الثلاثاء, 03 ديسمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أسابيع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

معركة المليشيات الشيعية في تلعفر

آراء وأقوال - حسن أبو هنية | Thu, Nov 3, 2016 1:33 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

تتمتع مدينة تلعفر ذات الأغلبية التركمانية بأهمية استثنائية للمليشيات الشيعية التي تتبع ولاية الفقيه لاعتبارات دينية مذهبية من جهة ونظرا لأهميتها الجغرافية الاستراتيجية من جهة أخرى فالمنطقة المختلطة بأغلبية تركمانية سنيّة وأقلية تركمانية شيعيّة تقع في صلب المشروع الإيراني الجيوسياسي الذي ينشد تحقيق خطة طموحة تهدف إلى خلق ممر بري يصل إيران بشواطئ البحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا لتعزيز نفوذ طهران في المنطقة.

واجه تطبيق المشروع الإيراني المطروح منذ أكثر من ثلاثة عقود صعوبات نظرية وعملية عديدة لكنه أصبح خلال السنوات الثلاث الأخيرة ممكن التحقق وبكلفة زهيدة نسبيا حيث استثمرت إيران حالة الفوضى والاضطراب التي عصفت بالمنطقة وأدت إلى ضعف الحكومات المركزية في بغداد ودمشق لتقوية نفوذها وفرض تصوراتها من خلال يناء مليشيات مسلحة عابرة للحدود تعمل تحت إمرة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي بات يدير حروب إيران في سوريا والعراق.

لم يعد الحديث عن الخطط الطموحة لإيران سرا منذ توقيعها الاتفاقية الخاصة بالملف النووي مع الولايات المتحدة والغرب والذي جاء تتويجا لإعادة التموضع الأمريكي في الشرق الأوسط عقب فشل حملتها العسكرية على العراق 2003 والتي كان من المفترض أن تختتم فصول سياسة “الحرب على الإرهاب” عبر الإطاحة بدولة صدام حسين “المارقة” واستبدالها بدولة مكونات “ديمقراطية” موالية للولايات المتحدة تمهيدا لتدشين “شرق أوسط جديد” والاندفاع نحو استكمال أوهام المحافظين الجدد بالإطاحة ببقية الدول المصنفة كدول مارقة في سوريا وإيران.

بعد مرور عشر سنوات على احتلال العراق تشكلت مفارقة مذهلة حيث أصبح العراق محورا رئيسيا في المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران وبذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق رغم أن احتواء النفوذ الإيراني لم يكن الهدف الرئيس لأميركا في العراق بل خلق ديمقراطية مستقرة يمكنها هزيمة ما تبقى من العناصر المتطرفة والمتمردة والدفاع ضد التهديدات الخارجية المحتملة ودعم قيام مجتمع مدني قادر على تلبية الطموحات الأمريكية وإبراز الصداقة القوية المستقرة للولايات المتحدة وحلفائها في الخليج لكن المفارقة تضاعفت بعد أن أسفرت الاستراتيجية الأمريكية عن تسليم العراق لإيران وتحول نمط الصداقة الأمريكية الخليجية.

في سياق استثمار معركة الموصل الهامة للولايات المتحدة وحلفائها في تثبيت عراق ما بعد الاحتلال التي أعلن عن انطلاقها في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري فإن إيران ومليشيات الحشد الشيعي تولي أهمية أكبر لمعركة تلعفر لاستكمال تحقيق المخطط الإيراني نحو المتوسط حيث أعلنت مليشيات الحشد أنها بدأت في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري بالتحرك باتجاه مدينة تلعفر معقل تنظيم الدولة الإسلامية غرب الموصل والتي تقع على مسافة نحو 55 كيلومترا غرب الموصل وكان تنظيم الدولة قد استولى عليها  في 26 حزيران/ يونيو 2014 وبحسب مارتين تشولوف مراسل صحيفة الأوبزرفر في بيروت فإن مقابلاته العديدة التي أجريت على مدار أربعة أشهر ماضية مع مسؤولين وعراقيين نافذين ومواطنين في شمال سوريا أكدت أن معالم الطريق الإيراني نحو المتوسط بدت معروفة، ما يجعل من مهام ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية غرب الموصل جزءا من ورشة إيرانية تشارك في إنجازها قوى مختلفة تعمل لتحقيق طموحات طهران.

