الجمعة, 12 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

مشروع إيران الاستعماري.. متى يتوقف؟

آراء وأقوال - شريف عبد الحميد* | Fri, Oct 8, 2021 9:18 PM
الزيارات: 404
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

<< مشروع الملالي التوسعي بلغ مدى خطيرًا في المنطقة العربية لم تبلغه القوى الاستعمارية القديمة

<< الجسارة الإيرانية العلنية للتدخل في شؤون الأمة لن تتوقف طالما ظل «التشتت العربي» قائمًا

<< «فورين بوليسي»: لابد أن ندرك مدى خطورة هذه الطموحات الإمبريالية الإيرانية على العالم العربي

<< ليس في الإمكان مواجهة مشروع صفوي يعادي الأمة العربية وشعوبها إلاّ بـ «مشروع مضاد»

 

بلغ «المشروع الاستعماري الإيراني» الذي يستهدف الدول العربية مدى خطيرًا، خلال الأعوام الأخيرة، لم تبلغه القوى الاستعمارية القديمة يومًا ما، بحيث بات هذا المشروع خطرًا داهمًا يهدد مقدرات الأمة برمتها، بعد أن أصبح ملالي إيران يتحكمون في قرارات بعض الدول العربية التي لا تمتلك قرارها، بل تُحكم من طهران مباشرة.

وفي مقابل هذه الاستراتيجية الاستعمارية الإيرانية، كان العالم العربي - وما يزال- يعاني من تفكك، واختلاف عميق في نظرته لقضاياه الجوهرية، فمساحة خلافاته الضيقة تغلبت على مساحة مصالحه المشتركة، فلم يتمكن من خلق رؤية سياسية موحدة، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السعودي الأسبق الراحل سعود الفيصل، ذات يوم بأنه نوع من «الخواء الاستراتيجي»!

والمتتبع للأزمات الإقليمية، يتبيّن أنها تكشف بوضوح عن أبعاد المشروع الإيراني الذي يستهدف تحقيق الهيمنة على مفاصل الأمن الإقليمي، بعيدًا عن الالتزام بمتطلبات حسن الجوار التي تضمنتها المواثيق والقوانين الدولية كافة، وهو ما يعني - بجلاء- أن بقاء المنطقة في دوامة عدم الاستقرار الذي يعود إلى النزعة التوسعية الإيرانية، ونشر التأزم المذهبي داخل المجتمعات العربية وبين الدول، وزيادة سطوة الميليشيات الشيعية المسلحة، أصبح أمرًا لا يمكن السكوت عليه، أو تأجيله، بل يجب مواجهته الآن بكل قوة.

استعمار بغطاء ديني

تدخل إيران في شؤون الوطن العربي ليس بجديد، وإن تعاظم بشدة خلال العقود الماضية، لكن بدايته كانت مع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 اعتمادًا على توجيهات وأفكار مؤسس النظام الإيراني موسوي الخميني، الذي قال عقب الإطاحة بنظام الشاه: «إن أول درس تعلمناه من الثورة الإسلامية هو أن علينا أن تكون نظرتنا أبعد من الشعب الإيراني لكي تصل إلى الأمة الإسلامية.. نأمل أن تكون الثورة هي الومضة التي تحدث انفجارًا عظيمًا في أوساط الشعوب التي تقبع تحت الظلم»!

وهكذا، بدأ التدخل الإيراني في المنطقة العربية مبكرًا، فعقب ثورة الخميني بأشهر قليلة كانت المنطقة على موعد مع تأسيس «حزب الله» اللبناني في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كجزء من جهد إيراني لتجميع مجموعة متنوعة من الجماعات الشيعية اللبنانية المسلحة تحت سقف واحد، على أن تكون مهمة الحزب هي العمل «كوكيل لإيران" في المنطقة، بهدف تصدير الإرهاب وزرع الخلايا النائمة، وضرب الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدول العربية، وصولًا إلى التدخل عسكريًا ضد الشعوب العربية المغلوبة على أمرها.

والراصد لأداء النظام الإيراني وعلاقته بالمنطقة العربية، يجد أن لديه تصورًا وبرنامجًا وخطة عمل للدخول والانتشار في دول المنطقة، من خلال فكرة «تصدير الثورة» ونشر الفكر الشيعي، ليس حبًا في المبدأ الشيعي، ولكن كوسيلة لاختراق المجتمعات العربية، من خلال انتهاج آليات وأساليب متعددة ومختلفة، انطلاقًا من مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، ومنها نشر الإرهاب الدموي والبلبلة والتفكك الاجتماعي والسياسي، ومحاولة الاستحواذ على بعض الفعاليات الاقتصادية في بعض الدول العربية، وبالذات البلدان الخليجية ودول شمال أفريقيا.

وثمة عدة عوامل ومعطيات عززت تنامي التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، ومنها غياب استراتيجية عربية موحدة لمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة، مع غياب القوة المركزية فكريًا وماديًا، واعتماد الجانب العربي في مواجهة التهديدات الإيرانية على ردود الفعل الآنية، وضعف وجود المؤسسات المتخصصة في المجالات التي تنشط بها المؤسسات المدعومة إيرانيًا.

إن التدخل الإيراني ليس عبثيًا، وإنما هو تدخل مدروس واستراتيجي، ومعلوم من القوى الإقليمية والدولية، وسبق لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أن قالت «إن إيران تتصرف كقوة إقليمية إمبريالية بأيديولوجيا شيعية، موجودة في الحامض النووي الوطني والتوقعات الثقافية الإيرانية، ولابد أن ندرك تمام الإدراك مدى خطورة هذه الطموحات الإمبريالية الإيرانية على العالم العربي».

وقد لا نبالغ إذا قلنا إن إيران هي أكثر دولة على مر التاريخ، سعت إلى التدخل في شؤون المنطقة، الأمر الذي قاد إلى قدر أكبر من التأزم في الشؤون الإقليمية، وأسهم في اتساع دائرة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وسلكت في تنفيذ استراتيجيتها العبثية والتوسعية طرقًا شتى، من التدخل المباشر في شؤون بعض الدول العربية إلى خلق الميليشيات وفق أسس مذهبية، وزرع الخلايا النائمة في بعض الدول للنيل من استقرارها عند الحاجة، وانتهاءً بتهديدها للسلم والأمن الإقليمي من خلال برنامجها النووي وتطوير قدراتها في مجال الصواريخ الباليستية.

مشروع عربي مضاد

لا جدال أن الجسارة الإيرانية العلنية للتدخل في شؤون الأمة لن تتوقف، طالما ظل التشتت العربي قائمًا، وحالة اللامبالاة من غالبية دول المجتمع الدولي تجاه ما يجري، وبالتالي فإن هذه الجرأة الإيرانية لم تأت من فراغ، وإنما جاءت كذلك كنتيجة طبيعية لغياب الدور العربي الواضح في الوقوف مع تطلعات الشعوب العربية المظلومة في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان، والقائمة على ضرورة بناء دولة المواطنة بعيدًا عن أنظمة الإرهاب الرسمي المدعومة من طهران علنًا.

لذلك، فإن ثمة حاجة ماسة إلى مواجهة هذا «المشروع الاستعماري»، ووضع استراتيجية فعالة لاحتواء الخطر الإيراني، تسخّر فيها الإمكانيات المتاحة كافة لمجابهة نظام الملالي، بما يتطلّبه ذلك من بناء تحالفات وتوظيف أمثل لجميع الموارد، وصوغ خطط بديلة لكل الاحتمالات الممكنة، ما من شأنه استعادة القرار السياسي في العواصم العربية المحتلة فعليًا، ومنع إيران من تحقيق المزيد من المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية على الأرض.

وليس في الإمكان مواجهة «مشروع صفوي» يعادي الأمة العربية وشعوبها وأقطارها إلا بمشروع مضاد، يحمل الأبعاد الاستراتيجية الأكثر عمقًا، وتصنعه عقول المفكرين، ويدعمه الحكام، وتقويه الشعوب، ودون ذلك ستظل المشاريع المعادية للأمة تتوالى في تحقيق نجاحاتها والوصول إلى ما تصبو إليه.

وهذا المشروع المضاد لمخططات إيران التي تستهدف المنطقة، يجب توفيره عاجلًا وليس آجلًا، خاصة أن كل الظروف صارت مهيأة الآن لذلك، فهناك رفض شعبي للتمدد الإيراني في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، بعد أن أثبتت تجارب هذه الدول أن ملالي طهران لا يريدون خيرًا بشعوبها، بل إنهم صبوا الزيت على النار، وأشعلوا حروبًا أهلية، وهدموا دولًا كانت مستقرة وراسخة منذ عشرات السنين.

إن دعم حالة الرفض الشعبي المُطلق للمشروع الإيراني التخريبي في الوطن العربي، بشكل عام، واجب على جميع أبناء الأمة العربية إن أرادوا الانتصار لعروبتهم وكرامتهم، والمحافظة على أمنهم وسلمهم الاجتماعي، وتعزيز استقرارهم السياسي.

ولا تملك الأمة العربية رفاهية الانتظار لكي تضع الخطط اللازمة لمواجهة «المشروع الاستعماري الإيراني»، بل ينبغي البدء من الآن، وعبر توسيع دائرة التعاون في المحافل الدولية لكشف هذا المشروع، ووضع حد فوري لممارسات طهران التوسعية.

كما لا يمكن للأمة الاعتماد على الولايات المتحدة لمواجهة إيران، فقد أكدت أحداث التاريخ أنه لابد للعرب من الاعتماد على أنفسهم، وأن انتظار ما تفعله هذه الإدارة الأمريكية أو تلك ليس في مصلحة أمتنا، فلا يحكّ جلدك مثل ظفرك، وربما تتغير علاقة واشنطن وطهران بين عشية وضحاها، ويُترك العرب وحدهم في موجهة التغول الإيراني.

* رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت