الجمعة, 12 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

الفساد في إيران – الجزء الثاني

بدون رقابة - | Tue, Nov 22, 2016 12:26 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

ملفات الفساد التي أثارت ضجة في إيران:

1 – ملف ما يعرف بــ “قضية شانديز” وهي مجموعة شركات إعمار وبناء، مدعومة من قبل الحكومة الإيرانية، وتعتبر من أكبر ملفات الفساد في عهد حكومة المتشدد محمود أحمدي نجاد، ويتهم فيها المسؤولون باختلاس مبلغ 94000 مليار تومان (27 مليار دولار)، ومازالت هذه القضية تثير ضجة إعلامية، وقد تظاهر آلاف الأشخاص من المتضررين من هذه القضية عدة مرات مطالبين باسترداد أموالهم أو تسليمهم الشقق السكنية، كان آخرها يوم الثلاثاء الماضي 1 نوفمبر 2016.

2 – قضية رجل الأعمال الإيراني “بابك زنجاني” وهي أكثر ملفات الفساد إثارة للضجة الشعبية والرأي العام، وأكثر قضايا الفساد تركيزا من قبل وسائل الإعلام الإيراني، حيث تم الكشف في 2014 عن صفقات نفط مشبوهة واختلاسات كبرى قام بها بابك زنجاني، وطالت الفضيحة نائبي نجاد، محمود رضا رحيمي، وحميد بقائي، وبابك زنجاني رجل أعمال إيراني من مواليد عام 1974، أصبح من أكبر المستثمرين والتجار الإيرانيين في عهد محمود أحمدي نجاد، وتم اعتقاله عام 2013 بتهم فساد مالية واقتصادية كبيرة اعتبرت أكبر قضايا الفساد في تاريخ إيران، وتم اعتقال عشرات المسؤولين في حكومة نجاد على أثر هذه القضية التي مازالت مستمرة بسبب وجود عوائق كثيرة في مجراها، منها وجود جزء كبير من أموال زنجاني خارج إيران، وقد أصدرت السلطات الإيرانية حكما بالإعدام على بابك زنجاني بتهمة الإفساد في الأرض لأنه متورط في فساد مالي تورط فيه الكثيرون من خلف الستار، وقدر حجم الاختلاس في قضية زنجاني بـ 2.7 مليار دولار أميركي، شملت البنوك وشركات النفط، وتحدثت تقارير أن الحرس الثوري استخدم بابك زنجاني وعددا من الشخصيات الاقتصادية في تمرير مشاريع فساد نفطي للاتفاف على العقوبات من خلال استخدام شبكة خارج إيران كان زنجاني أحد أعضاء هذه الشبكة البارزة، ولا تزال قضية زنجاني من أكبر قضايا الفساد المعروفة في إيران، والتي تعتبر من ضمن ملفات فساد وزارات النفط والمالية ومؤسسة التأمين ومؤسسات حكومية أخرى متورطة جميعها باختلاس حوالي 70 مليار دولار من الخزينة العامة لإيران.

3 – قضية ما يعرف في إيران بــ “الكريسنت” وهي الاتفاقية التي وقعت بين وزارة النفط الإيرانية وشركة الهلال الإماراتية، ووصف المسؤولون الإيرانيون عبر تصريحاتهم التي تناقلتها وسائل الإعلام الإيراني ومنهم “مسعود ميركاظمي” وزير النفط الإيراني الأسبق، بأنها قضية فساد مالي واقتصادي كبيرة، وهي مليئة بالفساد والرشاوي، وقد كبدت الاقتصاد الإيراني خسارة تقدر بــ 18 مليار دولار، وأثارت هذه الاتفاقية ضجة إعلامية وساهمت في تحريك النزاع بين الأطراف السياسية في إيران، وأكد العالم الاقتصادي الإيراني “إبراهيم رزاقي” أن المصالح الوطنية الإيرانية لم تراع في هذه الاتفاقية، معتبرا أن مجيء حكومة روحاني وتعيين “زنكنه” وزيرا للنفط والذي كان من أعضاء هذه الاتفاقية هو السبب في تعطيل هذا الملف وضياع الحقوق الإيرانية، كما طالب رزاقي مجلس الشورى الإيراني باستجواب كافة الضالعين في هذه القضية وحتى الوزراء والرئيس روحاني من أجل التوصل إلى الفاسدين، والذين أخذوا الرشوة من أجل توقيع هذه الاتفاقية، في حين أوردت صحيفة “كيهان” تقريرا خاصا عن هذه القضية، وهي الاتفاقية التي يتم بموجبها بيع الغاز الإيراني للإمارات لمدة 25 عاما، وقال التقرير إن هذه الاتفاقية تمت بسبب فساد بعض الشخصيات المعروفة مثل ” عباس یزدان ‌پناه‌یزدی”، وأضاف التقرير أنه أمام حكومة روحاني طريقين اثنين لا ثالث لهما بخصوص هذه القضية: إما أن تقدم الحكومة الإيرانية وزير النفط الإيراني “بيجن زنكنه” وعدد من المدراء الضالعين بقضية الفساد “كريسنت” ليعترفوا أمام محمة لاهاي ويقدموا شكوى بأنها قضية فساد، أو أنها تصمت وتعرض إيران لخسارة مقدارها 30 مليار دولار، وتلزم إيران ببيع الغاز لمدة 25 عاما للإمارات بأسعار أقل بكثير من أسعار الغاز العالمية.

4 – قضية الفساد المتورط بها النائب الأول للرئيس الإيراني السابق “محمد رضا رحيمي” والذي اتهم بملفات فساد بلغت 70 مليار تومان، حيث تم الحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، واسترجاع مبلغ 5 مليارات و700 مليون تومان (2 مليون دولار)، ودفع غرامة مقدارها مليار تومان، ويعتبر رحيمي  أهم مسؤول يحاكم بتهمة “الفساد” حتى الآن.

5 – قضية ما يعرف بــ “الرواتب الفلكية أو الخيالية” وهي قضية يتهم فيها روحاني وحكومته بدفع رواتب خيالية وفلكية لبعض المدراء والمسؤولين العاملين في الحكومة الإيرانية، فاقت 10 أضعاف الرواتب العادية، وتبين أن أحد المسؤولين في وزارة الصحة يتقاضى نحو 2 مليار ريال (58 ألف دولار) شهريا، وتراوحت بعض رواتب المسؤولين ما بين 700 مليون و800 مليون ريال (ما يعادل 20 ألف دولار إلى 23 ألف دولار) شهريا، وقد أصبحت هذه القضية تشكل قلقا على حكومة روحاني، وتحولت إلى جدل واسع في إيران، خاصة أن روحاني أكد أنه وضع برنامجا لمكافحة ملفات فساد مسؤولي الحكومة السابقة، حيث زج بالعشرات منهم وعلى رأسهم مساعدي الرئيس السابق أحمدي نجاد، في السجون والمعتقلات بتهم فساد مالي، ليتضح أن حكومة روحاني من بين المتورطين في قضايا فساد كبرى في إيران، وعلى الفور حاول روحاني الذي تعرض لانتقادات واسعة تدارك حجم المصيبة باتخاذ بعض الإجراءات مثل إقالة رئيس الهيئة الرقابية على التأمين الحكومي “محمد إبراهيم أمين”، وتقديم حكومته اعتذارا رسميا مصحوبا بوعودات بمتابعة القضية والتحقق فيها.

6 – قضية فساد 8000 مليار تومان من “صندوق الإدخار التربويين”، ويتهم المسؤولون في هذا الصندوق بتقديم تسهيلات وقروض لثلاثين شخصا بقيمة 8000 مليار تومان بعد تلقيهم الرشاوي، وأصبحت هذه القضايا حاليا العصا التي يضرب بها المتشددون حكومة روحاني التي تحاول تقديم تبريرات أن هذه المبالغ قدمت على شكل تسهيلات وقروض ولا يجوز اعتبار القروض المستحقة التي لم تسدد حتى الآن بأنها فساد مالي.

7 – قضية التهرب من الضرائب، وقد اعتبرت هذه المسألة قضية فساد مالي وإداري، وتقدر قيمة الضرائب التي يتم التهرب منها سنويا ما بين 20 إلى 30 ألف مليار تومان، وذلك حسب ما أعلن عنه وزير العدل الإيراني “مصطفى بور محمدي”، والذي اعتبر ذلك من بين قضايا الفساد الكبيرة في إيران والتي يجب على الحكومة وضع البرامج والخطط لمعالجتها.

