قبل 7 سنوات، سمعت اسم دبلوماسي إيراني بارز فيما لا يقل عن 118 مرة يدعى محمد جواد ظريف، وذلك عندما قضيت عدة أيام في سجن في إيران للقيام بعملي كصحفي، “كنت أتعرض فيها للضرب من قبل ضابط مخابرات في الحرس الثوري المتشدد. وطلب مني أن اعترف زورا بكوني عضوا في وكالة المخابرات المركزية، وكان يقوم باختلاق قصص كاذبة كان ظريف يوصلها إلى وكالات الاستخبارات الغربية. وبدلا من تعاوني معهم، صمدت أمام التعذيب اليومي بطريقة أو بأخرى.
هذا الشهر كان جواد ظريف، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوي كوزير الخارجية الإيراني، إلى جانب عدة دبلوماسيين إيرانيين آخرين والرئيس حسن روحاني، وحاولوا معا أن يعطوا الحكومة الإيرانية وجها إنسانيا كأبطال للاستقرار في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يقومون فيه بإنكار انتهاكات حقوق الإنسان.
وهم في مهمة ناكر الجميل.. يجب أن يعلموا أنهم يكذبون. ويتم القبض على دبلوماسيين إيرانيين في أثناء رغبتهم في الانضمام إلى العالم الحديث وواقع الحكومة التي يمثلونها، وهم يعرفون أيضا أن حقوقهم في خطر إذا لم يتبعوا رغبات آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران.
وفي عام 2006، عندما كان محمود أحمدي نجاد، رئيسا للجمهورية، قال لي أحد الدبلوماسيين، إنه حصل على أكثر الوظائف التي لا يحسد عليها في العالم. ولن أعرضه للخطر واذكر اسمه، لذا فإنني سأسميه “أمير”.
قال لي: “إذا كنت رجلا ذا ضمير تحاول أن تساعد بلادك عن طريق تغيير النظام من الداخل، فلا يمكنك التوقف عن شعور الانتحار، وعند العمل مع هذه الحكومة ستستطيع أن ترى مدى فساد النظام، وكيف يتصرف الحرس والنظام القضائي. وكل هذا يحدث على مرأى ومسمع من المرشد الأعلى”.
وسجن أمير بعد ذلك بوقت قصير، ولم يكن لاعتقاله علاقة بحديثنا. فقد اتهم زورا بنقل معلومات حساسة إلى دولة عدوة. ولكن السبب الحقيقي، كما قال، هو أنه رفض أن يأخذ أوامر من أحد الدبلوماسيين، كان قائدا في الحرس الثوري.
وقضى الحرس بسجنه بضعة أسابيع لتلقينه درسا، وقال إنه ترك الحكومة بعد ذلك، وأراني كدمة على ذراعه من الضرب المتكرر بمشبك حزام، وقال “هذا ما يحدث بعد خدمة هذه الحكومة لأكثر من عقدين من الزمن”.
وعلى مر السنين، يخبرني أمير ومسؤولين إيرانيين آخرين بإحباطهم من “الخطوط الحمراء” الحقيقية والمتصورة التي حددتها آية الله خامنئي، وعن مدى خطورة عبور تلك الخطوط.
وأضاف أن “يهتم الزعيم أساسا بالبقاء في السلطة، وكل من يصبح تهديدا إما أن يزج به في السجن أو يتم إطلاق النار عليه”.
ويمكن الدستور الإيراني القائد الأعلى من تعيين رؤساء الجيش والحرس الثوري والسلطة القضائية، ويقوم رجال الأمن بالتجسس على المسؤولين العصاة والقضاة ومعاقبتهم “كعناصر مثيرة للفتنة”، ويقضون سنوات في السجن، ويعذب الحرس الناس بالسجون في مختلف أنحاء إيران كما في حالة أمير.
في هذه الزيارة إلى نيويورك، كان ظريف وزملاؤه يقومون بتوخي الحذر إزاء ما يقولون ومع من يجتمعون، وقبل 7 سنوات، طاف عشرات المسؤولين الذين دعوا للإصلاح في التليفزيون الرسمي بالإدلاء باعترافات بالقوة حول المشاركة في الفتنة.
وكان ذلك عندما كنت أنا أيضا، في السجن، ويجرى تذكيري بعظمة الزعيم كل ساعة استيقظ فيها وفي كوابيسي.
“أجا جون (عزيزي الرئيس)، أرجو أن تتقبل هذا مني، جلادي السمين يكرر لكم رأسي، مع العلم أنني أعاني من الصداع النصفي، هؤلاء الناس هم خونة هم أعداؤك. إنهم يستحقون المعاناة. إنهم يستحقون الموت. أرجو أن تتقبل هذا مني”.
وفي يونيو عام 2009، خرج الملايين من الإيرانيين للاحتجاج سلميا ضد فرز الأصوات المتنازع عليها، والتي منحت إعادة انتخاب أحمدي نجاد، واعتقد كثير منهم أن آية الله خامنئي سيسمعهم وسيقوم بالدعوة لإجراء انتخابات جديدة، لكنه بدلا من ذلك، أرسل الحرس الثوري لسحق المظاهرات، ملأت فرق مكافحة الشغب الشوارع، وتولى الحرس أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، وألقي القبض على آلاف النشطاء والسياسيين والصحفيين.
في سجن إيفين، قال لي جلادي، إن الأعداء الذين “يستحقون الموت” هم أنفسهم الدبلوماسيون والسياسيون والمسؤولون الإصلاحيون الذين تجرأوا على محاولة تغيير الجمهورية الإسلامية، وهم رجال الدولة السابقين المسجونين، الذين زاروا نيويورك بانتظام قبل هذا الربيع.
وأنا كنت مراسلا معتمدا لمجلة نيوزويك لمدة 11 عاما، وقدمت أفلاما وثائقية حول إيران للتليفزيون البريطاني، وبعد فترة وجيزة من أول استجواب لي، أدركت أن الغرض الوحيد من دخولي السجن وتعذيبي هو إجباري على رواية كاذبة، طبخت من قبل الحرس، من التجسس والخيانة على إيران وساستها الإصلاحيين، وقد رفضت.
ووقعت على اعتراف قسري، أنني كنت شخصا سيئا بشكل عام، وأن وسائل الإعلام الغربية كانت جزءا من آلة الرأسمالية الغربية. لكنني لم أسم أسماء، ولهذا تعرضت للصفع أولا، ثم أهنت بضرب بحزام مرة أخرى وبشكل متكرر.
ويحب جلادي أن يكرر دائما تلك العبارة: “يوما ما سيكون لدينا كل هؤلاء الخونة في نفس السجن كما كنت، ونأمل أن نشنقكم جميعا في نفس الوقت لنقوم بتخليص نظامنا المقدس من هذا السرطان المثيرة للفتنة”. وعند الانتهاء من المديح من قائده يقوم بركل الكرسي علي أو أن يضحك بسادية في أذني.
وكان الحرس الثوري مهتما بشكل خاص ظريف، الذي كان آنذاك أستاذا شبه متقاعد في السياسة الخارجية في طهران. وكنت قد قابلته عدة مرات بين عامي 2002 و2007، بينما كان سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة. ولكن بحلول عام 2009، أجبره أحمدي نجاد وغيره من العديد من الدبلوماسيين المؤيدين للإصلاح من منصابهم.
وكانت آخر مرة التقيت فيها ظريف في 16 يونيو 2009، وكانت قبل خمسة أيام من اعتقالي. وكان في مكتبه في مركز البحوث المرتبطة بوزارة الخارجية الايرانية.
وقال إن المركز مثل المنفى. وتحدث عن مخاوفه بشأن مستقبل إيران والسياسة الخارجية الكارثية لأحمدي نجاد، بما في ذلك إنكار الرئيس للمحرقة، وندائه بأن تمحى إسرائيل من على الخريطة.
عندما قلت له إن المرشد الأعلى بدا أنه يدعم أحمدي نجاد، تجاهل هذا، وعندما سألته عن الشائعات بأن العديد من الدبلوماسيين الذين تفاوضوا مع الغرب اعتقلوا في وقت قريب، ابتسم وقال: “من يدري؟”، ولم يستطع إخفاء عصبيته وهو ينهي الشاي.
ولم يتم القبض على ظريف أبدا، لكنه بقي في “المنفى” طوال ولاية أحمدي نجاد الثانية، وقد رأيته يبذل قصارى جهده للتأثير على كيف يرى العالم الخارجي إيران، وآمل في تغيير إيران للأفضل وذلك منذ اجتماعنا الأخير.
ولكن ظريف كان يضحك من الأسئلة حول انتهاكات حقوق الإنسان، وفي العام الماضي قال تشارلي روز: “نحن لا نسجن الناس لآرائهم، لأنه يعلم أنه يكذب، لأنه يعلم أن الكثير من الناس، مثل أمير، تم سجنهم لأفكارهم”.
ومع ذلك، أتمنى لظريف أيضا، أن يتمكن من حماية مصالح إيران بقدر الإمكان، ولكن في كل مرة أرى فيها تحلية الشاي في أي مقهى أتذكر الجرعة السريعة الأخيرة من الشاي الذي شربته معه، وقبل تولي الحرس الثوري إيران بناء على أوامر خامنئي، كان يجب أن يفكر ظريف في تلك الأيام. وأتساءل عما إذا كان يفتقد الصدق النسبي في منفاه.
المصدر| نيويورك تايمز
ترجمة|التقرير