مسارات الفضاء الجيوسياسي الإيراني بخلق الممر يبدأ من بعقوبة في محافظة ديالى وهي أقرب مدينة عراقية للحدود الإيرانية باتجاه الشرقاط في محافظة صلاح الدين التي سيطرت عليها الميليشيات في أيلول/ سبتمبر الماضي ويمتد باتجاه تلعفر وسنجار التي تسيطر عليها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قوات حزب العمال الكردستاني القادمة من سوريا بدعم ورعاية من مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، ويستمر امتداد الممر من معبر ربيعة بين العراق وسوريا مرورا بالقامشلي وعين العرب (كوباني) وصولا إلى عفرين، وهي مناطق تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، ويتطلب المشروع الإيراني إجراء تغييرات ديموغرافية بدأ بتنفيذها في وسط العراق وهي جارية حاليا في شمال سوريا حيث تعمل على إنجاح الخطة وتأمين مراحلها ميليشيات وأحزاب عراقية تابعة لإيران كل وفق حساباته، وتعتبر حلب أكبر مفترق لإنجاز هذا الممر حيث استثمرت طهران كثيرا من جهودها وهي تحشد حاليا نحو  6 آلاف من الميليشيات الشيعية العراقية لاستعادة شرق المدينة من قوات المعارضة.

لا جدال أن العالم العربي الرسمي خارج حسابات الربح وهو منشغل في ترميم صورته ودفع تهمة الإرهاب عن نفسه ومتماه تماما مع السياسات الأمريكية في تعريفات الإرهاب ومنخرط في الحرب على ما تدعوه أمريكا بالإرهاب وهو مفهوم بنسخته الحالية سني خالص لكن تركيا التي تبحث لها عن دور إقليمي تتموضع داخل الرواية الإرهابوية وتحاول الخروج ببعض المكاسب ولهذا تصر على دور لها في معركة الموصل وتدرك أهمية تلعفر بقوميتها التركمانيةإذ قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن بلاده التي لها قوات في الأراضي العراقية شمالي الموصل ستتخذ إجراءات إذا هوجمت تلعفر وتبرر موقفها بالخشية من أن تسبب مشاركة قوات الحشد الشعبي الشيعية في الهجوم الذي تدعمه الولايات المتحدة على الموصل وهجوم الحشد على تلعفر في نشوب صراع طائفي في المنطقة التي تسكنها أغلبية سنية وكذلك من حدوث عمليات نزوح كبيرة منها.

على الرغم من التهديدات التركية فإن مخطط التطهير والسيطرة المكانية لتحقيق المشروع الإيراني ماض دون الالتفات للتهديدات ودون الاكتراث للتقارير الحقوقية الدولية التي تتحدث عن انتهاكات وتهجير وتطهير لأماكن السنة التي تقع على خط المتوسط والتي بدأت في ديالى فقد أصدر مركز جنيف الدولي للعدالة في 16 كانون ثاني/ يناير 2016  تقريرًا بعنوان “جرائم التطهير العرقي والطائفي في ديالي” رصد فيه عمليات القتل والتهجير “المخطط والمتكامل” الذي تمارسه الميليشيات الشيعية ضد السكان السُّنَّة “بمشاركة الأجهزة المرتبطة بالسلطة القائمة في العراق” وتضمن التقرير الموجه إلى الأمم المتحدة قائمة أوليّة لأبرز المتهمّين بارتكاب جريمة التطهير العرقي والطائفي في ديالي ومنهم شخصيات سياسية وعسكرية عراقية بالإضافة إلى قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وقيادات في الميليشيات الشيعية، ووفقا للمركز فإن منطقة المقدادية في ديالي هي المستهدفة في المقام الأول من عمليات التطهير إذ جاء في التقرير أن الهدف منها إحداث تغيير ديموغرافي (لمصلحة الشيعة على حساب السُّنَّة)، مشيرا إلى أن المحافظة تشهد مطلع العام الحالي تزايدًا غير مسبوق في عمليات القتل الطائفي والتهجير المتواصلة.

تلخص مدينة تلعفر سيرة عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية، فقد استثمر الشيعة في العراق بصورة عامة وفي مدينة تلعفر بصورة خاصة السياسات الأمريكية لتعزيز نفوذهم عبر التعاون الوثيق مع قوات الإحتلال للوصول إلى مراكز القيادة وتهميش أهل السنة في مراكز القيادة ومفاصل الدولة، الأمر الذي بدا واضحا في تلعفر حيث أصبحت الأقلية التركمانية الشيعية تتحكم في إدارة المدينة مدنيا وعسكريا وعقب الانسحاب الأمريكي تعزز النفوذ الشيعي في تلعفر خلال حقبة المالكي وامتهنت كرامة الأكثرية التركمانية السنية وأقصيت وهمشت الأمر الذي دفعها نحو مقاومة الغزو الأمريكي وحليفه الشيعي.

شكَّل تركمان تلعفر السنة أحد مكونات المقاومة العراقية حيث انخرط العديد من أبنائها في مواجهة الاحتلال الأمريكي والتصدي للنفوذ الشيعي ونظرا للخصوصية التركمانية شكلت إيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية منذ الزرقاوي جاذبية خاصة لأبنائها لتأكيدها على مسألة الهوية السنية والتصدي للمشروع الأمريكي كاحتلال صليبي والمشروع الإيراني كنفوذ صفوي شيعي حيث برزت حلقة تلعفر الأمنية والعسكرية والشرعية كنواة صلبة في جسم التنظيم  أمثال سعود محسن حسن الذي بات  الرجل الثاني في التنظيم وهو مقدم سابق في الحرس الجمهوري العراقي رافق الزرقاوي وعرف بأسماء عديدة  كفاضل الحيالي وأبو معتز القريشي والحاج معتز وأصبحت كنيته في تنظيم الدولة أبي مسلم التركماني وتولى منصب القائد العسكري لتنظيم الدولة وقاد عمليات السيطرة على نينوى وتلعفر في حزيران/ يونيو 2014، وأعلنت واشنطن عن مقتله في 18 آب/ أغسطس 2015 في غارة جوية قرب الموصل.

ومن أهم الشخصيات التركمانية السنية في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية عبدالرحمن مصطفى القادولي والذي عرف بأسماء وألقاب عديدة منها “أبو علي الأنباري” و”أبو علاء العفري”، يعتبر من أهم الشخصيات التي عملت على صعود التنظيم وتمدده وقد تولى مناصب عديدة كنائب البغدادي وتولى قيادة المجلس العسكري والأمني والشرعي وبحسب وصف وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها فإن القادولي من مواليد 1957 أو 1959، وهو “مسؤول رئيسي في الدولة الإسلامية وقام بإدماج نفسه في تنظيم الدولة عقب الإفراج عنه من السجن أوائل عام 2012 وسافر إلى سوريا للعمل في شبكة التنظيم وانضم إلى منظمة القاعدة في عام 2004 تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي وشغل منصب نائب الزرقاوي وأمير تنظيم القاعدة في الموصل”، وانه يستخدم عددا من الأسماء المستعارة منها حجي إيمان، عبد الرحمن محمد مصطفى شيخلار، أبو شعيب، عمر محمد خليل مصطفى، عبد الرحمن محمد البياتي، طاهر محمد خليل مصطفى البياتي، أبو إيمان، أبو علاء، أبو حسن، أبو محمد، أبو زينة، وغيرها، وقد أعلن عن مقتله في آذار/ مارس 2016.

قائمة العفريين في صفوف تنظيم الدولة اللذين اعتلوا مناصب رفيعة كبيرة ومنهم موفق مصطفى كرموش المعروف بأبي صلاح الذي عرف كوزير مالية التنظيم وتولى مناصب رفيعة عديدة وكذلك بشار إسماعيل الحمداني المكنى بـأبي محمد ويعرف بكونه مسؤولا عن ملف السجناء ومنهم شوكت حازم فرحات وكنيته أبي عبد القادر وهو مسؤول إداري بارز في صفوف التنظيم.

منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على تلعفر بدت سياسات التنظيم واضحة في تحويل تلعفر الى مدينة سنية خالصة حيث تعامل مع قوات الأمن والجيش والإدارة التي كانت تحت سيطرة الشيعة بطريقته العنيفة ودمر جميع الحسينيات والمزارات الشيعية باعتبارها مواقع شركية وأصبحت تلعفر مركزا أساسيا لمقاتلي تنظيم الدولة من التركمان السنة والجهاديين العرب والأجانب.

خلاصة القول أن الاحتلال الأمريكي للعراق انتهى إلى مفارقة مضاعفة ففي حين كان يهدف إلى بناء ديمقراطية ليبرالية موالية في حرب الإرهاب والحد من طموحات إيران الإقليمية فقد أدى إلى خلق دولة دينية مذهبية طائفية شيعية وساهم في تحقيق حلم إيران بالنفوذ والهيمنة والتمدد وعمل على ولادة جهادية سنيّة طامحة وأصبح “الإرهاب” واقعا محققا وليس متخيلا واليوم فإن أمريكا تصر على سياساتها الإمبراطورية الإمبريالية الكارثية في العراق خصوصا والعالم العربي الإسلامي عموما حيث باتت طموحاتها تقتصر على الحفاظ على صيغة عراق ما بعد الاحتلال بأي ثمن  ولا تزال تتبنى سياسات تعزز من تهميش المكون السني وتدفع باتجاه تأجيج الصراع الطائفي في العراق والمنطقة.

نقلا عن أردن الإخبارية

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت