السبت, 06 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

شريف عبد الحميد يكتب: الربيع الإيراني.. آخر أيام الملالي

آراء وأقوال - | Thu, Oct 27, 2022 4:52 PM
الزيارات: 4261
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

في كتابه "قبل السقوط"، الصادر عام 1985، توقّع المفكر الراحل د. فرج فودة سقوط نظام الملالي في إيران، وصعود الجيش كقوة بديلة ومحتملة، وأكد أن نظام الملالي الفاشستي يستغل الدين لتحقيق مكاسب سياسية، والسيطرة على الحكم، لكنه لا يمتلك برامج سياسية أو اقتصادية محددة، وهو ما سيؤدي إلى انهياره في نهاية المطاف.

وبعد 37 عامًا من صدور الكتاب، تؤكد كل الشواهد على الأرض داخل إيران، في ظل الثورة الشعبية الراهنة ضد النظام، أن هذه هي آخر أيام الملالي، وأن الحلم الكبير بتغيير إيران، وتحوّلها إلى دولة مدنية ديمقراطية متسامحة غير طائفية، تحترم مواطنيها ولا تتدخّل في شؤون جيرانها، قد حان وقته أخيرًا.

ها هم الإيرانيون يسجلون صفحات مشرقة من الانتفاضة ضد نظام الملالي الإرهابي، ويخرجون إلى الشوارع في معظم المدن الإيرانية، ضد وضع مزر خلّفته أربعة عقود من فكرة "تصدير الثورة" العقيمة، وتخصيص موارد إيران وثرواتها لصالح ميليشيات القتل والتوسع، على حساب المواطنين الذي يعيش معظمهم تحت خط الفقر.

ولهذا "الربيع الإيراني" أسبابه، فقد وصل السيل الزبى، وبلغ السخط الشعبي على هذا النظام القمعي الديكتاتوري درجة غير مسبوقة، وانفجر الوضع في البلاد إلى غير رجعة، ما يؤذن بأن نهاية النظام باتت أقرب مما يظن الكثيرون، ممن راهنوا على هزيمة إرادة الشعوب الإيرانية، وغاب عنهم أن الشعوب قد تضعف، لكنها لا تنهزم.

الانعتاق من أسر الملالي

انتقل الحراك الشعبي العارم في الداخل الإيراني، المندلع منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، من مرحلة الغليان، والتململ الصامت، إلى حالة الانفجار الشعبي العارم في الشوارع والميادين، معلنًا رغبة الشعوب الإيرانية المغلوبة على أمرها، في الانعتاق من أسر الملالي، إلى الأبد.

لم تكن الانتفاضة الراهنة، التي تتحول يومًا بعد يوم إلى ثورة شاملة، ردة فعل لحظية فقط، بل كانت تعتمل في صدور الإيرانيين كثير من الممارسات القمعية للحريات العامة، ومن ثم فهي ثورة حرية، وليست ثورة حجاب، أو ضد الحجاب، إنها التعبير الأمثل عن كل حالة الرفض للسياسات الأمنية والاقتصادية والحياتية، التي تمارسها سلطات الملالي ضد مواطنيه، وضد جيرانه في وقت معًا.

ورغم ذلك، ما زالت الماكينة الإعلامية للنظام الإيراني وأدواته وقنواته الفضائية، تطبّل للنظام، وتزعم أنه ما زال قويًا كالسابق، ولم يتأثر لا بالعقوبات، ولا بالوضع الاقتصادي، ولا بالاحتجاجات الشعبية العارمة المندلعة في إيران منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، حتى الآن.

هذا "التطبيل" المفضوح يجافي الحقيقة، وينافي الأدلة وجميع الوقائع على الأرض، فخبراء الشأن الإيراني يعرفون أنه لم يعد كما كان، بعد مرور أربعين عامًا متراكمة من الظلم والجور والطغيان والفساد، وهو الذي دعا الشعوب الإيرانية بمختف قومياتها إلى الخروج ضد النظام، مطالبة بسقوط النظام، ورافعة شعار "الموت للديكتاتور".

كما يستخدم النظام الإيراني أساليبه الدعائية لصرف الانتباه عن الاحتجاجات، وإلقاء اللوم على التدخل الأجنبي، ولكن الحقيقة أنه لم يعد قادرًا على احتواء الغضب الشعبي هذه المرة، كما فعل طوال تاريخه الممتد 43 عامًا، فلا يوجد الكثير لتقديمه، ومن الصعب تصور أي شيء سوى الإحباط المتزايد للمواطنين العاديين، والذين وصلت بهم الأمور إلى حدها الأقصى، فلا خيار أمامهم سوى إسقاط النظام.

"تسونامي" الاحتجاجات

هناك الكثير من أوجه الشبه بين النظام الحاكم في إيران و"الاتحاد السوفياتي" قبل انهياره، فكلا النظامين يمتلك أيديولوجية تسعى إلى تجاوز حدودها، وكلاهما جاء بثورة شعبية وبوعود لتحقيق العدالة، غير أن الاثنين وبعد مرور عقود من عمرهما أثبتا إخفاقهما في تحقيق ما وعدا به، فدخلا منحدرًا من فقدان المشروعية، والاستياء الشعبي البالغ، والاحتجاجات المتواصلة على الفساد والفقر وغياب حرية الرأي، ما يعني أن مصير الملالي سيكون هو نفسه مصير "الاتحاد السوفيتي" السابق، إلى مزبلة التاريخ!

وخوف النظام من سقوطه الوشيك، دفعه إلى السعي لتقديم التنازلات من خلف الستار، من أجل العودة للاتفاق النووي، على أمل أن يساعده ذلك على البقاء والاستمرار، ويبعد عنه شبح السقوط، لكن الذي يجب على هذا النظام أن يعلمه جيدا ويستوعبه، هو أنه ليس هناك ما يمكن أن يحول دون سقوطه المحتوم.

ولن يكون هذا السقوط مفاجئًا لأحد، حيث تتعرّض إيران على مدار السنوات الخمس الأخيرة إلى "تسونامي" من الاحتجاجات، بما في ذلك انتفاضات مناهضة للنظام في جميع أنحاء البلاد وآلاف الاحتجاجات الاجتماعية.

وكشف ذلك عن مدى الاستياء المتنامي والواسع النطاق من النظام، وعجزه عن تلبية حاجات شعبه الأساسية، وهو ما أسفر عن حالة انعدام استقرار دائمة بسبب الاحتجاجات الشعبية المتكررة وحملات القمع العنيفة لها.

وربما يظن البعض أن الربيع الإيراني الذي نشهده حاليًا، مجرد هبّة شعبية، سيكون مصيرها مثل غيرها من الانتفاضات السابقة، ولن تتطور إلى أكثر من ذلك، خصوصًا أن لدى النظام الإيراني خبرة كبيرة بأساليب القمع الدموي.

ولكن الحقيقة أنه مهما تجاهلت الأنظمة المستبدة إرادة شعوبها، فلا بد أن تجد نفسها يومًا ما وجها لوجه، أمام سيل عارم من انتفاضات هذه الشعوب التي استحكمت داخلها شرارة الغضب، فقرّرت في لحظة المُضيّ حتى آخر الشوط. وإذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر.

وتطرح موجة الاحتجاجات هذه المرة، ومنذ بداياتها منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، تحديات أمنية وسياسية غير مسبوقة أمام النظام، وأمام مفهوم الجمهورية الإيرانية، والمبادئ التأسيسية لهويّتها القائمة على الثورة وتصديرها، فالمسألة تتجاوز الاحتجاج على نظام سياسي، أو إدارة أو مجموعة من القادة إلى محاولة القطيعة مع فكرة الثورة وهويّتها ومؤسساتها المعبرة عنها.

غير أن منظومة الأفكار التي تتجمع حولها الجماهير الإيرانية الغاضبة، تبدو غير متماسكة، كما يقول المراقبون، فهناك من يرفض النظام لأسباب علمانية، ومنهم من يرفضه لأسباب اقتصادية، بينما يعارضه آخرون لدوافع عرقية. فإذا تم جمع هذا الشتات المتناثر في مظلة فكرية تنظيمية لها استراتيجية واحدة، فإن فرص نجاح هذه الاحتجاجات في إسقاط هذا النظام الطائفي ستكون أكبر، وسينجح الإيرانيون في تغيير تاريخهم، من جديد.

ولا جدال أن السقوط الفعلي لنظام ملالي طهران، مرهون بتطور الاحتجاجات الحالية إلى ثورة شعبية ضد هذا النظام، لكن سقوط شرعية الملالي، والتداعي الرمزي لهوية وأقنعة النظام، يحدث الآن أمام مرأى ومسمع العالم بأسره.

* رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت