عندما توصلت إدارة أوباما إلى صفقة مع النظام الإيراني حول الملف النووي كانت الإدارة الأمريكية قد مهدّت لهذا الاتفاق عمليا بتقديم العراق وسوريا قربانا له. وكدليل على حسن نيّتها، سمحت الإدارة لإيران بتوسيع نفوذها الجيو-طائفي والجيو-مليشياوي إلى أقصى حد ممكن في المنطقة العربية وبشكل علني وغير مسبوق.
للمرة الأولى منذ قرون تسيطر إيران على عدّة بلدان في المنطقة دفعة واحدة. استطاعت طهران أخيرا تثبيت هلالها الطائفي الذي يمتد من لبنان إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق، والذي لطالما قيل في وصفه في مرحلة ما قبل الثورة السورية أنّه أسطورة.
كل هذا لم يكن ليتم لولا أنّ إدارة أوباما كانت قد وافقت عليه فعلا وأفسحت المجال له. لقد وصل أوباما في نهاية المطاف إلى هدفه وتوصّل إلى الاتفاق النووي. حصل هو على ما يريد، وحصلت إيران على ما تريد، ولا يزال كل منها يطمح بالحصول على المزيد.
على الرغم م أنّ روسيا كانت شريكا في الاتفاق إلا أن بعض نواحي الاتفاق كانت تضر ربما بالجانب الروسي، ولذلك فقد كانت موسكو بحاجة إلى جائزة ترضية. على ماذا حصلت روسيا الشريك في الاتفاق النووي؟ لقد استنسخت الإدارة الأمريكية نفس أسلوب تعاطيها وتعاملها الإقليمي مع إيران وطبّقته على مستوى دولي مع روسيا.
كان التراجع الأمريكي قد قوّى من أسلوب البلطجة الروسي في تعاملها مع الآخرين، فاجتاحت مليشياتها المسلحة أوكرانيا وقامت قواتها المسلحة باحتلال شبه جزيرة القرم، وهدّدت طائراتها مرارا أجواء الدول الأوروبية.
مخطئ من يعتقد أنّ موسكو قرّرت من تلقاء نفسها أو بدعوة من إيران إرسال قواتها المسلحة وجنودها إلى سوريا لملء الفراغ كما يقال. لقد تمّ اتخاذ هذا القرار بدعوة من الجانب الأمريكي. فمقابل الاتفاق النووي مع إيران حصلت روسيا على جوائز ترضية تتمثّل في "نفخ" دورها الدولي إن صح التعبير، وتمّ تسليمها مقود القيادة في الملف السوري.
وكما تخلت إدارة أوباما عن حلفائها الإقليميين لصالح عقد اتفاق نووي مع إيران، فقد فعلت الأمر نفسه مرة أخرى في سوريا، حيث تخلّت عن حلفائها الإقليميين الأكثر فعالية وتأثيراً وقامت عوضاً عن ذلك بعقد اتفاقاتها الخاصة الثنائية مع روسيا.
لم تكتف إدارة أوباما بعدم معاقبة الأسد في تجاوزاته الأكبر والأخطر على الإطلاق، بل قامت بتحصين نظامه عبر عقد اتفاقات رئيسية مع داعميه الإقليميين والدوليين، وقامت في نفس الوقت بمنع حصول المعارضة السورية السياسية والعسكرية على الدعم النوعي الذي يمكنها من تجاوز العقبة الإيرانية-الروسية.
وفي الوقت الذي كانت تُقدّم فيه نفسها على أنّها صديقة للشعب السوري، استطاعت أن تحرم إدارة أوباما هذا الشعب من كافة وسائل الدفاع عن نفسه، وقامت بتفريغ مجموعات دعم الشعب السوري وأصدقاء سوريا من محتواها، جاعلة إيّاها مجرّد شاهد زور على اتفاقاتها الثنائية مع موسكو.
إنّ السماح لإيران بإرسال أكثر من 60 ألف مرتزق ناهيك عن قواتها المسلحة من جيش وحرس ثوري، والسكوت على ذلك ليس محض صدفة على الإطلاق خاصّة في الوقت الذي يتمّ التحدث فيه عن التطرف وعن المقاتلين الإرهابيين الأجانب في سوريا. وكما إيران، فإنّ السماح لروسيا بإرسال قواتها العسكرية إلى مسرح خارج إطار مناطق نفوذها التقليدية لأوّل مرّة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ما كان ليتم لو أنّ للإدارة الأمريكية رأيا آخر في هذا الموضوع.
هذا المثلث الأمريكي-الروسي-الإيراني في الملف السوري جاء نتيجة تنازلات من قبل إدارة أوباما. بقاء الأسد حتى اليوم بعد مرور أكثر من خمس سنوات ونصف على اندلاع الثورة السورية، وكافة الدمار والخراب والقتل والفوضى المحليّة والإقليمية الناجمة عن ذلك تتحمّل مسؤوليته إدارة أوباما، لا روسيا ولا إيران.
موسكو وطهران كانتا واضحتين منذ البداية في دعمهما للنظام السوري، وحدها إدارة أوباما كانت تقول شيئا وتفعل شيئا آخر. لم يتغيّر أي شيء في هذه المعادلة منذ البداية، والمهاترات التي استعرضها كل من كيري ولافروف في مجلس الأمن ليست إلا مسرحيّة لا تغيّر من الواقع الحالي شيئا. وما ظل سائدا منذ أكثر من خمس سنوات ليس من المتوقع له أن يتغيّر في أقل من 100 يوم.
إنّ الكوارث التي خلّفتها هذه الإدارة على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم تفوق بمراحل ما فعله بوش الابن، وأكبر من أن يتم احتواؤها سريعاً، وليس من المتوقع تخطّيها أو تجاوزها في أي وقت قريب.
إرث أوباما الحقيقي كان وسيبقى دوما مرتبطاً بالكارثة السورية، ولن تنفع كل حملات الإعلان والدعاية والترويج في تغيير هذه الصورة أبداً.
المصدر|عربى21