"عمل المحامين في إيران خطير جدا"
شيرين عبادي محامية إيرانية مدافعة عن حقوق الإنسان
ليس مهما عدد الجياع في إيران عند علي خامنئي. كما لا قيمة لمسألة الفقر المتفاقمة في هذا البلد. وطالما أن النظام الجاثم على صدور الإيرانيين يسيطر على الشعب، وقادر على منع أي ثورة أو انتفاضة ضده، فلا معنى لأي شيء آخر. حدث قبل عدة سنوات أن انتفض الإيرانيون، لكن الآلة القمعية لنظام الملالي انتصرت في النهاية. قتلت من استهدفته، وزجت من أرادت في السجون والمعتقلات دون محاكمات. هذه هي النتيجة الطبيعية في بلد وضع استراتيجية سرية (أو غير معلنة) لبلاده تقوم على ضرورة عدم الاستقرار في أي مرحلة كانت، والإبقاء على حالة من الحراك هدفها التأكيد على أن أهداف "الثورة" الإيرانية لم تتحقق بعد، وأنه يجب على الإيرانيين تقديم مزيد من التضحيات من أجل تحقيقها.
المشكلة التي يواجهها الإيرانيون، أن أهداف هذه "الثورة"، لا علاقة لها بالشأن الداخلي الإيراني، بل بكل الشؤون التي تخص الخارج، ولاسيما بعض بلدان المنطقة. فقد وجد الإيرانيون أنفسهم يدفعون فواتير لسلع لم يشتروها أصلا، ولم تكن في حساباتهم. لكن هذا ليس مهما أيضا. عليك (كإيراني) أن تسهم في دفع عجلة "الثورة" بصرف النظر عن ساحاتها، ويجب أن تثبت ولاءك لها بأي صورة مقنعة للسلطات. والأمر لا يتوقف عند الجانب الاقتصادي فحسب، بل يشمل الجانب العسكري بتجنيد إيرانيين كمرتزقة للقتال في بلدان أخرى (كسورية والعراق ولبنان واليمن وغيرها). لحماية "الثورة" الإيرانية، ينبغي أن تمارس كل أنواع القتل الممكن وغير الممكن بصرف النظر عن الأهداف. تقتل وتقتل.
الأعباء المالية لمخططات النظام الإيراني التخريبية في المنطقة، بدأت تظهر بوضوح على الساحة المحلية عبر اتساع رقعة الجياع من الإيرانيين داخل بلادهم. حتى اليوم يمنع نظام علي خامنئي تناول هذا الموضوع عبر وسائل الإعلام المحلية، على اعتبار أنه يقلل من همة المواطنين في ترسيخ استراتيجية النظام الخارجية. غير أن توسع هذه الرقعة جعل من المستحيل على أي مسؤول، مهما كان منافقا ومتملقا لخامنئي تجاهل عددها وآثارها ضمن المجتمع الإيراني.
وكان مساعد وزير الصحة على أكبر سياري شجاعا بما يكفي فعلا، عندما قال بصفته الرسمية إن "في الوقت الحاضر هناك 30 في المائة من الإيرانيين جياع، ولا يملكون خبزا يابسا للأكل". علما أن مسؤولين آخرين سربوا قبل ذلك بعض المعلومات عن إحصاءات سرية وردت في تقارير للوزارة عن التهديدات الاجتماعية المحتملة من جراء الوضع المعيشي الراهن لهذا العدد الهائل من الإيرانيين.
ويرى المسؤولون الواقعيون في إيران، أن التهديدات الاجتماعية صارت أزمة خطيرة، ولا سيما مع تعاظم حجم الشريحة التي تعيش على الهامش. مساعد وزير الصحة يقدر نسبة الذي يعانون التهميش في البلاد بأكثر من 25 في المائة، أي ربع إجمالي عدد السكان! ومن أكثر المعلومات فداحة، أن المسؤول الإيراني نفسه أعلن رسميا (مرة أخرى) أن ثلث الإيرانيين، ليسوا جياعا فحسب، بل إنهم لا يملكون خبزا يابسا لأكله! وتحدث بصراحة عن غياب العدالة. بالطبع كلام المسؤول لا يشكل خبرا لمن يتابع التطورات الداخلية في إيران. لكن أهميته، تكمن في خروج بعض المسؤولين عن الخطوط الحمراء التي وضعها لهم خامنئي، وعلى رأسها عدم تداول الأرقام الحقيقية لبؤس الإيرانيين. والسبب واضح، لا تتحمل البلاد موجة اضطرابات جديدة.
الأمر لا يتوقف عند عدد الجياع في إيران، بل يشمل بالطبع تصاعد أرقام البطالة، إلى جانب تزايد أعداد الذين يعيشون في العشوائيات، ويقدر هؤلاء بأكثر من عشرة ملايين نسمة! وهذا الرقم أُعلن أيضا من قبل وكيل وزارة الداخلية الإيرانية، مرتضى مير باقري. أي من جهة رسمية لا علاقة للمعارضة الإيرانية به. بات واضحا أن شريحة من المسؤولين في إيران لم تستطع كتم الحقيقة إلى ما لا نهاية. ولذلك فإن الأصوات المكتومة التي تحولت إلى خافتة، أصبحت اليوم جهورية، لا تمرر الأرقام الحقيقية فحسب، بل تتحدث أيضا عن الأموال التي تذهب لتمويل استراتيجية العدوان الإيرانية في غير بلد في المنطقة، وتطرح بصوت مسموع أحقية الشعب الإيراني بهذه الأموال، خصوصا بعدما ثبت على الأرض أن التخريب الإيراني وإن حقق بعض أهدافه، إلا أنه لا أمل له في الاستدامة.
عشرة مليارات دولار ذهبت من خامنئي لسفاح سورية بشار الأسد خلال السنوات الخمس من عمر الثورة الشعبية السورية. ومئات الملايين من الدولارات تذهب إلى عصابات الحوثيين في اليمن من أجل تدمير الشرعية، ناهيك عن الأموال التي تورد للمرتزقة في العراق من سياسيين وغيرهم. ومثلها لحزب الله اللبناني ــ الإيراني الإرهابي. وأموال هنا وهناك لعصابات موالية لنظام الملالي في البحرين والكويت والسعودية.
كلها أموال سرقت في الواقع من الشعب الإيراني، الذي يتصدر قائمة ضحايا هذا النظام. ماذا كانت النتيجة؟ جياع بلا خبز يابس، وعاطلون بلا أمل في العمل، وساكنون في عشوائيات غير آدمية. هذا هو المشهد الحقيقي في إيران.
الاقتصادية السعودية