
سامرّاء مدينة سنية عريقة، حافظت على هويتها منذ أن بناها الخليفة المعتصم بالله في القرن الثالث الهجري، وبقيت على هذا الطابع عبر العصور رغم التحولات السياسية والدينية.
ومع أنها تضم مرقد الإمامين الهادي والعسكري، فإن تركيبتها الدينية والاجتماعية بقيت سنية خالصة، وهذا هو أساس حساسيتها تجاه أي مشروع يسعى لإعادة تشكيل هويتها.
في الأيام الأخيرة عاد الحديث بقوة عن “إحياء الحوزة الشيعية” التي أسسها المرجع الشيعي محمد الشيرازي في سامرّاء، بعد البيان الذي أصدره مقتدى الصدر؛ الأمر الذي أعاد فتح ملف قديم ارتبط بتوازنات الهوية والصراع الشيعي الداخلي.
ولكي يفهم القارئ الصورة بوضوح، من الضروري عرض موجز زمني للمحاولات التي تكررت عبر 150 عامًا.
خط زمني مختصر لمحاولات حوزة سامرّاء
على امتداد قرن ونصف، ظهر موضوع “حوزة سامرّاء” في خمس مراحل رئيسية:
1- المرحلة الأولى - مشروع الشيرازي (1874 – 1895)
انتقل الميرزا محمد حسن الشيرازي من قم إلى النجف ثم إلى سامرّاء، وأنشأ حوزة شيعية عُرفت بالحوزة الشيرازية بهدف تغيير هوية المدينة السنية.
2- المرحلة الثانية - بعد وفاة الشيرازي (1895 – 1920)
حاول بعض تلامذته منع انهيار مشروع الحوزة، لكن المدرسة العلمية السنية بقيادة الشيخ محمد سعيد النقشبندي أفشلت التمدد.
3- المرحلة الثالثة – نقاشات منتصف القرن الماضي
ظهرت أفكار محدودة حول إعادة وجود ديني شيعي، لكنها بقيت داخلية ولم تُترجم إلى مشروع فعلي.
4- المرحلة الرابعة - بعد تفجير المرقدين (2006)
أعاد التفجير النقاش، لكن الوضع الأمني والتوتر الطائفي أغلق الباب أمام أي مشروع حوزوي جديد.
5- المرحلة الخامسة - دعوة مقتدى الصدر (2025)
وهي أحدث محاولة، جاءت في سياق صراع شيعي–شيعي على الشرعية والنفوذ، أكثر منها خطوة علمية.

قراءة في بيان مقتدى الصدر حول "إحياء حوزة سامرّاء"
البيان الذي أصدره الصدر في 1 جمادى الآخرة 1447 هـ لم يكن دعوة رمزية، بل إعلانًا واضحًا لبدء مشروع مؤسسي يريد أن يكون له حضور ديني في سامرّاء.
تظهر في البيان عدة نقاط أساسية:
1- عبارة "إحياء حوزة سامرّاء وإعادة هيبتها"
هذه ليست صياغة عابرة؛ إنها رسالة بأنه يريد إنشاء مؤسسة حوزوية كاملة، لا مجرد مدرسة دينية.
2- تعيين مازن الساعدي وعلي المسعودي "للاهتمام بالطلاب والدروس"
هذان من داخل التيار الصدري، وليس من مرجعيات النجف.
وهذا يعني أن الصدر يريد حوزة صدريّة الهوية، مستقلة عن النجف والسيستاني وقم.
3- الإشارة إلى "دفع الرواتب والمستحقات"
وهذا يعني تأسيس بنية مالية وتنظيمية، وهي أهم خطوة في أي مشروع حوزوي.
4- "وفقًا لمنهج ابنِنا الصدر"
هذه العبارة أهم جملة في البيان.
هي إعلان رسمي بأن الحوزة ستكون حوزة بمرجعية صدريّة، لا نجفية ولا إيرانية.
5- "السلام على حوزة النجف المركزية"
هي رسالة تهدئة ظاهرية، لكنها تعني ضمنيًا:
"نحن لا نهاجم النجف... لكننا نؤسس شيئًا موازياً لها."
6- "والسلام على شيعة وسنة سامرّاء"
يحاول من خلالها خفض التوتر، لأنه يعرف حساسية المدينة السنية تجاه أي مشروع حوزوي.
الشيرازي ومحاولة تغيير هوية سامرّاء (الجذور التاريخية)
الميرزا الشيرازي جاء من قم إلى النجف ثم إلى سامرّاء بهدف تحويلها إلى مركز حوزوي شيعي.
استقدم طلابه، وأنشأ حلقات الدرس، وسعى لنقل مركز المرجعية من النجف إلى سامرّاء.
كانت هذه الخطوة أول محاولة فعلية لتغيير هوية المدينة السنية.
قال العلامة الشيخ الدكتور حسين المؤيد:
1- هجرة الميرزا محمد حسن الشيرازي إلى سامرّاء كانت من النجف، التي سكنها وحاز على المرجعية وأستاذية البحث الخارج فيها.
2- مهما قيل في دوافع هجرة الشيرازي إلى سامرّاء، إلا أن الدافع الأهم كان خلق بؤرة شيعية في سامرّاء قابلة للتوسع وليكون للشيعة وجود ماثل.
كان بإمكان الشيرازي أن يهاجر إلى قضاء بلد الذي لا يبعد عن سامرّاء كثيرًا والذي يقطنه عدد غير قليل من الشيعة، وفيه مرقد محمد بن علي الهادي، لكنه آثر سامرّاء التي فيها مرقد اثنين من أئمة الشيعة وفيها ولادة المهدي حسب سردية الشيعة الاثني عشرية، وفيها السرداب الموسوم بسرداب الغيبة، لكنها مدينة سنية محضة وتقطنها عشائر عربية، ولا وجود فيها للشيعة، ولا للإيرانيين. وكان الشيعة يقصدون سامرّاء بمقدار ما يؤدون طقوس الزيارة ولا يقيمون فيها.
فكان هدف الميرزا الشيرازي تأسيس حوزة دينية، سيكون أغلب معمميها من الإيرانيين وسيكون وجود هذه الحوزة مشجعاً للشيعة على السكن في سامراء، وبالتالي يتحقق فيها وجود شيعي وحضور قوي وفاعل، ليس من العراقيين فقط وإنما من غيرهم أيضًا لا سيما الإيرانيين.
وقد دعمت الدولة الإيرانية هذا المخطط وأنفقت عليه، وكانت حريصة على أن ينال الشيرازي زعامة دينية كبيرة في الوسط الشيعي، فمن المتعارف عليه أن الذي يخرج من النجف مركز الحوزة الشيعية، لن ينال مرجعية عليا، بل تتراجع مكانته ويتفوق عليه المراجع الموجودون في النجف، بينما الذي حصل للميرزا محمد حسن الشيرازي هو العكس تمامًا، إذ قادت هجرته إلى سامراء إلى أن يتضاعف زخم مكانته ومرجعيته، فصار المرجع الأعلى للشيعة، وصار مراجع النجف في مرتبة متأخرة عنه، مع أنه في بدايات هجرته إلى سامراء كاد أن يأفل نجمه الذي كان لامعًا حين كان في النجف، لكن دعم إيران له قلب المعادلة. ووجدت الدولة الإيرانية في مشروع الميرزا الشيرازي عاملًا يعزز من نفوذها في العراق، وورقة قوة مقابل الدولة العثمانية، وحاولت استغلال ذلك إلى أقصى ما يمكن، لكن الميرزا الشيرازي الذي كان حريصًا على بقاء مشروعه واستمراره فيما بعد، والذي كان يدرك أن الوجود الشيعي في سامراء ما يزال نبتة فتية قد تطيح بها رياح قوية، كان يحرص على أن لا يعطي انطباعًا بارتباط مشروعه بالدولة الإيرانية.
وعلى الرغم من أن الميرزا محمد حسن الشيرازي توفي في سامراء، فإنه لم يُدفَن فيها مع وجود مرقد لإمامين من أئمة الشيعة فيها، لكنه أوصى بالدفن في النجف، وكأنه يريد أن يؤكد على أن ذهابه إلى سامراء هو في إطار مشروع تكوين بؤرة شيعية ليس إلا، وقد قام بذلك، ويعتبر أن مهمته في سامراء قد انتهت.
1- بعد وفاة الميرزا محمد حسن الشيرازي، حاول البارزون من تلامذته البقاء في سامراء واستمرار وجود فاعل للحوزة، لكن لم يتيسر ذلك لهم، لأن موقف علماء السنة في سامراء ومعهم أهالي سامراء استطاع إجهاض هذا المشروع، وكذلك لم يكن بالإمكان أن يبقى زخم الحوزة في سامراء على حساب الحوزة المركزية في النجف، فانتهى القرار إلى أن يُحافظ على وجود رمزي للحوزة في سامراء، وهو ما بقي مراجع الشيعة مهتمين به ومشجعين عليه، فكانوا يدفعون للمعممين الذين يقطنون في سامراء أضعاف الراتب الشهري الذي يتقاضاه المعمم في حوزة النجف، والهدف هو استمرار الحضور الشيعي ولو كان رمزيًا.
2- يبدو أن مشروع مقتدى في سامراء ما هو أكثر من الوجود الرمزي، بحيث يكون هناك حضور مؤثر ومشهود للتشيع في سامراء، لكن ليس لخلق بديل عن قم والنجف، فهذا ما لا يتمكن مقتدى منه، وهو فوق طاقة أي معمم حتى لو كان من مراجع الشيعة، فضلًا عن مثل مقتدى الذي لا يملك سوى مرتبة متواضعة في معايير الحوزة والمراتب العلمية. كما إن مقتدى يدرك أنه لا يستطيع الخروج على الوصاية الإيرانية على التشيع والشيعة في العراق، ولا يفكر هو في ذلك، بحكم عقليته الشيعية والطائفية.
الهدف الرئيسي له من مشروع إحياء الحوزة في سامراء، مضافًا إلى أنه ورقة قوة له في الوسط الشيعي الديني والسياسي، فإن الهدف طائفي ومغرض وتآمري على سامراء وأهلها وعلى السنة عمومًا.
مواجهة الشيخ محمد سعيد النقشبندي للمشروع الشيرازي
يُعدّ الشيخ محمد سعيد النقشبندي أبرز من تصدى للمشروع الشيرازي في حياته:
1- بنى المدرسة الدينية العلمية مقابل حوزة الشيرازي
إذ أقنع السلطان عبد الحميد ببناء مدرسة كبيرة في قلب المدينة كخط دفاع علمي سني.
2- رفض الإغراء والتهديد
حاول الشيرازي التأثير على الشيخ مرة بالمال ومرة بالضغط، لكنه فشل.
3- خرّج جيلًا من العلماء المدافعين عن هوية المدينة
استقطب الشباب من عشائر سامرّاء، وخرّج منهم خطباء وفقهاء وقضاة شكّلوا جدار الحماية الأول للمدينة.
4- النتيجة
انهارت الحوزة بعد وفاة الشيرازي سنة 1895، بينما بقيت المدرسة العلمية قائمة لعقود.
المدرسة الدينية العلمية في سامرّاء
هي أول مدرسة علمية شرعية بُنيت في العهد العثماني لصدّ الانحراف الفكري الشيعي، فهي ليست مجرد مدرسة تعليمية، بل مشروع دفاعي متكامل. ولبناء هذه المدرسة قصة معروفة ذكرها الشيخ العلّامة أحمد الراوي رحمه الله، الذي قضى فيها أطول مدة تدريس بلغت حوالي 40 سنة. وقد نقل نص الرسالة الأستاذ يونس إبراهيم السامرائي في كتابه تاريخ علماء سامرّاء، والرسالة غاية في الأهمية لمن يريد الاطلاع على تفاصيلها، ومن مصادر أخرى. مختصرها المفيد: أن المرجع الشيعي الميرزا حسن الشيرازي نقل مقر إقامته من إيران إلى سامرّاء، وأنشأ لذلك مدرسة لعلوم الإمامية الاثني عشرية عُرفت بـ(الشيرازية) نسبة إليه، والتي بدأت تتحرك لتطال محافل الناس وأماكن تجمعاتهم مطلقةً حملات لنشر أفكارها بين جماهير المسلمين في تلك المدينة التي تشع بنور التوحيد. فتيقظ لها العلامة محمد سعيد النقشبندي وأخبر والي بغداد حسن باشا بذلك، فأوعز الأخير إلى السلطان عبد الحميد الثاني يخبره بالأمر، ومن هنا بدأت الحكاية.
ولما علم الشيخ محمد سعيد النقشبندي عن طريق تلميذه توفيق باشا بالموضوع، حلّ رحاله في مدينة سامرّاء وطلب من الوالي النجدة والنصرة للحفاظ على عقيدة الناس وصفاء دينهم. عندها كتب الوالي إلى السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله يخبره بما طرأ في المدينة، وكان ذلك عام 1312هـ.
ويقول الشيخ أحمد الراوي في رسالته: إن سبب تأسيس المدرسة هو خشية التلاعب في الدين من بعض المنتسبين إليه، ولم يوجد في ذلك التاريخ بهذه البلدة من العلماء من يقف لصدّ هذا التيار الجارف. وكان والي بغداد المرحوم الحاج حسن باشا، وهو رجل من أهل الدين وأرباب اليقين، فأخبر السلطان عبد الحميد بذلك. فاستفهم السلطان من الوالي قائلاً - إذ كما يُقال: صاحب الدار أدرى بالذي فيه - وأنت الآن بين ظهرانيهم، ولابد أنك بهذه المدة قد وقفت على أحوال أهل البلاد وعرفت مراميهم، فبأي طريقة يتلافى هذا الأمر؟ فأخبره الوالي المشار إليه بأن أنجح طريقة لتلافي هذا الأمر هي وضع مدرسة دينية في ذلك الموضع.
فأصدر السلطان أمره العالي بإنشاء مدرسة دينية في هذا القضاء، وأمر بأن يُعيَّن فيها مدرس يصلح لمثل هذا الأمر، وأن يكون من العلماء الأفاضل فطناً ديناً سياسياً. فانتخب الوالي رحمه الله المرحوم المبرور الشيخ محمد سعيد أفندي النقشبندي. فشدّ الرحال إلى إسطنبول ليستقبله السلطان استقبالاً باهراً، وليصدر له أمراً بإنشاء مدرسة دينية تكون مرجعاً للمدينة ومصنعاً للعلماء، وكانت كذلك. وخصّص له المبلغ الكافي لإنشائها والصرف على مستلزماتها، ثم شدّ الرحال راجعاً رحمه الله، وتوجّه إلى سرّ من رأى (سامرّاء)، فاستقبله الأهالي بالتبجيل والترحيب المنقطع النظير، فانكبّت عليه الناس من كل حدب وصوب، وانتسب إليه البعيد والقريب والنسيب والغريب.
واستأجر داراً مقابلة للجامع الكبير من الجهة الشمالية واتخذها مدرسة، واشتغل بالتدريس والإرشاد والوعظ، وصار يدرس الشبان والكهول في تلك الدار، إذ لم تكن المدرسة مهيّأة للتدريس في ذلك الوقت. وصار هذا ديدنه من حين صدور الإرادة السنية بتعيينه، وذلك سنة 1309 هجرية إلى سنة 1312 هجرية. انتهى.
وحين عاد إلى سامرّاء اجتمع بالميرزا الشيرازي صاحب المدرسة الشيرازية، وأراد الشيرازي أن يغري الشيخ النقشبندي بـ(1500) مثقال ذهب عثماني من أجل ألا يبني المدرسة في مكانها المقرر، ولكن الشيخ محمد سعيد رفض ذلك بشكل قاطع. فكان من ثمرة ذلك الإصرار إنشاء صرح علمي تحتاج إليه المدينة في وقت كانت تتهددها معاول الباطل من كل جانب.
ولأن مجتمع المدينة ذو تكوين قبلي، فقد اختار الشيخ طريقة انتقاء الطلبة على هذا الأساس؛ إذ انتقى من كل عشيرة أذكى أبنائها وأدخلهم هذه المدرسة الوليدة، وجعل لهم مواضع للدراسة والطعام والمبيت وكل ما يحتاجه طالب العلم آنذاك.
بدأت المدرسة أعمالها، وتوافد إليها كبار علماء العراق للتدريس، من أمثال الشيخ عبد الحق شبيب المهداوي، والشيخ عباس أفندي القصّاب، والشيخ قاسم الغوّاص، مروراً بالشيخين أحمد الراوي وأيوب الخطيب. وقد تخرّج من هذه المدرسة المئات من العلماء وطلاب العلم الذين انتشروا في العراق فيما بعد. ومن هؤلاء العلماء الكبار الذين تخرّجوا على يد الشيخ أحمد الراوي رحمه الله: الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه حفظه الله، والشيخ غازي السامرائي رحمه الله، والشيخ الدكتور عبد الله الجبوري، والشيخ حسيب السامرائي، وغيرهم كثير.
وقد مرّت على هذه المدرسة محن كثيرة ذكرها الشيخ الراوي رحمه الله في رسالته الطويلة. واليوم، ونحن في عام 2025م، فإن بناية المدرسة مغتصبة من قبل الوقف الشيعي مع الجامع الكبير. هكذا كان تأسيس أول مدرسة علمية لصدّ التشيّع في العراق.
إغلاق المدرسة الدينية العلمية بعد الاحتلال الأمريكي
بعد 2003، وتحديدًا بعد تفجير المرقدين سنة 2006، تحولت سامرّاء إلى منطقة محاطة بالمليشيات، وتم:
1- إغلاق المدرسة العلمية.
2- منع التدريس.
3- التضييق على النشاط السني.
4- تحويل المنطقة إلى نطاق أمني مغلق، ولا تزال بناية المدرسة مغلقة حتى اليوم.
5- ملاحظة: مدرسة سامرّاء الدينية لم تُغلق كمشروع، فهي لا تزال قائمة بمشايخها وطلابها بفضل الله، ويقوم عليها شيوخ أفذاذ أكفاء، ولكن في بناية بديلة.
الحوزة الشيرازية الحديثة (2018)
أعيد ترميم الحوزة الشيرازية في سامرّاء سنة 2018 بإشراف المرجع الشيعي علي السيستاني تحت اسم (المدرسة العلمية الجعفرية).
لكن البناء كان مشروعًا عمرانيًا وخدميًا، وليس إعادة تأسيس لحوزة متكاملة.
فالمدرسة لا تضم:
- مرجعًا مقيمًا
- ولا بحثًا خارجيًا
- ولا طلبة بالآلاف
- ولا استقلالًا مؤسسيًا عن حوزة النجف
هي مبنى يخدم الزائرين وبعض الدروس المحدودة فقط.
لماذا يريد الصدر سامرّاء؟
منذ 2014، ومليشيا سرايا السلام التابعة للصدر تسيطر على مدينة سامرّاء السنية وتسوّم أهلها سوء العذاب.
فالصدر يعتبر مدينة سامرّاء حصّته التي لا يتنازل عنها، ولذلك يرى إمكانية خلق حوزة صدريّة داخل المدينة لأسباب أبرزها:
1- النجف مغلقة أمامه
ولن تسمح بنشوء مؤسسة شيعية موازية.
2- سامرّاء في العقيدة الشيعية تحمل رمزية "الغيبة"
وهي ورقة يراها الصدر مناسبة لقاعدته الشعبية.
3- التحرر من نفوذ إيران
سامرّاء ليست ضمن منظومة قم مثل كربلاء والكاظمية.
4- تأسيس شرعية دينية جديدة
يريد الصدر مركزًا لا يخضع للنجف ولا لإيران.
موقف النجف وإيران والفصائل الميليشياوية
- النجف: ترى المشروع تهديدًا مباشرًا.
- إيران: تعتبره خطرًا على منظومة قم.
- الفصائل الميليشياوية: ترفض أي نشاط مستقل في مدينة شديدة الحساسية.
كيف يرى أهل سامرّاء السنّة مشروع حوزة الصدر؟
أهل المدينة يرون المشروع على النحو الآتي:
1- محاولة واضحة لتغيير هويتهم السنية.
2- مشروع يجلب التوترات الطائفية مجددًا.
3- امتداد لمحاولات تاريخية فشلت.
4- صراع شيعي داخلي لا يريدون أن يكونوا طرفًا فيه.
ولذا يتعاملون بحذر شديد مع أي طرح حوزوي في مدينتهم.
هل يمكن أن ينجح مشروع "حوزة سامرّاء"؟
كل المعطيات تشير إلى أنه مشروع صعب جدًا، لأن:
1- لا توجد مرجعية صدريّة قادرة على قيادة حوزة.
2- البيئة السنية لا تقبل مشروعًا كهذا.
3- النجف وإيران والفصائل سيقفون ضدّه.
4- المدينة تحمل ذاكرة حساسة تجاه التمدد المذهبي.
5- تجربة النقشبندي ما تزال عنوانًا قويًا في الوعي السامرّائي.
لكن لا نستبعد أبدًا أن يكون هذا سيناريو طويل الأمد مُعدًّا بالاتفاق بين إيران وحوزة النجف لتمكين الصدر من نشر التشيّع في المدينة. وهذا ما يعملون عليه منذ تفجير مرقد العسكريين عام 2006 وإلى اليوم.
بل ويعملون مع إيران على جعل سامرّاء محافظة مستقلة وفصلها عن محافظة صلاح الدين، وهذا أمر خطير.
الخلاصة
سامرّاء مدينة ذات هوية ثابتة منذ أكثر من 1100 عام، وهي الهوية السنية.
جميع محاولات تغيير هذه الهوية فشلت، من مشروع الشيرازي قبل قرن ونصف، إلى طرح الصدر اليوم.
الصراع الحالي في المدينة ليس صراعًا بين السنة والشيعة وحده، وإنما أيضًا صراع شيعي - شيعي حول السلطة والشرعية والرمزية.
وسط هذا الصراع، تبقى سامرّاء خطًا أحمر في معادلة التوازن المذهبي في العراق، كما كانت دائمًا.
لكن لا يتم الحفاظ عليها إلا بمشروع سنّي مضاد يجابه المشروع الشيعي لنشر التشيّع في المدينة.