يحاول المد الإيراني التغلغل في المنطقة العربية وخاصة الخليج العربي، وهو ما يعد من أبرز مسببات الأزمات المختلفة واشتعال الحروب بالمنطقة، في مواجهة واضحة مع محاولات التمدد الإيرانية، إلا أن تساؤلات عدة تطرح نفسها حول هل تكتفي إيران بالتمدد بالمواجهة أم أنها تسعى لإنشاء كيانات موازية ولوبيات إيرانية في الخليج العربي مشابهة لكيان كولن في تركيا، وهل نجحت في تحقيق ذلك ولو بشكل جزئي.
يرى عدد من الساسة والمثقفين الخليجيين أن نموذج النائب البرلماني الكويتي عبد الحميد دشتي، ونموذج وسائل الإعلام الخليجية وخدمتها بشكل كبير لإيران بشكل غير مباشر، والعلاقات الاقتصادية الواسعة بين إيران والإمارات، بالإضافة لعدد من المؤشرات والاعترافات الإيرانية الأخرى يكشف وجود لوبي إيراني مؤثر في بعض دول الخليج إن لم يكن كلها.
وتحاول الحكومات الخليجية المختلفة مواجهة هذا اللوبي على مدار العقد الماضي وتم اكتشاف خلايا تجسس وشبكات إرهابية إيرانية في دول الخليج، وقامت السعودية مؤخرًا بإخلاق عدد من المؤسسات والجمعيات خلال الفترات الماضية باعتبارها جزء من أذرع إيران، في محاولة لمواجهة سعي إيران لإنشاء كيان موازي.
اللوبي الإيراني بالكويت
وتعد الكويت النموذج الأوضح لمدى وجود اللوبي الإيراني، حيث يشير المراقبون لوجود لوبي شيعي موالٍ لإيران بالكويت، استطاع أعضاءه تأسيس العديد من الصحف، والمجلات وقنوات تلفزيونية، فضلاً عن امتلاك مؤسسات تجارية عديدة.
ويشير المراقبون لامتلاك هذا اللوبي لصحيفة الدار الكويتية التي وصفت مساعدة السعودية للبحرين في أزمة 2011 بأنها "اجتياح". كما يمتلكون صحف الصباح والنهار ومجلة اليقظة. أما في التلفزيون، فلديهم قنوات العدالة والأنوار وفنون والساحل، مشيرين أيضًا لانتشار الصحفيين الشيعة بأعداد كبيرة في معظم الصحف اليومية، لا سيما الرسمية.
التمدد الإيراني في الكويت لم يقتصر على الإعلام ولكن تخطاه للاقتصاد والسياسة ويعد الملياردير الكويتي محمود حيدر، أبرز من توجه له الاتهامات بكونه من اللوبي الإيراني الكويتي وهو يمتلك عدداً من المؤسسات الصحفية والإعلامية، والشركات التجارية، ويمتلك رجال الأعمال الشيعة الموالين لإيران في الكويت مؤسسات مصرفية ومالية وتجارية ضخمة؛ منها البنك الدولي، وبنك الخليج، وشركات نفطية، والكثير من محطات الوقود.
ويشير سياسيون ومحللون أن هذا التوغل موجود في كافة المؤسسات الحكومية، مثل الشرطة والمباحث والقوات المسلحة.
وفي السياسة يعد عبد الحميد دشتي النائب الكويتي الذي حكم عليه مؤخرًا بالحبس لـ15 عامًا من أبرز من وجهت له اتهامات بأنه من اللوبي الإيراني.
وتكررت في الكويت وعدة دول خليجية الكشف عن شبكات تجسس تابعة لطهران مؤلفة من كويتيين، ومن خليجيين.
إيران تحاول الوصول للسعودية من بوابة الشيعة :
وفي المملكة العربية السعودية، تسعى إيران للتمدد من خلال استغلال ملف الشيعة المتمركزين في المنطقة الشرقية من المملكة وتعتبر المركز الرئيسي للشيعة في السعودية، ومن محافظات المنطقة الشرقية التي يشكل الشيعة أغلبية فيها محافظة القطيف ومحافظة الأحساء.
ويرى مراقبون أن التمدد الإيراني في السعودية يتمثل في سيطرة ثقافية على شيعة السعودية، خصوصا مع ارتباط شيعة المملكة العربية السعودية بعلماء إيران المتكرس في أدبيات وتصريحات شيعة البلدين، حيث يحرص نسبة كبيرة من شيعة المملكة على تزيين حوائط منازلهم بصور الخميني، مع رفعهم لصوره في مظاهراتهم بين الفينة والأخرى.
ذراع إيران مسؤول عن انقلاب اليمن
ويعد الصورة الأوضح لأسلوب إيران في التمدد داخل الخليج العربي نموذج اليمن حيث تمكنت إيران ومن خلال ذراعها "جماعة الحوثي" من السيطرة على الحكم في اليمن بانقلاب على الشرعية، من خلال التحالف مع النظام البائد برئاسة علي عبد الله صالح، ومع عدد من قادة الجيش والمسؤولين اليمنيين السابقين.
الاقتصاد بوابة السيطرة الإيرانية في الإمارات
أما الإمارات فيشير مراقبون إلى أن التواجد الإيراني بها واسع بشكل كبير، تظهر صورته في الجوانب الاقتصادية حيث يبلغ مقدار التعامل التجاري بين الإمارات وإيران لأكثر من 11 مليار دولارأمريكي، وتعد بوابة لوصول المنتجات الإيرانية لدول الخليج في ظل توقف التعامل المباشر بين إيران وبين عدد من الدول الخليجية.
الخلايا النائمة حقيقة تهدد الخليج :
تلك الدلالات السابقة أكدها محللون سياسيون عدة حيث أشار رئيس مركز الخليج للدراسات الدكتور محمد السلمي في مقال له عن التوغل الناعم الإيراني في الخليج، وتكوينها لوبيات تابعة لها بالخليج العربي.
وقال السلمي " أنه رغم "التحسن الملحوظ" الذي شهدته العلاقات الإيرانية-العربية خلال الفترة ما بين عامي 1999 و2005، "إلا أن إيران وظفت هذه السنوات لزرع المراكز الثقافية والتجنيد وشراء الولاءات، وبالتالي كونت لها خلايا نائمة ونشطة في دول المنطقة".
الخلايا النائمة أشد فتكًا من القوات النظامية :
فيما قال الباحث السياسي محمد محمود المهدي أن "الخلايا النائمة شديدة الخطورة، إذ ترتبط بمفهوم (الطابور الخامس) وهي أشد فتكاً من القوات العسكرية النظامية، لأنها تمثل قوات سرية متخفية بملابس مدنية، كما أنه من الصعب معرفة عددها وعدتها وطرق تمويلها".
وأضاف في مقال لها عن الخلايا الإيرانية النائمة في الخليج نشرته مجلة آراء " أن المتتبع لخلايا إيران النائمة يجد أنها تعتمد عليها دأكثر من أي مؤسسة نظامية أخرى في المنطقة لنشر أفكارها الثورية، واستخدامها ورقة ضغط في حال الهجوم العسكري عليها أو في حال التفكير بالهجوم عليها".
وتابع المهدي أن "ملف الخلايا الإيرانية في الخليج أوكل للحرس الثوري الإيراني، وهو ما أكدته تقارير عدة منها: تقرير للبحرية الأمريكية نشره موقع (سيكرسي نيوز) الإلكتروني، مفاده (أنه بعد إعادة تنظيم الجهاز العسكري الإيراني في بداية عام 2007م انتقلت مهمة مراقبة هذه المنطقة الاستراتيجية، أي منطقة الخليج العربية، إلى الحرس الثوري)”.
وأكد المهدي أن حقيقة وجود الخلايا أمر لا يمكن طرحه لأنها من المسلمات تثبتها عدد من المواقف منها "اعترافات السفير عادل الأسدي، الذي انشق عن النظام الإيراني عندما كان قنصلاً عاماً لبلاده في دبي عام 2003م، وطلب اللجوء السياسي في السويد، عن أمر هذه الخلايا النائمة الموجودة في دول الخليج العربية، والتي ترتبط بخيوط مع السفارات الإيرانية، وقوله إن تلك (الخلايا النائمة منتشرة في كل الدول الخليجية من دون استثناء)”.
كما أشار لقيام "قوات (فيلق القدس الإيراني) عام 2006م وبإشراف من الحرس الثوري، بتفعيل (فيلق الخليج) الذي سبق تشكيله على شكل كتائب تتخذ أسماء مختلفة منها (كتائب البحرين، كتائب المنطقة الشرقية بالسعودية، كتائب اليمن) ومن ثم إدخالهم في دورات تدريبية خارج إيران”.
وتابع نقل دلائل التواجد الإيراني في الخليج قائلًا أن من بينها " قرار المرشد الأعلى علي خامنئي، في سبتمبر 2008م بتحويل مسؤولية أمن الخليج من قوات البحرية التابعة للجيش الإيراني النظامي إلى قوات الحرس الثوري الإيراني التي زادت من أنشطتها في دول الخليج مستخدمة مجموعة من الأدوات أهمها الأداة الاقتصادية وتأسيس المشاريع الاستثمارية “ .
ولفت إلى أنه سبق أن كشفت البحرين والكويت عن تورط وزير دولة وآخرين من الشخصيات المهمة التي تعتلي مراكز عليا في المملكة في تهمة غسل أموال تقدر قيمتها بحوالي 32 مليون دولار لصالح الحرس الثوري الإيراني، ومن ثم في الكويت عن خلية تضم ستة عسكريين كويتيين في وزارة الدفاع، وعسكريين اثنين من فئة البدون، مشاركين في شبكة التجسس العاملة لمصلحة الحرس الثوري الإيراني بقصد رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية،".
واعتبر أن تلك الخلايا وغيرها من أبرز الأدلة على وجود اختراق إيراني للصفوف الأولى في بعض دول الخليج.
واختتم المهدي مقالته مؤكدًا ان "تشكيل خلايا نائمة في الدول الخليجية العربية من قبل إيران، واستخدامها كأوراق ضغط على النظم الحاكمة في هذه البلدان، يتطلبان الحذر الشديد ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة للسيطرة عليها”.
المصدر|الخليج العربي