8 – قضية فساد بلدية طهران، والمتهم الأول فيها هو محافظ طهران”محمد باقر قاليباف” أحد قادة الحرس الثوري، والذي اتهم بتوزيع 27 ألف قطعة أرض على معارفه وموظفيه، وما لا يقل عن 200 عقار ومنزل فاخر من عقارات بلدية طهران على مدراء البلدية وعدد من أعضاء المجلس البلدي في طهران، حيث أن هذه العقارات من ملكية بلدية طهران، قام عمدة طهران ببيعها بنصف قيمة سعرها لــ 150 من مسؤولي المحافظة، وبعد ذلك تم متابعة القضية من قبل النواب الخصوم واحتدمت القضية، وقيل أن التيار المتشدد انتقم لقاليباف بإثارة القضية التي مازالت ساخنة ضد حكومة روحاني وهي قضية فساد الرواتب الفلكية.

9 – قضية سرقة 3 ناقلات نفط عملاقة، حيث أثارت قضية فقدان ثلاث ناقلات نفط عملاقة في عهد حكومة محمود أحمدي نجاد جدلا وضجة في إيران، واتهم عدد من مسؤولي حكومة نجاد بسرقة هذه الناقلات وبيعها عن طريق تاجر يوناني.

10 – قضية فساد “مصرف تجارت”، حيث كشف قبل مدة النائب العام للنظام في طهران “عباس جعفري دولت آبادي” عن وجود فساد مالي ضخم في مصرف تجارت، إلا أنه لم يذكر تفاصيل وحجم والمتورطين في هذا الفساد، وهو ما يدل على وجود عدد من قضايا الفساد لم تنتشر تفاصيل منها حتى الآن.

– قضية فساد “مجتبى” نجل المرشد الإيراني “علي خامنئي”، حيث تم الكشف أن 1.6 مليار يورو من عائدات النفط قد أودعت لحساب مجتبى خامنئي عن طريق البنك المركزي عام 2011، وقد علم بهذا الأمر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وقالت المعارضة الإيرانية أن مجتبي قد اختلس 1.6 مليار يورو من بيت المال دون أي حق.

حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين وما جاء في تقارير الصحف الإيرانية، فإن هناك عدد كبير من ملفات الفساد المالي والإداري لم يتم نشر تفاصيل عنها، وتم التستر عليها من قبل السلطات الإيرانية، وهو ما يؤكد أن متابعة القضاء لقضايا الفساد في إيران يعتبر منهج انتقائي وسلاح لتخريب الخصم وليس بغاية الإصلاح أو مكافحة معضلة الفساد في إيران، إضافة إلى وجود مئات قضايا الفساد التي لم يعرف لها طريق حتى الآن، كما أكد أحد أعضاء مجلس النواب الإيراني أن 17 ملف فساد قد فقدت ولم يعرف لها طريق في عهد حكومة نجاد.

 تأثير الفساد وانعكاساته على النظام الحالي:

إن قضايا الفساد وما يليها من محاكمات، تستخدم في أغلب الأحيان في تصفية الحسابات السياسية ضد التيارات أو الرموز والشخصيات التي تهدد مصالح القوى النفاذة والمسيطرة في النظام الحاكم في طهران، ويتم استخدامها كسلاح لإضعاف بعض الرموز وتشويه صورتها، كما حصل مع رفسنجاني الذي تم استهدافه من خلال قضايا فساد تورط بها ابنه مهدي رفسنجاني، واستخدام ملفات الفساد كسلاح ضد بعض التيارات والرموز، سيصعب بالضرورة من طرق مكافحة الفساد، ويضع عراقيل صلبة أمام أي جهد يهدف لمعالجة ومكافحة الفساد.

كثرة الكشف عن ملفات الفساد أزاحت الستار عن حقيقة الواقع المغاير للدعاية الأيديولوجية التي ينشرها النظام، وخلق تساؤلات عديدة في عقول المواطنين والمتابعين، الذين يرون الخطاب الأخلاقي للنظام والداعي إلى العدالة الاجتماعية، لا يمت بأي صلة إلى الواقع الذي يؤكد تفشي الفساد في كافة مؤسسات الدولة، وهو ما خلق فجوة تتزايد يوما بعد يوم بين المواطن الإيراني والنظام، وهذا ما أكده “ناصر رفيعي” أستاذ الحوزة الدينية، وقال رفيعي: إن ملفات الفساد الاقتصادي في إيران زادت من عدم ثقة كافة أطياف المجتمع وخاصة الشباب بالنظام الإيراني، لأنهم يرون المليارات تنهب من البنوك في حين أنهم يتجرعون المرار من أجل الحصول على قرض الزواج.

وبالنظر إلى ما يعكسه الفساد على الولاء الوطني لدى الشعب الإيراني بشكل سلبي، فإن النظام الإيراني يفقد باستمرار مع هكذا ملفات مزيدا من القاعدة الشعبية، ما يجعل النظام الإيراني أقل قدرة على الحشد الشعبي في حال حدث هجوم عسكري خارجي، وخاصة أن الشباب الإيراني أصبح على يقين أن تضحياته في ثورة عام 1979 وكذلك الحرب العراقية الإيرانية لم تحقق لهم حتى الآن أي مكسب اجتماعي أو معيشي، وأن وعود النظام والحكومة لم يترجم منها أي حرف.

وضع رأس النظام الإيراني (علي خامنئي) في حالة ارتباك، فموقعه كقاضي أو حكم بين الجهات المتراشقة بتهم الفساد يستوجب عليه الوقوف إلى جانب أحد الأطراف ضد الأخرى، وهذا سيجعل كسر المحرمات في توجيه الانتقادات لرأس الولي الفقيه ممكنا، ويمكن من خلال زيادة الكشف عن ملفات الفساد أن يتعرض خامنئي في النهاية إلى هجوم أو ربما مطالبة بمحاسبته كونه المسؤول الأول والأخير وصاحب القرار النهائي في إيران.

ما لا شك فيه، أن استمرار الفساد سيزيد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كالبطالة والفقر والتشرد وانتشار الجرائم، لما تهدره ملفات الفساد من مليارات كان يجب أن تستغل في طريق التنمية وخلق فرص عمل واستثمارات.

سيؤثر استمرار الفساد في إيران في انتشار المخدرات والإدمان عليها، لأن الفساد المالي والإداري يفتح الأبواب أمام تنشيط حركة تجارة المخدرات.

خلق بيئة ملائمة لشراء العملاء وتجنيد الجواسيس داخل إيران من قبل جهات أجنبية، وخاصة الموساد والاستخبارات الأميركية، لأن انتشار الفساد في البلاد يسهل قبول الرشاوي حتى تصبح أمرا طبيعيا في نظر المسؤولين والمواطنين على حد سواء، ما يتيح الفرص لجهات أجنبية باستغلال مرونة الرشاوي والفساد بغية اصطياد عملاء وجواسيس، وقد رأينا في الفترة الأخيرة أن حالات اعتقال الجواسيس قد اتسعت في إيران.

تخوف المستثمرين من العمل داخل إيران، وقد أشار إلى ذلك عدد من الخبراء، حيث تم اعتبار اتساع الفساد المالي والاقتصادي والإداري في إيران سببا في منع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران.

بقاء عدد من المسؤولين في مناصبهم فترة طويلة من الزمن، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى مزيد من الفساد الإداري والذي ربما قد يصل إلى توريث المناصب.

يؤثر الفساد عادة على تدني مستوى تأثير الجهات الحكومة ومشروعيتها، ما يشكل خطرا على أمن البلاد، ويخدش القيم الديمقراطية والأخلاقية، وهذا يؤدي إلى عرقلة التنمية السياسة والاقتصادية والاجتماعية.

أي المؤسسات والحكومات الأكثر فسادا؟

من خلال رصد ملفات الكشف عن الفساد بكافة أشكاله داخل المؤسسات الإيرانية، تبين أن البلديات، والبنوك، والجمارك، ووزارة النفط، وشركات الاستثمار النفطي والتأمين الصحي والاجتماعي، والصناديق التنموية من أكثر مؤسسات البلاد فسادا، وأثبتت التقارير أن دورتي حكومة محمود أحمدي نجاد (من 2005 حتى 2013) التابع للتيار المتشدد من أكثر الحكومات الإيرانية تورطا بقضايا الفساد.

هل من المتوقع أن تكون هناك تحركات من قبل الحكومة الإيرانية؟

لا يعتقد الخبراء أن الحكومة الإيرانية ستتبنى نهجا جادا في مكافحة الفساد، وقد تبين أن هدف برنامج روحاني الذي وضعه لمكافحة الفساد فور استلامه الرئاسة عام 2013 هو تخريب صورة الأصوليين، وليس بغرض الإصلاح كما كان يدعي روحاني، والحكومة الإيرانية حسب الهيكلة السياسية في إيران ليس لها إشراف قوي أو كامل على مؤسسات البلاد، بل إن صلاحياتها محدودة في الرقابة والمحاسبة، ولا تستطيع تعقب أنشطة بعض مؤسسات البلاد، ناهيك أن الفساد كما ذكرنا أصبح متجذرا في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، وجزء من قاعدة هيكلية الحكم في النظام الحالي، لذا فإن الفساد سيتزايد في السنوات القادمة حتى وإن تحسن الاقتصاد الإيراني، وفي حال وجدت سياسة جادة يتبناها النظام الإيراني للخلاص من الفساد فإن هذا سيستغرق وقتا طويلا، وربما يكون سببا في خلق تصدعات داخل النظام أو على الأقل جلب المشاكل والأزمات والانقسامات له.

وهنا يجب الإشارة إلى الغرف السرية والفكرية التي تعمل ضد توجهات الرئيس الإيراني روحاني وخاصة في مجالات مكافحة الفساد والانفتاح على الغرب، وهو ما يعيق أي جهد للحكومة في إطار تبني برامج التصدي للفساد، وقد أكد مساعد وزير الداخلية للشؤون السياسية “محمد حسين مقيمي” وأيضا الناطق باسم الحكومة الإيرانية “محمد باقر نوبخت” من أن هناك غرفة فكر تعمل ضد الحكومة الإيرانية، وتقوم بإثارة ونشر الأزمات بداية كل أسبوع بدوافع سياسية ضد الحكومة، مؤكدين أن معارضي الحكومة يسعون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى إفشال عمل الحكومة في السنة الأخيرة لها، من خلال التركيز على تخريب صورة الحكومة على أكثر من موضوع، ومن ثم تحدث “إلياس حضرتي” ممثل طهران في المجلس عن تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، وأكد أن مسؤولية رئاسة هذه الغرفة الفكرية تولاها أحد وزراء أحمدي نجاد، وأكد أن حكومة روحاني واجهت 80 مشكلة من قبل معارضيها منذ عام واحد فقط، وتطرق إلى التيارات والمراكز التي كانت تعمل ضد الحكومة ومنها: المتشددون في مجلس النواب وجبهة الثبات والأصولية المتشددة ووسائل الإعلام من بينها وكالات الأنباء والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي والإذاعة والتلفزيون، وأحمدي نجاد وأتباعه، وذكر أيضا المواضيع والأمور التي كان معارضو الحكومة يركزون عليها من أجل مواجهة الحكومة وجلب المشاكل لها، والتي جاء على رأسها المفاوضات النووية واتفاق برجام.

وفي الحقيقة لا أحد يستطيع التنبؤ بتطورات الساحة الداخلية الإيرانية وتعقيداتها من حيث جهود مكافحة الفساد وقدرة أي جهة على التوصل للفاسدين، لا سيما وأن طبيعة الدولة الإيرانية وتعدد مراكز القوة العنكبوتي يجعلان من السهل إجهاض أي جهود إصلاحية يمكن أن تمس مصالح الكبار الرموز.

وإذا تم تبني نهج مكافحة الفساد بهدف الإصلاح من قبل النظام الإيراني، فبالتأكيد ستناط هذه المهمة إلى مؤسسات أمنية كالحرس الثوري، حينها ستقتصر عقوبات مكافحة الفساد الكبيرة على الرموز والشخصيات التي لا توافق نظريات وأفكار النظام الإيراني في كافة الاتجاهات، بينما سيتم تخفيف العقوبات في حق المتورطين المقربين من بيت المرشد.

المعتقد السائد حتى الآن يرتبط بفوز الرئيس الحالي حسن روحاني في ولاية ثانية، ففي حال فاز في دورة رئاسية ثانية فإنه سيعمل على مزيد من كشف ملفات الفساد ومكافحة هدر المال العام وإن لم يكن بهدف المصلحة العامة، ومن دراسة تصريحات وفكر حسن روحاني أعضاء فريقه والداعمين له، يتبين المنهج الذي سيتبعه روحاني في نهجه لمكافحة الفساد بشتى أنواعه، ويعتمد هذا النهج على عدة نقاط أساسية:

1 – العمل على توسيع الشفافية وإطلاق حرية التعبير عن الرأي في مجال مكافحة الفساد وخاصة من قبل وسائل الإعلام والصحفيين، وإعطاء العاملين في المجال الصحفي مزيدا من الحرية والصلاحية في تتبع وكشف قضايا الفساد.

2 – محاولة تعديل القوانين المتعلقة بالفساد، وذلك عن طريق الكتل النيابية الداعمة لروحاني والمعادية للتيار المتشدد، والدعوة إلى ضرورة تفعيل كافة القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وتطبيقها على الجميع مع المطالبة بتشديد العقوبات.

ما هي السيناريوهات المتوقعة من استمرار ملف الفساد في إيران؟

لا شك أن النظام الإيراني استطاع وبكل قوة حتى الآن من السيطرة على ملفات الفساد ومنع حدوث أي تشققات أو تصدعات قد تسببه ملفات الفساد، ويعود الفضل بذلك إلى خبرة خامنئي القوية في رأب الصدع بين التيارات المتصارعة ووضع حد لأي خلاف من المتوقع أن يتعاظم لدرجة تشكيل خطورة على النظام، ما يعني أن هناك بعض قضايا الفساد المالي والأخلاقي تورط بها عدد من رموز النظام تم التستر عليها ومنع تسربها لوسائل الإعلام أو رموز المعارضة في الخارج، ويجب الإشارة هنا إلى قضية سعيد طوسي قارئ القرآن الأول في إيران والمعروف بـ”قارئ بيت المرشد” و”النموذج” الذي أوصى خامنئي الاقتداء به، والذي قام باغتصاب سبعة من طلابه الأطفال تتراوح أعمارهم بين الـ 12 و الـ 14 عاما، وبقيت هذه القضية قيد السر والكتمان والتعتيم الإعلامي والتهديدات والمحاولات المكثفة للملمة الفضيحة، حتى قرر ثلاثة من الضحايا اللجوء إلى الإعلام الخارجي الفارسي وكشف ما جرى لهم على يد سعيد طوسي، لتكشف هذه القضية وجود مثيلات لها كثيرة لم يتم الكشف عنها.

وما يجب تأكيده هنا، أن ملفات الكشف عن الفساد أقلقت النظام الإيراني، وخاصة بعد تحويلها إلى منجنيق تتراشق به التيارات السياسية التهم والفضائح، ما اعتبره النظام تخريبا لصورته الإسلامية، ومحركا للشعوب ضد النظام.

وفي حال استمرت قضايا الفساد في إيران، فإن هناك عدة سيناريوهات متوقعة:

السيناريو الأول:

ويمكن استنباطه من قلق وتحذيرات بعض المسؤولين الإيرانيين من خطورة استمرار الفساد في إيران، واعتباره أخطر من العقوبات أو الهجوم العسكري، والذي قد يقود إلى سقوط النظام، هذا في حال استطاعت وسائل إعلام معارضة في الخارج التوصل إلى قضايا فساد كبيرة تورط بها قادة النظام ورموز السياسة في إيران، وكشفها أمام المواطنين الإيرانيين، ويمكن من خلال الدول والجهات التي وقعت عدة اتفاقيات مع الجانب الإيراني التوصل إلى ملفات فساد لرموز إيرانيين، مثل قضية الكريسنت وهي الاتفاقية التي وقعت بين وزارة النفط الإيرانية وشركة الهلال الإماراتية، وتبين لاحقا أنها من أكثر ملفات الفساد في إيران، وأكدت التقارير ضلوع شخصيات كبيرة منها وزير النفط السابق “زنكنه” وعدد آخر من المسؤولين الإيرانيين الذين تلقوا الرشاوي من الجانب الإماراتي حسب التقارير الإيرانية من أجل إبرام هكذا اتفاقية جلبت الأضرار للبلاد، وطالب عدد من النشطاء والسياسيين معاقبة وملاحقة كافة المسؤولين عن هذه القضية بما فيها الرئيس حسن روحاني، وأحدثت هذه القضية جدلا كبيرا في إيران طال عدة شخصيات سياسية، ولا شك أن هناك الكثير من الاتفاقيات التي وقعتها شركات أجنبية وعالمية حملت في طياتها فسادا يمكن ملاحقة مسؤولين إيرانيين وكشفهم أمام المواطن الإيراني، ومن المؤكد أنه كلما زاد حجم الكشف عن الفساد في إيران ضعفت ثقة المواطن بالنظام وحكوماته.

السيناريو الثاني:

بعد الشد والجذب بين التيارات السياسية المتنافسة تحت عرش المرشد الإيراني، وتراشقها بحجم من الكشف عن ملفات فساد دون أن يحقق أحد الأطراف أهدافا ملموسة، من المتوقع أن يعمل المرشد الإيراني على وقف هذه الحرب بين التيارات، وتحديد أحد المؤسسات المقربة منه بمتابعة قضايا الفساد مع منع تداولها إعلاميا، ما سيخفض ملفات الكشف عن الفساد، مع البقاء على الفساد في المؤسسات دون الكشف عنها.

السيناريو الثالث:

في حال فاز روحاني في دورة رئاسية ثانية العام المقبل، سيترصد التيار المتشدد لملفات الفساد في حكومته، ولابد لروحاني بتقديم التسهيلات وقروض لأتباعه وخاصة الإصلاحيين لضمان دعمهم له، حتى وإن عمل على مكافحة الفساد، ومن مصلحة النظام الإيراني الذي يتبنى فكر الأصوليين أن يجعل من حكومة المعتدلين كبش فداء لملفات الفساد أمام الشعب الإيراني.

ملف الإعدامات في إيران:

يعتبر ملف الإعدامات أكثر المواضيع انتقادا للسلطات الإيرانية على الإطلاق، ووجهت الكثير من التقارير وبشكل دوري سهام انتقادها للحكومة الإيرانية بسبب ارتفاع معدلات الإعدامات وخاصة في حق النشطاء والسياسيين.

بينما يصر النظام والسلطات في إيران على هذه العقوبة، والتي يعتبرها وسيلة ممنهجة يمكن من خلالها التخلص من النشطاء والمعارضين الذين يشكلون خطرا على النظام، وقد استغل النظام الإيراني بشكل واضح في الآونة الأخيرة تحذيرات المرشد خامنئي من اختراق العدو لإيران، ليطبق عقوبة الإعدام على كل متهم بمعارضة النظام تحت مسميات زعزعة الأمن والتجسس والعمل لصالح الأعداء ضد مصالح الأمن القومي الإيراني، وأيضا تحت تهم تتعلق بالإرهاب والانضمام لداعش، فكان لتطورات الأحداث في المنطقة وانتشار الإرهاب واندلاع الثورات والاحتجاجات في المحيط الإيراني تأثيرا بارزا وأساسيا في إصرار النظام على عقوبة الإعدام واتساعها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وهذا قد يقود إلى صراع طائفي داخل إيران تذكيه القوميات غير الفارسية الرافضة لحكم الملالي.

وبنظرة سريعة إلى تاريخ الإعدامات في إيران يتضح إصرار السلطات الإيرانية على هذه العقوبة وارتفاعها، ففي عامي 1984 و1985 نفذت عقوبة الإعدام في حق نحو 500 و470 حالة على التوالي، واستمرت هذه الوتيرة في عامي 1986 و1987، بينما قفزت إيران إلى أعلى معدلات الإعدامات في عام 1988، ما جعل الكثير يسميها بالمجزرة أو الإبادة الجماعية، ففي هذا العام أعدمت السلطات الإيرانية آلاف النشطاء السياسيين أكثرهم من منظمة مجاهدي خلق، وهناك تناقض كبير في أعداد المعدومين في ذلك العام، فبعض التقارير تؤكد أن عدد المعدومين زاد عن 12 ألف، وبعضها يقول أكثر من 30 ألفا، وهناك من يقول أنها كانت نحو الألف شخص، بينما تحدثت منظمة العفو الدولية عن قرابة 2500 شخص تم إعدامهم آنذاك في إيران، فيما نشرت منظمات حقوقية أسماء ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص، وفي كل الأحوال فإن هذه الاختلافات تشير إلى أن أعداد المعدومين في إيران في عام 1988 كانت كبيرة، وتم تسمية القائمين على هذه الإعدامات والمشرفين عليها بــ “لجنة الموت”، وقد أثارت تسجيلات صوتية للمرجع “حسين علي منتظري” الذي كان نائب الخميني آنذاك حول إعدامات عام 1988 ضجة كبيرة، حيث يخاطب منتظري أعضاء “لجنة الموت” ويعترف بأنهم نفذوا جرائم في ذلك العام، محذرهم من أن التاريخ سوف يسجل أسماءهم في قائمة المجرمين، ويقول منتظري في مذكراته أن عدد الإعدامات وصل إلى 3500 شخصا.

واستمرت السلطات الإيرانية منذ عام 1990 بتنفيذ حكم الإعدام في حق مهربي المخدرات والضالعين بجرائم القتل والنشطاء السياسيين والمعارضين، وخاصة من القوميات غير الفارسية، ولكن بوتيرة أقل من الأعوام السابقة، ووصلت في عام 2015 إلى أعلى معدلاتها منذ العقدين الماضيين، حيث أعدمت السلطات الإيرانية نحو الألف شخص في عام 2015، ما يشير إلى أن حالات الإعدام تزايدت في عهد الرئيس حسن روحاني الذي استلم الحكم  في أغسطس عام 2013، وخلال العام الحالي نفذت أيضا السلطات الإيرانية العديد من عقوبات الإعدام طالت نحو 230 شخصا حتى أغسطس الماضي.

ومن المؤكد أن معدلات الإعدام ستتزايد في إيران، وخاصة بين السنيين وعرب الأحواز، وستتخذ السلطات الإيرانية عقوبة الإعدام سلاح ردع لكل من له أفكار قد تضر بالنظام القائم، وخاصة من تثبت إدانته بولائه للسعودية أو رفضه للنظام سواء عن طريق الفكر أو السلوك.

وبتتبع نوعية الحكومات في إيران وتعاقبها وتنقلها بين كافة التيارات السياسية، يتضح أن تغيير نوعية الحكومة في إيران لم يؤثر في ملف الإعدامات، وخير دليل على ذلك مجيء حكومة روحاني المعتدلة والإصلاحية، ولكن زادت معدلات الإعدام في عهد هذه الحكومة، وهذا يشير إلى أمرين:

الأول: أن ملف الإعدامات يندرج تحت اختصاصات الأجهزة الأمنية ومؤسسات النظام الإيراني العسكرية، ولا تستطيع الحكومات الإيرانية أن تؤثر أو تتدخل بشكل مباشر في هذا الملف.

الثاني: عدم وجود نية جادة من قبل كافة التوجهات والمسارات السياسية في إيران، ما يفهم من ذلك توافق كافة الأطياف السياسية على عقوبة الإعدام ولو بشكل ضمني.

وتعتبر إيران ثاني أكبر دولة في العالم بعد الصين من حيث تنفيذ عقوبة الإعدام، هذا حسب ما تم الإعلان عنه، إلا أن الخبراء في الشأن الإيراني والمعارضين الإيرانيين في الخارج عادة ما يؤكدون وجود أرقام أكبر بكثير مما يتم الإعلان عنه، وأن إيران تعتبر الأولى عالميا وبلا منازع في تنفيذ عقوبة الإعدام، ويعود ذلك لأسباب عديدة:

1 – طبيعة النظام الإيراني الراديكالي، واتصافه بجمود الأفكار وقدسية النظريات، ما جعل الأفكار المخالفة للنظام بمثابة فساد في الأرض واعتراض على الدين الإسلامي، كون إيران تعتقد بالولي الفقيه وهو خليفة الله في الأرض، ومعارضته يعني معارضة العقيدة الإسلامية.

2 – اتساع القانون الإيراني الذي يشمل العديد من القضايا التي يمكن أن تصل فيها العقوبة إلى حد الإعدام.

3 – انغلاق إيران وتقوقعها إلى الداخل بعد الحرب الإيرانية العراقية، وعدم التزامها بالقانون الدولي وإرشادات الجمعيات الحقوقية والقانونية.

4 – كثرة النشطاء المعارضين لنظام الولي الفقيه.

5 – تعدد القوميات غير الفارسية والمذاهب غير الإثني عشرية في إيران.

6 – رواج تجارة المخدارت وانتشار الأزمات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والتي تسببت في انتشار الجرائم التي تستدعي عقوبتها.

7 – اندلاع ثورات ما سمي بالربيع العربي، وتخوف النظام الإيراني من انتقال عدوى الثورات والاحتجاحات إلى الداخل الإيراني، خاصة أنه شهد ربيعا إيرانيا عام 2009 كما أشرنا سابقا، هذا كله أدى إلى تفعيل عقوبة الإعدام وتوسيعها خاصة فيما يتعلق بالمعارضين والنشطاء الذين قد يدعون أو يعملون على تأجيج الشعب ضد النظام، كما استخدمت السلطات الإيرانية عملية تنفيذ أحكام الإعدام كوسيلة لترهيب الشعب، فحين قامت بإعدام نحو 20 سنيا كرديا في أغسطس الماضي، ثم زادت عليهم بعد فترة أربعة أشخاص، تعمدت السلطات الإيرانية نشر مجموعة صور تظهر ترتيبات الإعدام المخيفة والتي كان الهدف منها واضحا وهو تخويف وردع الشعب عن مخالفة النظام.

8 – توتر الخلافات بين إيران والسعودية كان له تأثير واضح في ارتفاع معدلات الإعدام في إيران، وأصبح إعدام السنة في إيران طريقة انتقام من السعودية بعد إعدامها رموز دين شيعة أبرزهم المرجع الشيعي السعودي “نمر باقر النمر” الذي أثار إعدامه غضبا إيرانيا شديدا وصل إلى التهديد العسكري، ما جعل السلطات الإيرانية توسع من دائرة إعدامها للنشطاء والمعارضين السنة، وقد شوهد هذا الأمر بوضوح خلال الأشهر القليلة الماضية.

المصدر

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت