ما الذي يجب أن نفهمه من استخدام روسيا لقاعدة جوية إيرانية كنقطة انطلاق لغاراتها الجوية على سوريا؟ كان مسؤولون بالاستخبارات الأمريكية يعملون على حل هذا السؤال، حيث وجدوا أن وزارة الخارجية الأمريكية غير قادرة على التعامل مع هذا التطور. فقد جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «مارك تونر» في حديثه الموجز لمراسلين في 17 أغسطس/ آب ما يلي: «نحاول الحصول على تقييم أفضل لما يجري، لكن هذا في الأساس لا يساعد».
و«تونر» محق بالتأكيد في الكلمة الأخيرة. فمن ناحية واشنطن، فإنها نظريًا لازالت تطالب الرئيس السوري «بشار الأسد» بالرحيل (وذلك منذ خمس سنوات منذ إعلان أوباما عن ذلك). وتعني العلاقة الوثيقة بين موسكو وطهران عنفًا أكبر على الأرض في سوريا، وضحايا أكثر من المدنيين، وتدمير مراكز صحية ومستشفيات أكثر، ويوفر وقتًا أطول للأسد لتعزيز مكاسبه الإقليمية، والضغط على حلب، ويعقد من معاناة مبعوث الأمم المتحدة «ستيفان دي ميستورا». وفي تصريح للجنرال «ديفيد بارنو»، الذي قاد قوات التحالف في أفغانستان من 2003 إلى 2005، وصف الجنرال نشاط روسيا داخل إيران بخطوة «بوتين» الجوهرية: «لازال بوتين يعمل على أن يتم النظر إلى روسيا مرة أخرى كقوة عسكرية عظمى، ولن يخجل من وضع إصبعه في عين الولايات المتحدة وأصدقائها في كل فرصة يتاح له فيها ذلك».
لقد قللت إيران من مسألة استخدام روسيا لواحدة من قواعدها الجوية، واصفة ذلك بأنه امتداد للشراكة الدفاعية ضد الجماعات الجهادية في سوريا. ولكن لا يزال هذه القرار حتى الآن يسبب الخلاف، حتى أن وزير الدفاع الإيراني قد انتقد موسكو لإعلانها عن هذا الترتيب المشترك. ورغم أن هذه الخطوة ربما تكون صفقة لمرة واحدة، إلا أنها تعد صفقة هامة لكلا الجانبين، وعلى صعيد الحرب السورية والديناميكية السياسية الأوسع.
أولا، ومع التواجد المؤقت للقاذفات الروسية طويلة المدى «تو-22 إم» في غرب إيران، فقد احتاجت لكميات أقل من الوقود مما كان تتطلبه رحلتها من روسيا إلى سوريا، وهذا أعطى الفرصة للطيارين الروس للتمتع بحمولة أكبر من الأسلحة والقذائف والتي استخدموها في قذف الأحياء المليئة بالمدنيين. كما سهل إقلاع الطائرات من إيران مباشرة في تلافي مشاكل السيادة، فلم تعد الطائرات مضطرة للمرور فوق الأجواء التركية في طريقها لشن الغارات فوق سوريا. وسوف يضع الروس هذه العوامل في اعتبارهم حين يعيدوا طلب الاستضافة لدى إيران، إن كانت إيران ستقبل الطلب هذه المرة.
ثانيا: على الرغم من أن قاعدة همدان الجوية مملوكة ومدارة من قبل الإيرانيين، وكان الروس مجرد ضيوف مؤقتين عليها، فإن الخطوة أعطت «بوتين» الفرصة لإحراج «أوباما» وإظهار هشاشة السياسة الأمريكية في سوريا. يعرف الروس ماذا يريدون من سوريا، فالنظام السوري حليفهم، وسوف يستخدمون كل قوة عسكرية ممكنة لضمان بقائه وتقوية موقفه. وهذا ما يتيح له الحصول على أفضل الشروط إذا حل موعد التفاوضات. وعلى العكس بالنسبة لواشنطن، فـ«الأسد» يعد بمثابة سرطان يساعد على تنامي الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن الأمر ليس بالخطورة التي تطلب التدخل العسكري الأمريكي المباشر والذي يمكن أن يستمر لوقت أطول وبتكلفة أكبر من المتوقع.
ثالثا: لقد كتب الإيرانيون التاريخ، حين سمحوا للقاذفات الروسية بدخول أراضيهم. فالحفاظ على «بشار الأسد» في قصره يمثل هدفا استراتيجيا للمصالح الخارجية الإيرانية في المنطقة، وهي سابقة لم تحدث منذ 35 عامًا، ونتحدث هنا عن سابقة التقارب في العلاقات ما بين روسيا وإيران. هذا يضع حدًا لتفاؤل إدارة «أوباما» بتعديل طهران لسلوكها في المنطقة بعد إتمام الاتفاق النووي هذا الصيف. وعلى الرغم من حصول إيران على حل وسط بشأن تخصيب اليورانيوم، والتواصل المستمر بين طهران وواشنطن في الفترة الأخيرة، إلا أن إيران والولايات المتحدة لا يزالان على طرفي النقيض بخصوص أكبر الصراعات في الشرق الأوسط.
توجد نقطة واحدة مضيئة بالنسبة إلى الولايات المتحدة: وهي أن دعوة الروس لا تزال نقطة حساسة للغاية في السياسة الإيرانية، حيث قامت طهران بإلغاء الاتفاق فور حدوث ضوضاء عالية. وأكد وزير الدفاع الإيراني «حسين دهقان» للشعب الإيراني أنه لا توجد اتفاقية مكتوبة مع روسيا تضع أسس الترتيب العسكري على المدى القصير. وغضب المسؤولون الإيرانيون كثيرًا بسبب إثارة روسيا الكثير من الانتباه للتعاون الذي كان من المفترض أن يظل طي الكتمان. ويبقى أن نرى إذا كان ما حدث سيثبط من إمكانية دعوة إيران لروسيا لاستخدام جديد لمنشآتها في المستقبل. ولكن من الواضح وضوح الشمس مع ذلك، أن روسيا تستمر في استخدام الصراع السوري باعتباره وسيلة لإظهار قوتها.
ترجمة| الخليج الجديد