أقرّت الولايات المتحدة، مؤخرًا، بفشل الإجراءات التي اتخذتها ضد إيران خلال الفترة الماضية، من أجل وقف الاعتداءات التي تشنها "أذرع طهران" في المنطقة، وآخرها هجمات الميليشيات "الحوثية" الإرهابية ضد كل من السعودية والإمارات.
وفي فبراير/شباط 2022، قال مستشار وزارة الخارجية الأمريكي ديريك شوليه، إن بلاده لديها "شراكات صلبة" في منطقة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن إيران عملت على تقويض أمن حلفاء واشنطن، وأن اعتداءات إيران على هؤلاء الحلفاء زادت خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يعني أن استراتيجية الضغط الأقصى على إيران قد "أخفقت"!
وعكست تصريحات مستشار الخارجية الأمريكية اعترافًا صريحًا بصحة أحد أكبر الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة في الوقت الراهن، وهي الانتقادات المتعلقة بأن واشنطن تتعاطى باستراتيجية "غير فاعلة" مع إرهاب الأذرع الإيرانية على الأرض.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قد اعتذر لولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد، في شهر مارس/آذار الماضي، عن الرد الأمريكي "البطيء" على هجمات حوثية إرهابية ضد الإمارات ارتُكبت في مطلع العام الحالي.
العصابات الشيعية المسلحة
يمثّل النظام الإيراني، منذ عدة عقود وحتى هذه اللحظة، أحد أهم التحديات التي تواجه البلدان العربية، وذلك من خلال إنشاء تنظيمات طائفية مسلحة، تعبث بالأمن القومي في أكثر من بلد عربي، من العراق إلى سوريا، ومن لبنان إلى اليمن، ناهيك عن استهداف الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وتبرهن الأحداث الأخيرة على أن النظام الإيراني لن يتخلى عن مخططاته التخريبية وأعماله المشينة المتمثلة في افتعال الحروب، وتغذية الطائفية، وبث الفرقة بين الشعوب، لتنفيذ أجنداته لزعزعة أمن واستقرار المنطقة وإقلاق سكينة شعوبها، التي تدرك اليوم أن النظام الإيراني لا يمكن له مطلقًا التعايش مع الدول الساعية إلى تحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط.
ويعكس هذا السلوك العدواني المستديم لنظام الملالي الحاكم في طهران، الأيديولوجية التي يقوم عليها النظام، من تبني الأفكار والكيانات الإرهابية والميليشيات الخارجة عن القوانين والشرعية والإنسانية كافة، في اعتقاد راسخ وإيمان شامل من الملالي بأن هذه المنهجية هي سبيل إيران لتحقيق أجنداتها التوسعية المشبوهة في المنطقة العربية، وأن زعزعة الأمن والاستقرار وممارسة الاعتداءات الممنهجة ضد مفاصل حيوية في المنطقة، سيمكنها من تحقيق مستهدفاتها التي بات خطرها واضحًا أكثر من أي وقت مضى، أمام أعين الرأي العام العربي والدولي.
ومن المسلّم به أن السلوك الإيراني الذي يبتغي هذا النظام الإرهابي من ورائه زعزعة أمن واستقرار المنطقة، عن طريق دعم وتسليح وتجنيد الكيانات الإرهابية والميليشيات الخارجة عن القانون، بات خطرًا محدقًا يصل تهديده إلى أبعد الآفاق.
ولا جدال أن المعركة التي وجد السوريون أنفسهم يخوضونها على أنقاض مدنهم، يجب أن تعود إلى أصلها. والعراقيون الذين وجدوا بلادهم غارقة بالجريمة والفساد يمكنهم أن يواصلوا كفاحهم ضد العصابات الشيعية المسلحة، واللبنانيون الذين يدفعون من لقمة عيشهم ثمن هيمنة العصابة على بلادهم، أولى بهم أن يقاطعوا كتلة الولاء لإيران، وأن يتجاوزوها في كل سعي لإعادة بناء اقتصادهم، لأنهم إن لم يفعلوا دارت عليهم الدوائر ذاتها، ولو بعد حين.
ويؤكد المراقبون أن مشكلة الدول الكبرى تتمثل في أنها لا تتعامل بحزم كاف ضد أذرع إيران العسكرية والارهابية في المنطقة، سواء كانت هذه المليشيات الموالية لإيران موجودة في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان، بل يتعاملون معها كأطراف سياسية معترف بها كأمر واقع في هذه الدول، فقط تحركوا ضد "حزب الله" اللبناني، مثلما حدث في بريطانيا وألمانيا وبعض الدول الأوروبية، ولكن هذا لم ينطبق على اتخاذهم إجراءات صارمة مماثلة ضد جماعة "الحوثي" في اليمن مثلًا، ولم يتخذوا إجراءات رادعة ضد الميليشيات الإرهابية المسلحة الموالية لإيران في العراق وسوريا، حيث يتمتع زعماء هذه الميليشيات بحرية الحركة وعقد الصفقات التجارية مع شركات تعمل في أوروبا، ولديهم أرصدة مالية ضخمة في البنوك العالمية.
وكلما تخاذلت الدول الكبرى عن مواجهة هذه الميليشيات المسلحة الموالية لإيران في المنطقة، ازداد عنفهم وإرهابهم البشع حتى يصل إلى الأراضي الأوروبية ذاتها، وليس المنطقة فقط. ذلك أن أذرع إيران أخطر من إيران نفسها على الأمن والاستقرار في العالم أجمع.
"أفيون" الطائفية والمذهبية
يشير المحللون إلى أن استمرار إيران في دعم "الحوثيين" في اليمن، و"حزب الله" في لبنان، و"الحشد الشعبي" في العراق، يعد سعيًا مكشوفًا لتحويلها إلى "جيوش" تحركها متى شاءت، ليس لمصلحة هذه الدول التي ابتليت بهذه الأذرع الإرهابية، وإنما لاستهداف الدول المجاورة لها، ومحاولة زعزعة أمنها واستقرارها، وهو ما يستوجب من هذه الدول الوقوف في وجه النظام الإيراني، ومواجهة هذه الأذرع التي تعمل خارج سيطرتها بشكل حاسم.
ولقد ظنت التنظيمات الإرهابية التي تدور في فلك ملالي إيران لسنوات، أنها نجحت في تخدير شعوبها بأفيون الطائفية والمذهبية، وألهتها بالصراعات السياسية والاقتتال الداخلي والشعارات الجوفاء، لكن ما شهدته ولا تزال عواصم عربية تبجحت طهران بالسيطرة عليها كبغداد وبيروت من حراك شعبي حاشد، ورافض لإيران وأدواتها وأصنامها السياسية والدينية، أكد بما لا يدعو للشك، أن تلك الشعوب شبت عن الطوق، وأصبحت أكثر توقًا للتخلص من ضلالات تلك الميليشيات الطائفية، التي ظلت تقتات على أوجاع شعوبها المغلوبة على أمرها.
وحال فشل "مفاوضات فيينا" بشأن البرنامج النووي الإيراني، كما هو واضح للعيان، فمن المتوقع أن تزيد الميليشيات الشيعية في المنطقة أنشطتها التخريبية، مع زيادة الضغط الاقتصادي على إيران، ومن السذاجة الاعتقاد بأن سلوك إيران في المنطقة سوف يتغير بدون القضاء على أذرعها نهائيًا.
وبات من الضروري تسليط الضوء على دور إيران وأذرعها تاريخيًا، وكشف ما تقوم به من دور عبثي في تاريخ المنطقة العربية، بالإضافة إلى تسليط الضوء الإعلامي على التلاعب في التاريخ والوجود الإيراني في المنطقة برمتها.
وفي هذا الصدد، ينبغي وضع العراق ضمن دائرة اهتمام دول الخليج في المنطقة العربية، وألا يُترك ساحة تعبث بها إيران، خاصة أن طهران تعتمد على "الخلايا النائمة" في الدول الخليجية، سواء في الجوانب السياسية أو الفكرية أو الأمنية، وهو ما يستوجب مواجهتها بحزم لقطع الطريق عليها.
وإن "أذرع الشر" الإيرانية لن تُقطع على وجه الحقيقة ما لم تُقطع شجرتها. إنها من أصل الجحيم. وإذا كان "الولي الفقيه" وأتباعه يسقونها بدماء الإيرانيين وآلامهم وفقرهم وانهيار اقتصادهم وفشل مؤسسات بلادهم، فإن قطعها هو عمل الخير الوحيد الذي يمكن عمله، لأنفسنا وللإيرانيين.
ولذلك كله، علينا الاستعداد لمعركة طويلة مع "أذرع الشر" الإيرانية، فهي السبيل الوحيد المتاح حاليًا، في ظل تخلي الدول الكبرى عن هذه المهمة العاجلة، وهذا كل ما بقي لنا في مواجهة نزعات عدوان الملالي. وكلما زاد نظام "الولي السفيه" من سفاهته في التهديد، كان ذلك أفضل. خير لنا أن تكشف إيران عن طبائعها الحقيقية، من أن تخادعنا بغيرها. خير لنا أن نرى منها كل شر، لأنها لن تفعل سوى أن ترفع قدرتنا على بناء المناعة الاقتصادية والسياسية والعسكرية اللازمة، استعدادا للمعركة الكبرى المقبلة.