كل عائلة سورية تفرّ من بلادها تتحمل إيران ومعها "حزب الله" ومن يناصرهما من أحزاب التشيع السياسي جزءاً كبيراً من الإثم والمسؤولية المدنية وخيانة الضمير .وكل طفل سوري يتعرض للغرق أو يبكي لفقدان والديه أو لضياعه وسط الزحام والتدافع، أو في البراري أو على صخور السواحل، وكل زوجة تفقد زوجها وأبناءها، وكل من يفقد ما يملك وما لا يملك بين كل هؤلاء الفارين والمطرودين المهاجرين، كل هذه الحالات، وهي بالآلاف، جرح غائر في كل ضمير حي بين الشيعة، ولطمة مؤلمة لكل تراث الشيعة في البكاء والتباكي على ما جرى للإمام الحسين وأهل بيته! إذا لم يسمع أحد صوت استنكار واعتراض، فمسؤولية الشيعة عما جرى ويجري في سورية منذ نحو أربع سنوات ثقيلة جداً، ستنوء بها أجيال قادمة، وسيحاسب عليها الأحفاد، وإذا انقلبت الأحوال والموازين، وهذا حال الدنيا وبخاصة العالم العربي، فلا يعلم أحد كيف سيكون الحساب، ومن سيكون الضحية، ومن سيجد هذه التركة الثقيلة والمسؤولية الجسيمة مرسومة على باب داره!
ما يثير الغضب حقاً، أن لا "جمهورية إيران الإسلامية" ولا "حزب الله" ولا شيعة العالم العربي، تعرضوا لأخطار وتهديدات جسيمة تبرر هذه "الفزعة الطائفية" وهذا التدخل في الشأن السوري، كما لم تُمس مصالح شيعة إيران أو لبنان بشكل يدعو إلى هذا التدخل الذي لا نهاية له، ولا أفق يلوح بين دخان حربه الطاحنة، وبخاصة بعد أن انقلبت الثورة إلى حرب أهلية دامية، وإلى مسح مدن وقتل جماعي للأبرياء، وفرار مئات الآلاف من الرجال والشيوخ والمقعدين والنساء والأطفال الرضع والحوامل والفتيات المعرضات للاعتداء والاغتصاب، وبعد أن هُدمت المنازل وغدت الممتلكات رماداً في تلك الأرض اليباب.. فلماذا إشراك الشيعة في هذه الجرائم؟ ولماذا زرع هذه الكراهية بين الإيرانيين والسوريين؟
إن شهر محرم وذكرى عاشوراء على الأبواب، وكل العقلاء يدركون جيداً أنه لم يسئ جيل من الناس لتراث الشيعة ولطقوس عاشوراء، مثل هذا الجمع الذي نراه يناصر الظلم في الشام ويبرر التعبئة المذهبية وتصدير الثورة إلى كل مكان، وهم الذين زعموا أنهم مع المستضعفين وضد الظلم وضد الاستبداد وضد "الخليفة" والحاكم الأب الذي فرض ابنه حاكما وخليفة بالتهديد، وقمع كل المعارضين. لا يرى الجمع بالأمر بأساً اليوم، في الوقت نفسه الذي يفتخرون فيه برفضهم الظلم، وينادون بالثورة على الطواغيت والظالمين، ويرفعون شعار "هيهات منا الذلة"!
وها هم يناصرون من يقف ضد إرادة الشعب السوري وحقه في انتخابات حرة، وهم الذين ثاروا وانتفضوا في إيران والعراق ورفضوا الخضوع للنظام هناك وحزبه وأجهزة استخباراته، وها هم اليوم ضد من يثور على جرائم ومظالم، يعد كل ما فعله "جهاز السافاك" بالإيرانيين أقل منها بكثير!
رغم كل هذا باستطاعة عقلاء إيران ولبنان وعموم ذوي الضمائر الحية، والشاعرين بالمسؤولية الإنسانية من شيعة الخليج أن يفعلوا أو يقولوا أو يكتبوا على الأقل شيئاً!! يمكن للشيعة بمن فيهم من رجال دين واقتصاد وقانون وأكاديميين وصحافة وسياسة أن يضغطوا على إيران وأن ينبهوا الناس إلى ضرورة معارضة هذه السياسة التدخلية التي دمرت مصالح إيران في العالم العربي، والتي تهدد الشيعة خاصة بأوخم العواقب، ويمكن للشيعة كذلك أن يشعروا "حزب الله" بضرورة عودته إلى وعيه وإلى مصالحه وقواعده اللبنانية، وينشغل بتحسين أحوال شيعة وشعب لبنان والمساهمة في استقرار دولته.
لبنان الذي جمع كل المذاهب والأديان وظهرت فيه كل كتب ومؤلفات الشيعة والسنة! حزب الله الذي حظي ذات يوم بتعاطف ملايين الناس من المغرب إلى الكويت، ومن تركيا إلى اليمن، هو اليوم مجرد أداة بطش في حرب ظالمة ضد شعب يستغيث، وسط بلاد محطمة!
إن تشجيع إيران على تدخلها في سورية جريمة مماثلة للتدخل نفسه، ولو كانت تشعر أن الرأي العام الشيعي مجمع على استنكار هذا التدخل لترددت في ارتكاب الجريمة.
إن إيران وحرسها الثوري، الذي لا يحاسبه أحد، يتصرفان وكأن الأحوال لن تتبدل والمحاسبة لن تقع والمسؤولية لن تحاصرهم ذات يوم، وذلك اليوم آت.
جاء في بعض كتب التاريخ الإسلامي "لما استقام العراق لعبد الملك بن مروان قال عبدالملك بن عمير الليثي: دخلت قصر الإمارة بالكوفة، وعبد الملك بن مروان قاعد في الإيوان على سريره، وبين يديه ترس عليه رأس مصعب بن الزبير، فتبسمت، فقال: مم تبسمت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين! أتيت عبيد الله بن زياد في هذا الإيوان بين يديه رأس الحسين بن علي، ثم رأيت المختار وبين يديه رأس عبيد الله بن زياد في هذا الإيوان، ثم أتيت مصعب بن الزبير في هذا الإيوان وبين يديه رأس المختار بن أبي عبيد، ثم أراك وبين يديك رأس مصعب، فقام عبدالملك فزعاً، وأمر بهدم الإيوان فهُدم". ( كشكول نشأت، صادق نشأت، القاهرة ، ص 120- عن كتاب الب دء والتاريخ).
الجميع بحاجة لأن يسمع صوت احتجاج واعتراض المراجع المذهبية وشيوخ الدين الشيعة، ورجال القانون والبرلمانيين ورجال الأعمال وشخصيات المجتمع الجامعيين والكُتاب وعامة الناس من الوسط الشيعي.
لا يحق لإيران ولا لحزب الله ولا لأي حزب من تنظيمات التشيع السياسي تقديم عموم الشيعة قرابين لمغامراتها في ساحة الكراهية الطائفية والحقد المذهبي المتراكم والانتقام السياسي الذي قد ينفجر في أي مكان، فالتهجم اليوم بالكلام وداخل الإنترنت و"تويتر"، ولكن الحرب أولها كلام.
-------------------------------
ملاحظة... الكاتب كويتي شيعي وكتب هذا المقال لنظرته البعيدة لتطور الامور وانقلاب الاحوال من حال الى حال لذلك يبذل النصح بصراحة للشيعة لمراجعة موقفهم و يحذرهم أن النظام الايراني يرتكب اكبر جريمة بحق سوريا وبحق شيعة العالم.