تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني
لکي نفهم مايدور في الحاضر، فمن المهم والضروري في أغلب الاحيان العودة الى الماضي والسعي من أجل إستقرائها بإمعان ذلك إن الحاضر هو بالنتيجة حاصل تحصيل تفاعلات الماضي وماقد تداعى ونجم عن أحداثه وتطوراته المختلفة، وإن تناول الاحداث والتداعيات التي نجمت عن حادثة قتل الشابة الکردية مهسا أميني على يد مايسمى بدوريات الارشاد، لايمکن أبدا فصلها وعزلها عن المسار والسياق العام للاحداث والتطورات الجارية في إيران منذ 43 عاما، بل إنها جميعا مترابطة ترابطا وثيقا مع بعضها.
العودة للعقد التاسع من الالفية الماضية والتي إستشف منها النظام الايراني إن الشعب صار يتضايق جدا من الاوضاع المختلفة وخصوصا من الممارسات القمعية المختلفة التي يتعرض لها بإستمرار وتوجس النظام ريبة من تطور وتفاقم تلك الحالة ولاسيما بعد أن صار المجتمع الدولي أيضا يتوجس ريبة من هذا النظام ويرى فيها خطرا على السلام والامن والاستقرار الدولي، فإن هذا النظام ومن أجل إمتصاص زخم الضغطين الداخلي والخارجي لجأ الى مسرحية"الاعتدال والاصلاح"، وإن المزاعم والشعارات الواهين والمخادعة التي طرحها الرئيس الاسبق محمد خاتمي بخصوص حوار الحضارات وإظهار النظام وکأنه داعية صلح وسلام وصاحب رسالة إنسانية يجب الاستماع إليها، کل ذلك نجح الى حد ملفت للنظر في خداع البلدان الغربية التي قامت بالتعويل على مزاعم خاتمي ولجأت طبقا لذلك الى سياسة مسايرة وإرضاء هذا النظام ولاسيما بعد أن بادرت إدارة کلينتون الى إنتهاج ماسمي حينه ب"سياسة الاحتواء المزدوج" لکل من النظامين العراقي السابق والنظام الايراني ووصل الحال من جراء الانخداع بمسرحية الاعتدال والاصلاح الکاذبة الى أن تقوم إدارة الرئيس الامريکي الاسبق بيل کلينتون بإلقاء کراتها في السلة الخرقاء لخاتمي بل وحتى إنها ومن فرط إنخداعها وإنبهارها بتلك المزاعم لجأت الى إرتکاب خطأ کبير بأن قامت بإدراج منظمة مجاهدي خلق، أهم وأقوى وأکبر فصيل إيراني معارض للنظام في قائمة المنظمات الارهابية.
مجاهدي خلق من جانبها، وحتى قبل أن يتم إدراجها ظلما في قائمة الارهاب، قد أکدت کذب وزيف مزاعم الاصلاح والاعتدال في هذا النظام وشددت على إنه لايمکن أن يتقبل أي تغيير وإن مزاعم الاصلاح والاعتدال ليست سوى لعبة مکشوفة هدفها المحافظة على النظام وضمان بقائه وإستمراره ودعت ليس الشعب الايراني فقط بل وحتى العالم الى عدم تصديق مزاعم النظام الايراني بهذا الصدد وإنه ليس هناك من فرق بين جناح الاعتدال والاصلاح المزعوم وبين جناح خامنئي المتشدد بل إنهما وجهان لعملة واحدة.
مايجب الاشارة إليه وأخذه بنظر الاعتبار، هو إن النظام الايراني وخلال عهد خاتمي تحديدا بدأ بالشروع ببرنامجه النووي، ولکن مضت ولايتين لخاتمي من دون أن يجري أي تغيير يذکر في النظام ولم يتم لمس أي إعتدال أو إجراء أية برامج إصلاحية في النظام بل بقي کل شئ على حاله، والانکى إن حسن روحاني الذي جاء بعد أحمدي نجاد، بعد أن حدث في عهد الاخير إنتفاضة 2009، التي عصفت بالنظام خصوصا وإن أحمدي نجاد کان مقربا من خامنئي وحتى إنه"أي خامنئي"سانده ودعمه الى أبعد حد، حسن روحاني، کان أيضا من دعاة الاعتدال والاصلاح المزعوم، ولکنه وخلال ولايتين متتابعتين له جرت خلالهما أحداثا وتطورات عاصفة کانت أبرزها تزايد التحرکات الاحتجاجية بوتائر متصادعة واسفرت في النتيجة عن إندلاع إنتفاضتي 28 ديسمبر2017 و15 نوفمبر2019، وکلاهما حدثتا خلال عهد روحاني، حيث ردد فيها المنتفضون الى جانب شعارات"الموت لخامنئي" و"الموت للديکتاتور"، شعار"أيها الاصلاحي أيها المتشدد، اللعبة صارت مکشوفة"، وهذا الشعار بالذات هو من صعق خامنئي قبل غيره وفضح أصل اللعبة المخادعة التي يقوم بها النظام من أجل خداع الشعب الايراني والعالم، وهذا الشعار هو الذي جعل خامنئي يشعر باليأس من مسرحية الاعتدال والاصلاح والاعتدال وإنها قد إستنفذت أغراضها وللحديث صلة.