الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:( الم ( 1 ) غلبت الروم ( 2 ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 ) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ( 4 ) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ( 5 )) .
تعمقت الرؤية النبوية على صاحبها الصلاة والسلام للواقع في شتى مراحل الدعوة، فكانت الرؤية للواقع المحلي في مكة توازي المرحلة السرية للدعوة، ثم ظهر الأمر جليا في اختيار النبي محمد صلى الله عليه وسلم الحبشة للهجرة الأولى فلم يكن الاختيار محض القرار العشوائي حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقع في هذا الأمر، فكان القرار مبني على رؤية عميقة مسبقة لطبيعة إدارة النجاشي لأمور الرعية فكان الوصف يتعلق فيما يتوق إليه أهل الإسلام وهو العدل الذي يسمح بحرية الاعتقاد خاصة لأهل الإسلام يومها، فكان الاختيار للحبشة وسط الدويلات المحيطة أو الممالك أو الإمبراطورية الفارسية أو الروم.
ومما يدفع الأجيال المعاصرة للتعلم، من منهجية مكافأة الدول الأخرى ولو كانت على غير الإسلام، حال صنيع المعروف ولو قليل، ظهر هذا الأمر حين وصل الرسول صلى الله عليه وسلم خبر أن هرقل عظم شأن الخطاب الذي جاءه من الرسول صلى الله عليه وسلم، فعجب النبيّ صلّى الله عليه وسلم وقال: «قَدْ ثَبَّتَ الله مُلْكَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَى أدْنَى الأَرْضِ مِنْهَا بِفَتْحِ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى المُسْلِمِينَ» .كما في بحر العلوم للسمرقتدي.
ثم ظهور العدل في الدعاء على كسرى حين مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه المنهجية في إدارة الأحداث والمواقف المتعلقة بالمعاملات الدولية شأنها عظيم ومما يفيد ويظهر دلالة العظمة المحمدية في فهم الواقع الدولي موقفه من الصراع الدولي بين فارس والروم.
جاء في تفسير العز بن عبد السلام ، كان المسلمون يؤثرون ظهور الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وآثر المشركون ظهور فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فلما غلبت فارس سُرَّ المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تغلبونا لأنكم أهل كتاب وقد غلبت فارس الروم وهم أهل كتاب وكان آخر فتوح كسرى فتح فيه القسطنطينية بنى فيها بيت النار فبلغ الرسول [صلى الله عليه وسلم] فساءه ذلك فنزلت هاتان الآيتان.
أليس أهل الإسلام عامة وأهل السنة والجماعة خاصة وأصحاب الرؤية السلفية أشد خصوصية للتعلم في منهجية التوافق مع الأحداث الدولية والواقع المحلي والدولي والعالمي في مفردات الصراع القائم .
متى يدرك أبناء الإسلام بصفة عامة أهمية تلاقيهم فيما بينهم حتى لا يكونوا مجرد أرقام على موائد الأنظمة العالمية والمشاريع الدولية التي تستحل القضاء على الأقليات والمستضعفين خاصة إذا تلاعبت بهم الأهواء والتفرق فيما بينهم ؟
متى يتعلم أهل الإٍسلام أهمية حسن الاقتداء بالواقع الإسلامي في زمن النبوة على صاحبها الصلاة والسلام خاص؟
متى يدرك أهل الإسلام أدبيات ترتيب الخصوم وعدم استهلاك الزمان مع الأخلاء فيستفيد الأعداء من ذلك الأمر ؟
أدرك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن النصارى على باطل وهذا لا شك فيه ، ومع ذلك أدرك أن خصومهم المجوس وهم عباد النار ومن هنا كان القرار في زاوية الرؤية للواقع يومها ، وهي أهل كتاب – مع كونهم على باطل أيضا – في مواجهة الفرس المشركين ، فكان هنا وقفة ، وهي تمنى انتصار أهل الكتاب على المجوس الفرس .
يا الله ، ما أكملها في رؤية من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وينزل التوثيق والإقرار الإلهي لهذه الرؤية ويسميها نصر الله حين قال تعالى ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، إن الذي انتصر يومها ليسوا أهل الإسلام أو أهل التوحيد ، كانوا أقرب الطرفين في النزاع الدولي القائم ، وفرح أهل الإسلام في مكة وحزن أهل الشرك في مكة لفرح أهل الإسلام ، وهنا التلاقي العجيب بين مجتمعات الداخل والصراع الدولي العالمي والتوافق في منهجية إدارة التوصيف للأزمة ، فلم يكن التوصيف مبني على :
- الاستعجال
- العاطفة
- جهل مآلات الأمور بل كان التوصيف يعتبر مدرسة علمية لإدارة الواقع السياسي للدولة أو للأمة
فمتى يتعلم أهل السنة ورواد العمل الإسلامي منهجية التلاقي في النظرة للواقع المحلي مع الأخلاء ، قبل أن يعصف بهم الخصوم ، أين منهج الاقتداء بالحبيب صلى الله عليه وسلم في منهج التقييم للواقع الدولي ؟
هل أصبح منهج التقييم للواقع خاضع للرؤية الخاصة بعيد عن الرؤية الكلية العامة ؟
متى نعترف أنه يوجد خلاف عقدي أو فقهي أو فكري أو سياسي بين أبناء الإسلام أو بين المنهج السلفي أو بين أهل السنة والجماعة وبعض المدارس العلمية التي ظهرت بصفة عامة وبصفة خاصة مع الأشاعرة والماتريدية ، لن نقول بتمييع الخلاف أو عدم أهميته أبداً ، ولكن نقول بأن مجاله داخل أروقة المحافل العلمية ، وعدم تجاهل الصراع العالمي الذي يسعى لاقتلاع الجميع من أبناء الأمة وهذا هو بيت القصيد .
فلسنا من القائلين بعدم إظهار الحق في مفردات الدين صغيرها وعظيمها أبداً ولكن نقول بأهمية إدراك خطورة الرابحين من استمرار أو تحويل النزاع من مرحلة النصيحة والحوار وإظهار الحق إلى مرحلة التنازع ومن ثم ذهاب الريح ، فما أحرى شباب الإسلام بصفة عامة ، الأزهر والسلفيين والإخوان والأحزاب الإسلامية الموجودة إلى إدراك خطورة الواقع الدولي ، والمشاريع الدولية التي تسعى للهيمنة ، على الأمة ، خاصة المشروع الصفوي واليهودي والغربي وجعلها أشبه بكنتونات فكرية متصارعة ، ومتهالكة ، إن مشارع فارس والروم تنتظر استهلاك شباب الأمة وعلمائها زمانهم في جدليات تذهب بأعمارهم بعيد عن الاعتصام البيني الذي هو باب النصر والخير والتمكين.
التقييم النبوي للواقع الدولي قبل صلح الحديبية وأثر هذا التقييم على الواقع الداخلي للأمة الإسلامية أو الدولة الإسلامية وقبوله بصلح الحديبية الذي سماه الله فتحاً مبيناً.
متى يتعلم أبناء الأمة منهجية الإتباع في إدارة شؤون الأمة في الداخل والخارج بعيد عن عاطفة أو غلو أو غرور أو يأس أو تسويف .
وصلاة ربي على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.