بين فضيحة "إيران كونترا" عام 1985، وموقف "حزب الله" اللبناني، ذراع إيران الأولى، من قضية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية- الإسرائيلية عام 2022، هناك خيط رفيع، وهو أكذوبة "العداء الإيراني" لإسرائيل!
في ذلك العام، 1985، وفي صفقة سرية، باعت إدارة الرئيس رونالد الأمريكي الأسبق رونالد ريجان أسلحة إلى إيران التي كانت تخوض حربا مع العراق، بوساطة إسرائيلية، مقابل إطلاق سراح بعض الأمريكيين الذين كان يحتجزهم "حزب الله" في لبنان.
وفي العام الحالي، غض "حزب الله" الطرف عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، على الرغم من التهديدات النارية التي أطلقها حسن نصر الله زعيم الحزب، مرارا وتكرارا، بأن "صواريخ ومسيرات" الحزب جاهزة لضرب حقل كاريش للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، إذا ما أقدمت تل أبيب على استخراج الغاز منه، وهو ما حدث بالفعل دون أن يطلق "نصر الله" صاروخا واحدا!
ولأن "حزب الله" هو مجرد ذراع إيرانية، يتلقى أوامره من طهران، يتبين لنا حجم التناقضات بين الخطاب العدائي الرسمي للإيرانيين والإسرائيليين، وبين السياسة الفعلية التي تُمارس من وراء الكواليس، وأن الصراع المعلن بين طهران وتل أبيب في منطقتنا، إنما هو صراع على الهيمنة، وليس صراعا على الوجود، كما يحاولان تصويره للرأي العام العربي.
ويعتبر الكثيرون في لبنان اليوم، اتفاقية الحدود نوعا من "التطبيع" مع إسرائيل، غير أن "حزب الله" لا يراها كذلك، ويلتزم قادته الصمت التام تجاه هذا الأمر. ولو كان ذلك قد حدث في بلد آخر غير لبنان، لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها كلاما وتصريحات عنترية، لا تسمن ولا تغني من جوع!
إن هذا هو الحاضر، الذي يؤكده ما حدث الماضي، فقد اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون بصفقات الأسلحة السرية التي تمّت مع إيران، قائلا: "إن مبيعات الأسلحة لإيران، تترك لنا نافذة مفتوحة لإمكانية إقامة علاقات ودية معها في المستقبل".
كما قال شارون أيضا في مذكراته: "شخصيا طلبت توثيق الروابط مع الشيعة والدروز، حتى أنني اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة التي منحتها إسرائيل ولو كبادرة رمزية إلى الشيعة، لم أر يوما في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد".
وهناك فارق كبير بين الدعاية العدائية الواسعة وبين المحادثات والصفقات السرية التي تُعقد بين إيران وإسرائيل، ففي أسلوب التعامل الإيراني- الإسرائيلي، الشعارات والأيديولوجيات لها استهلاك عام وشعبوي.
والمحرك الأساسي للأحداث بين الجانبين، الإيراني والإسرائيلي، يكمن في المصالح المشتركة والتنافس الإقليمي والجيوستراتيجي، وليس الأيديولوجيات والشعارات الرنانة، من قبيل "الشيطان الأصغر"، ذلك التعبير الذي يطلقه الملالي على الكيان الصهيوني علنا، بينما يتعاونون معه سرا.
وإضافة إلى ذلك، فإن الإيرانيين والإسرائيليين يعتقدون أنهما منفصلان عن المنطقة ثقافيا وسياسيا واثنيا. الإسرائيليون محاطون ببحر من العرب، والإيرانيون محاطون ببحر من المسلمين السنّة. وحسب ما يقوله المحللون الإسرائيليون: عدو النظاميّن الإيراني والإسرائيلي مشترك وواحد!
مركز الخليج للدراسات الإيرانية