تهتز الأبواب الجنوبية للعاصمة السورية دمشق من جديد، بعد ضربات جوية إسرائيلية استهدفت عدة مواقع عسكرية لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية، مساء الأربعاء، في حدث بات اعتياديا وتتصدره نشرات الأخبار بين اليوم والآخر، وبينما يغيب أي تعليق رسمي من جانب إسرائيل تذهب الرواية الرسمية للنظام السوري في مسار واحد وهو الإعلان عن "التصدي لجميع الضربات من خلال المضادات الأرضية".
وعلى اعتبار أن القصف الإسرائيلي بات كثيرا في الآونة الأخيرة والضربات الجوية لا تحصى، إلا أن اللافت أنها تتركز بشكل أساسي على المواقع العسكرية المحيطة بالعاصمة دمشق، ما يطرح تساؤلات عن حجم النفوذ الإيراني في المناطق المستهدفة، وخاصة في محيط مدينة الكسوة، التي تحيط بها الثكنات العسكرية من كل جانب، وتحولت مؤخرا إلى هدف مفضل لإسرائيل، لا يمكن أن تمر الأيام إلا وأن تستهدفها.
وفي آخر التصريحات الإسرائيلية المتعلقة بسوريا والوجود الإيراني فيها، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هيداي زيلبرمان، إن بلاده لن تتوقف عن ضرب إيران في سورية، ومنعها من التموضع من جهة، ومن تمرير الأسلحة والتقنيات المتطورة لحزب الله في لبنان من الجهة الأخرى".
وكشف زيلبرمان عن عدد الضربات التي استهدفت مواقع لنظام الأسد وإيران في سوريا، مضيفا: "أطلقت إسرائيل أكثر من 500 قذيفة وصاروخ ذكي خلال العام المنصرم (2020) ولم تتلق أي رد أو هجوم يذكر".
رصد قبل الاستهداف
الباحث في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان يقول في تصريحات لموقع "الحرة" إن وحدة المعلومات في المركز الذي يعمل به رصدت إطلاق صواريخ من نوع أرض- أرض من كتيبة الصواريخ في تل إبراهيم في الجولان، وذلك مساء الأربعاء حوالي الساعة 23:10 بتوقيت سوريا.
ويضيف علوان أن الصواريخ الإسرائيلية استهدفت محطة رادار في كتيبة نجران في درعا ومحطة رادار في منطقة تل خاروف غرب بلدة الدور بريف السويداء الغربي، ومستودع أسلحة في محيط مقر قيادة "الفرقة الأولى" ضمن جبل المضيع شمال مدينة الكسوة بريف دمشق الجنوبي، مشيرا: "تم مراقبة الأجواء ومدى دقة الإصابة من قبل طيران الاستطلاع المسير الإسرائيلي".
وكانت "الفرقة الأولى" في "الجيش السوري" قد تعرضت في الأشهر السابقة لعدة ضربات جوية إسرائيلية، وخاصة في محيط مدينة الكسوة، وهي الوحدة العسكرية الأبرز التي ورد ذكرها في قائمة العقوبات الأميركية مؤخرا، في يوليو 2020، إلى جانب قائدها زهير الأسد ابن عم رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وسبق وأن تحدث عن الفرقة نائب مساعد وزير الخارجية والمبعوث الخاص إلى سوريا، جويل رايبرن بالقول إن "بعض الوحدات العسكرية طوّرت شبكات واسعة لتحويل المساعدة بعيدا عن الشعب السوري، وفرض ضرائب على جميع السلع، أي ببساطة أثرت نفسها باستغلال بؤس الشعب السوري. والفرقة الأولى هي بالتأكيد مثال رئيس على هذا النوع من السلوك".
لماذا جنوب دمشق؟
من الملاحظ، حسب الباحث السوري، وائل علوان، أن المناطق الواقعة في جنوب دمشق يتم استهدافها بشكل متكرر من قبل الطيران الإسرائيلي.
ويتابع: الطيران يرصد بشكل مستمر نقل أسلحة وذخائر لهذه المستودعات، وأيضا مراكز المراقبة والدفاع الجوي التي تستخدمها قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بشكل كامل".
وعن المحيط العسكري في مدينة الكسوة وأسباب تركيز الضربات الجوية عليه، يشير علوان إلى أن المنطقة تشهد انتشارا لمقرات محصنة كثيرة لـ"الحرس الثوري" الإيراني وبشكل كبير.
ويوضح: "صحيح أن الطيران والصواريخ الإسرائيلية استهدفت بشكل متكرر هذه المواقع، إلا أن هذه الاستهدافات لم تحقق تدميرا واسعا لها، وإنما كانت استهدافات مركزة لتدمير مستودعات أسلحة أو قواعد دفاع جوي".
ويعكف "الحرس الثوري" و "حزب الله"، حسب الباحث السوري على عدم نقل المقرات المحصنة بشكل كبير، من أجل تركها هدفا متوقعا للغارات الإسرائيلية.
ويتابع: "هنا يشرعان باستحداث مواقع جديدة أخرى يحاولان ألا تظهر عليها مظاهر تشير إلى القوات الإيرانية أو اللبنانية. يكون الظاهر أكثر تواجد عناصر وأعلام النظام فيها".
"منطقة عسكرية بامتياز"
وتعتبر الضربات الإسرائيلية على جنوب دمشق ومواقع في الجنوب السوري، مساء الأربعاء، الأولى من نوعها مع الدخول في العام الجديد 2021، واللافت أنها تأتي بعد أيام من السنوية الأولى لمقتل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني.
وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أشار إلى أن الضربات جاءت "بعد أقل من 48 ساعة لزيارة ضباط من الحرس الثوري (الإيراني) للمنطقة".
ويقول الخبير والمحلل العسكري، العقيد الركن إسماعيل أيوب، إن منطقة الكسوة من أهم المناطق الجغرافية من الناحية العسكرية لأسباب متعددة، كون محيطها يعتبر "منطقة عسكرية بامتياز".
وحدد أيوب في تصريحات لموقع "الحرة" أبرز الوحدات العسكرية التي تنتشر في محيط الكسوة، مضيفا: "في شمالها تقع الفرقة الأولى، وفي شرقها بجبل المانع يوجد لواء صواريخ أرض- أرض ومحطات رادار، محطات لاسلكية للطيران".
ويتابع الخبير العسكري المقيم في عمّان: "غرب الكسوة توجد ألوية الفرقة السابعة والتي تتداخل مع الفرقة الأولى، وإلى الغرب منها هناك اللواء 90 الممتد من جبل الشيخ حتى القنيطرة.. في جنوب الكسوة توجد الفرقة التاسعة بمدينة الصنمين داخل حدود درعا الإدارية".
إيران في التلال الحاكمة
على الرغم من "الصفة السورية الخالصة" التي يصبغها نظام الأسد بالوحدات العسكرية المنتشرة على طول الجغرافيا السورية، إلا أن الواقع على الأرض يختلف عن ذلك، فبحسب مراقبين تنتشر إيران وميليشياتها في جميع المواقع العسكرية، وكانت قد تحولت في العامين الماضيين إلى استراتيجية جديدة تقوم على إلباس عناصرها بلباس "الجيش السوري" وخاصة في الجنوب السوري، في إطار عمليات تمويه كشفتها إسرائيل وتطرق الحديث عنها، في أكثر من مرة.
ويوضح الخبير العسكري، إسماعيل أيوب، أن منطقة الكسوة ومحيطها التي تعتبر بوابة دمشق الجنوبية تعتبر منطقة هامة جدا بالنسبة لكافة القوى المؤثرة في الشأن السوري، سواء "الجيش السوري" الذي يتمركز بأربع فرق، أو بالنسبة لإيران التي توجد لها تلال حاكمة، وتحاول التمركز فيها باستمرار، لنصب أجهزة رصد ورادار واستشعار عن بعد.
ويقول أيوب: "إسرائيل تعرف أن الميليشيات الإيرانية تلبس لباس الجيش السوري وتنشئ مواقع في المنطقة، وخاصة في تلال ألوية الفرقة السابعة واللواء 90".
ومن أبرز التلال التي تنتشر فيها إيران: جبل المانع وجبل سلح الطير وتلال الحمر الغربي والشرقي، بالإضافة إلى تل الحارة وتل الشعار وتلال فاطمة، ومنطقة نبع الفوار، ووفق الخبير العسكري: "معظم هذه التلال تسيطر عليها ميليشيات إيران بلبوس جيش النظام".