الخميس, 04 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

شريف عبد الحميد يكتب: «خريف الملالي»... الثورة آتية لا محالة

آراء وأقوال - | Sat, Oct 7, 2023 1:45 AM
الزيارات: 4317
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

بعد مرور عام على مصرع مهسا أميني في خريف العام الماضي، لا زال النظام الحاكم في إيران يواجه مخاوف من عودة احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، نظرًا إلى الأجواء المشحونة التي لم تفارق الشارع منذ إخماد هذه الاحتجاجات، فيما تعمل أجهزة النظام وعلى رأسها ميليشيات "الباسيج"، من أجل منع تكرار حدوث تلك الهبة الشعبية، عبر شن حملات اعتقالات لتخويف المعارضين والنشطاء المناهضين لحكم المرشد، خصوصًا من جيل الشباب الإيراني "جيل زد"، الذي يقف حاليًا في طليعة الثورة الإيرانية المقبلة.

ولقد تعمق الانقسام الناجم عن المواجهة بين نظام الملالي ومعارضيه، الذين باتوا أغلبية يُحسب لها ألف حساب في حسابات السلطة الحاكمة، خصوصًا أن قمع الاحتجاجات وفرض "القبضة الحديدية" لم يؤد إلا إلى تأجيج استياء المضطهدين والساخطين من أبناء الشعوب الإيرانية، رغم افتقار تظاهرات "المرأة والحياة والحرية" للقدرة على رفع الحركة الاحتجاجية إلى حراك ثوري حقيقي، من شأنه أن يُطيح بنظام الملالي إلى غير رجعة.

وعندما لقيت مهسا أميني مصرعها، كان المجتمع جاهزًا للانفجار، حيث دفعت الأخبار ملايين الإيرانيين، وخاصة الشباب، إلى مقدمة عناوين الأخبار العالمية.

ومع ذلك، فشلت المظاهرات في إحداث تغيير سياسي، وهو ما يطرح أهمية إعادة النظر في تلك الانتفاضة، لمعرفة الأسباب المحتملة لفشل حركة بهذا الحجم، في أن تترجم إلى تحول سياسي في إيران.

وكان الافتقار إلى القيادة الفعالة، هو السبب الأهم لفشل حركة الاحتجاج، حيث أكد الخبراء وقتها الحاجة إلى قيادة لا تحظى بشعبية كبيرة فحسب، بل تكون أيضًا بعيدة عن متناول الحكومة الإيرانية.

ولا شك أن الاحتجاجات شكلت التحدي الأضخم والأكثر ديمومة الذي واجهه نظام الحكم في إيران منذ عام 1979. ومع ذلك، فإن غياب هيئة مركزية لتوفير التوجيه للحركة، والحفاظ على أمل المتظاهرين في بديل لنظام الملالي، وتنظيم الاحتجاجات اللامركزية، أصبح يمثل مشكلة متزايدة مع اكتساب الاحتجاجات زخمًا وواجهتها القمع الحكومي المتصاعد.

صحيح أنه تم تشكيل مجلس من 6 أعضاء في الخارج لقيادة الحركة، لكن الخلافات ظهرت تدريجيًا بين الأعضاء، وانهارت المجموعة في نهاية المطاف.

الهروب إلى الأمام

هناك عدة أسباب ساعدت النظام الإيراني على النجاة من تلك الاحتجاجات الشعبية، التي استمرت حتى الأشهر الأولى من العام الحالي، وعلى رأس هذه الأسباب الطبيعة المؤسسية الراسخة لنظام الملالي، الذي نجح في النجاة من الهبات الشعبية طوال 44 عامًا مضت، فضلًا عن اتهام "أعداء إيران" بالوقوف خلف تلك الأزمة الوجودية، التي تعامل معها النظام بمزيد من القسوة والقمع الأمني غير المسبوق.

أمّا السبب الثاني، فهو أن النظام حاول الهروب للأمام عبر إضفاء طابع خارجي على الأزمة، أو بمعنى آخر خلق أزمة خارجية، ولا سيما عن طريق استهداف كردستان العراقية، التي تستضيف جماعات المعارضة الكردية المسلحة الإيرانية، واتهام دول عربية خليجية بتمويل محطات إيرانية معارضة في الخارج لإشعال الاحتجاجات.

ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في عدم تشكيل حركة شاملة، وفق التقرير، تردد وإحجام القطاع الديني الليبرالي في المجتمع عن الانخراط الكامل في النضال من أجل إسقاط حكم الولي الفقيه.

رغم ذلك، تميزت حركة الاحتجاج التي اندلعت في خريف العام الماضي، عن غيرها من الانتفاضات الشعبية السابقة، بقدرتها على بناء تحالف متنوع يتجاوز الانقسامات العرقية والطبقية والمناطقية في معارضة الملالي.

وما بدأ كاحتجاج موجه للنساء على وفاة مهسا أميني، سرعان ما توسع ليشمل مطالب أخرى، مثل العدالة الاقتصادية والحرية السياسية والتغيير. وعلى الرغم من قمع الحكومة للاحتجاجات، إلا أن الدوافع الأساسية لا تزال قائمة، وتستمر الفجوة بين الدولة وأجزاء كبيرة من المجتمع في الاتساع.

وإحدى المجموعات التي عانت أكثر من غيرها من القمع الحكومي هي الأقليات العرقية، التي واجهت القتل والاعتقالات والهجمات لعقود من الزمن. بناءً على عقود من التمييز المنهجي ضد مجتمعات الأقليات العرقية، مثل الأكراد والبلوش والعرب والتركمان والأتراك الأذربيجانيين، وبررت السلطات حملات القمع الدموية في المناطق التي تقطنها أغلبية من الأقليات العرقية من خلال وصف الاحتجاجات بأنها "حركات انفصالية".

الثورة لا ريب فيها

لا جدال أن احتجاجات مهسا أميني لم تمر مرور الكرام، ثورة اجتماعية كبرى حدثت داخل إيران، ففي الوقت الحاضر، لا يزال قسم كبير من النساء والفتيات الحضريات يقاومن ويتنافسن مع الحجاب الإلزامي، وهو حجر الزاوية في أيديولوجية النظام الديني الحاكم، الذي يعتبر الحجاب أحد الأسس الراسخة للنظام، ومن المستحيل أن تكون هناك "جمهورية إسلامية" من دونه!

وأشعلت وفاة "مهسا" الغضب المكبوت لدى عموم الإيرانيين، وخاصة النساء اللواتي سئمن عنف الدولة والتمييز والحكم الأبوي. وبناء على عقود من المقاومة واستمرار الحركة النسوية من أجل المساواة، لعبت المرأة الإيرانية دورًا مركزيًا في هذه الاحتجاجات. وينبغي النظر إلى هذه الاحتجاجات على أنها تتويج لأكثر من أربعة عقود من نضال النساء الإيرانيات، بما في ذلك ضد قوانين الحجاب الإلزامية، وهي النضالات التي أصبحت متشابكة مع الحياة اليومية للنساء.

ولذلك، واجه النظام المحتجين بقوة مفرطة، وقتلت قوات الأمن أكثر من 530 متظاهرًا، من بينهم 71 طفلًا، وتم اعتقال ما لا يقل عن 22 ألف شخص على خلفية الاحتجاجات، من بينهم 714 طالبًا و63 صحفيًا وما لا يقل عن 300 مدافعة عن حقوق الإنسان للنساء.

وتعرض العديد من المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة والمحاكمات غير العادلة والتحرش الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب. وحُكم على ما لا يقل عن 25 شخصًا بالإعدام، كما أُعدم 7 أشخاص لصلتهم بالاحتجاجات. تُظهر هذه الأرقام حجم وشدة القمع والعنف الذي واجهه الشعب الإيراني بسبب مطالبته بحقوقه وحرياته الأساسية.

في مقابل هذا القمع الأمني، كان الطلاب والناشطون عبر الإنترنت ركيزة أخرى لحركة الاحتجاج، حيث أظهروا شجاعتهم وإبداعهم. لقد استخدم الناشطون عبر الإنترنت، وخاصة الشباب، الإنترنت كأداة للتواصل والمعلومات والحشد. لقد شاركوا قصصهم وآرائهم ومطالبهم مع العالم بطرق ملهمة. كما تعاونوا أيضًا مع منظمات حقوق الإنسان الدولية والصحفيين والمشاهير للدفاع عن قضيتهم وفضح انتهاكات الجمهورية (الإسلامية).

شاركت النساء في حملات العصيان المدني، ونظمن شبكات على الإنترنت وخارجها، وتحدين قوانين الحجاب الإلزامية من خلال خلع حجابهن في الأماكن العامة. لقد واجهن العنف والمضايقة والسجن بسبب نشاطهن. وكانت النساء قوة حاسمة في هذه الاحتجاجات، إذ قادت المرأة الإيرانية المقاومة ضد السياسات الأبوية والتمييزية التي تنتهجها الحكومة، وطالبن بحقوق متساوية.

وفي الوقت الراهن، مع حلول ذكرى الاحتجاجات، تخاطر سلطات الملالي من خلال الإجراءات الصارمة التي تتخذها ضد المعارضين، بتوسيع الصدع بين الحكومة الدينية والمواطنين الإيرانيين العاديين، الذين يشعرون بذعر متزايد بسبب الاقتصاد الذي تضرر بشدة من العقوبات وسوء الإدارة، وهو مصدر محتمل لوقوع مزيد من الاضطرابات في المستقبل، ما يعني أن الثورة ضد نظام الملالي لا ريب فيها، وأنها آتية لا محالة.

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت