الوزن، وأضاف أن 83% من الشعب الإيراني أي ما يقارب 47 مليون نسمة يعانون من سوء التغذية، ومنهم نحو 7000 شخص يفقدون حياتهم سنوياً بسبب عدم مراعاة أسلوب غذائي سليم.
ومع اجتماع هذه الأوضاع الصحية السيئة، يتوجب على المواطن الإيراني أن يمتلك مناعة حديدية للتصدي لهذا الكم الهائل من الأمراض والأخطار الصحية المحيطة به في كل مكان، وهذا طبعاً غير متوفر في مجتمع يعاني من فيروس نقص المناعة المكتسبة وليس نقص المناعة الناتج عن سوء التغذية أو نقص الفيتامينات فحسب، وفي تقرير نشرته صحيفة “آرمان” الإيرانية نجد إحصائية مروعة عن انتشار مرض الإيدز في إيران تحت عنوان “من بين 800 إيراني هناك واحد مصاب بمرض الإيدز”، جاء فيه: (إن الكارثة الأكبر أن يكون الشخص مصاباً بالإيدز ولكنه لا يعلم أنه يحمل هذا الفيروس، وبعد ذلك يتزوج، فتصاب زوجته أو زوجها بهذا المرض القاتل، ويصاب أطفالهم أيضاً)، وأضاف التقرير أن وزير الصحة الإيراني قد صرح في برنامج تلفزيوني أن (أعداد المصابين بالإيدز في إيران بلغت 100 ألف مصاب، وهذه الإحصائية مرعبة للغاية، لأن ذلك يعني أن من بين كل 800 إيراني هناك واحد مصاب بالإيدز، ولكن المصيبة الأكبر أن هناك الكثير من الأشخاص مصابون بهذا المرض ولكنهم لا يعلمون، وهو ما يزيد هذه المشكلة تعقيداً، لأنهم ينقلون مرض الإيدز دون علم أحد)، وأكد التقرير أن (هذا المرض ينتشر بهذه السرعة في إيران عن طريق العلاقات الجنسية وتعاطي المخدرات بالحقن)، وأضاف التقرير أن (زيادة انتشار الإيدز بسبب العلاقات الجنسية أخذ يهدد المجتمعات وخاصة الشباب)، وفي الحقيقة فإن ما أول ما ستصدم به الحكومة الإيرانية إذا ما حاولت مكافحة أسباب انتشار مرض الإيدز هو العقيدة الدينية وأفكار منظري نظام ولاية الفقيه التي تحرض على زواج المتعة وتعتبره أمراً مشروعاً يثاب فاعله، إلا أنها في الحقيقة تنشر الأمراض وتسبب الأذى البليغ للشعوب الإيرانية، كما أنه وبسبب التعتيم الذي يمارسه النظام الإيراني على الإحصائيات حول الأعداد الحقيقية للمصابين بالإيدز وفئاتهم العمرية وحالتهم الاجتماعية، لما تسببه من تشويه لصورة هذا النظام أمام شعوبه وأمام الرأي العام العالمي حول تعاليم المذهب الديني الذي لا يفتأ يروج له؛ فإن الجهات المختصة في مكافحة هذا المرض لن تتمكن من اتخاذ الإجراءات الفعالة أو الحصول على إحصائيات أو دراسات دقيقة تساعدها على محاربته في المجتمع الإيراني.
المصدر|مركز المزماة للداسات والبحوث