قصة العالم النووي الإيراني، “شهران أميري”، الذي أكدت أسرته تسلم جثته يوم الأربعاء الماضي، ويظهر حول رقبته أثار حبل تظهر أنه شُنق، مثيرة للشك والريبة، خصوصًا حول قصة اختفائه أثناء أدائه فريضة الحج في الأراضي المقدسة بالمملكة العربية السعودية، ثم ظهوره المفاجىء في الولايات المتحدة، وإعلان وزارة الخارجية الأمريكية أنه “حر طليق” ويمكنه مغادرة البلاد في الوقت الذي يريد، ثم تواجده في مكتب رعاية المصالح الإيرانية، ونقله إلى طهران واستقباله استقبال الأبطال، من قبل كبار المسؤولين الإيرانيين، ووصفه بـ”البطل القومي”، واختفاؤه من جديد وتواتر الأخبار عن اعتقاله في أحد السجون السرية، حتى إسدال الستار على حياته بخبر شنقه.
القصة أشبه بفيلم سينمائي هوليودي، وقصة محبوكة من جميع الأطراف، بدءًا من مكان اختفائه وهو في الحج حتى عودته إلى طهران، فخبر شنقه، وهي كلها غير بعيدة عن أيدي المخابرات في الدول الثلاثة التي مر بها “شهران أميري”، والمؤكد أن المخابرات الأمريكية كان لها اليد الطولى في قصة نهاية “شهران”، بعد أن حصلت منه على ما تريده، ولم يعد لها سوى مجرد ورقة تسلمها إلى المخابرات الإيرانية، التي احتفت بعودته واستقبلته استقبال الأبطال، ويختفي بعد ذلك من عام 2010م، لتظهر جثته بعد 6 سنوات.
بيع معلومات سرية
المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين محسني اجئي، أعلن إعدام “شهرام أميري”، لافتًا إلى أن حكم الإعدام نفذ فيه لبيعه معلومات سرية للبلاد إلى أمريكا، وفي مؤتمره الصحفي الأسبوع الذي عقد أمس الأحد، قال “محسني اجئي”، إن “أميري” كان في ارتباط مع أمريكا وقد زود العدو بمعلومات حيوية للبلاد، واعتبر هذا الملف بأنه كان أحد الأمور التي انخدعت فيها أمريكا أمام إيران، وأضاف أن جهاز الاستخبارات الأمريكي خدع من إيران، وتصور بأن كل إجراءاته بعيدة عن أعين جهازنا الاستخباري الذي سيشرح تفاصيل القضية في وقته المناسب، وأوضح النائب الأول لرئيس السلطة القضائية بأنهم أخذوا “أميري” إلى السعودية وتصوروا بأننا لا علم لنا إزاء أوضاعه، وأضاف أن هذا الموضوع كان تحت مجهر الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الاتهام بالتجسس
وقال محسني اجئي، لقد تمت محاكمة هذا الشخص في إطار عدة جلسات وبحضور محاميه وبعد أن صدر الحكم ضده قدم اعتراضًا على الحكم الصادر، وتابع قائلاً، إنه بعد ذلك رفع اعتراض “شهرام أميري” إلى المحكمة العليا في البلاد والتي تدارست القضية بدقة وإمعان؛ لإنه في حال الاتهام بالتجسس هنالك حالات تصدر فيها أحكام الإعدام، فيما هنالك حالات أخرى يتم الحكم بالسجن 10 أعوام، وأوضح أن المحكمة البدائية كانت قد أصدرت حكم الإعدام بحقه، وقال إن المحكمة العليا درست اعتراضه، ورغم أننا وللأسف التام لسنا راضين عن معاقبة أحد ونحب أن يتوب مثل هؤلاء الأفراد؛ إلا أن هذا الفرد لم يستفِد من الفرصة التي منحت له بعد تأكيد الحكم، ولم يتب ولم يحاول التعويض عن خطئه وسعى لبيع معلومات من داخل السجن، وقال “محسني اجئي”، إن أحد أكاذيب أسرته هو قضية سجنه 10 أعوام ونفيه.
اختفى في السعودية
“شهرام أميري”، العالم النووي الإيراني المتخصص في النظائر المشعة، اختفى في السعودية في تموز 2009 خلال أدائه للحج، واتهمت إيران السعودية بتسليمه إلى الولايات المتحدة التي قالت إيران إنها سعت لاختطافه، بيد أن الطرفين أنكرا التهم الإيرانية، وفي تموز 2010 قال “أميري” إنه نجح في الفرار من قبضة وكالة المخابرات المركزية، ولجأ إلى السفارة الباكستانية في واشنطن العاصمة، لكونها ترعى المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة أنكرت تورطها في اختطافه، وقالت إنه قدم إلى أمريكا بمحض إرادته، وأن له مطلق الحرية في مبارحتها متى شاء، وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إن أميري “حر في السفر وكان حرًا في الحضور إلى الولايات المتحدة”.
الخارجية الأمريكية تنفي
ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية – في ذلك الوقت – “فيليب كراولي” اختطاف العالم الإيراني، وقال “إنه لن يدلي بأي تعليق بشأن معرفة ما إذا كان الرجل موجودًا أم لا في الولايات المتحدة”، ردًا على إعلان إيران عن رغبتها في استخدام “قنوات شرعية” في قضية “شهرام أميري”، والحصول من الولايات المتحدة على معلومات حول اختفائه، وظهر “شهرام أميري”، في ثلاث مقاطع فيديو متضاربة في المعلومات، في واحد منها يزعم اختطافه ونقله من المملكة العربية السعودية جوًا إلى الولايات المتحدة رغم إرادته أثناء أدائه الحج، وأنهم “أخذوني إلى منزل يقع في مكان ما لم أعرفه، أعطوني حقنة مخدر”، وفي فيديو آخر قال أميري “إنه حر في أمريكا، ويعتزم الدراسة هناك”، وفي مقطع ثالث قال إنه فرّ من مكان احتجازه في الولايات المتحدة، وعاد إلى طهران عام 2010 ولقي استقبال الأبطال.
معلومات مفيدة”
وعلق مسؤولون أمريكيون على وجود “أميري” في الولايات المتحدة، بأنه انشق بإرادته الحرة ومدّ الولايات المتحدة بـ”معلومات مفيدة”، وبعد إعلان عودته إلى طهران واستقباله جماهيريًا وإعلاميًا، ذكرت تقارير أنه حكم عليه بالسجن مدة طويلة، وأكدت أسرته في ذلك الوقت أنه اعتقل، وقالت “إنها تخشى على حياته”.
تعزية وإقامة مجلس الفاتحة
قناة “من وتو”، التابعة للمعارضة الإيرانية، قالت إن عائلة “شهرام أميري”، أكدت لها في اتصال هاتفي تلقيها نبأ إعدام السلطات الأمنية لشهرام أميري فجر يوم الأربعاء الماضي، ولم تعلق السلطات الرسمية الإيرانية على هذه المعلومات، ونشرت مواقع إخبارية يوم الخميس الماضي، لافتة تعزية لإقامة مجلس الفاتحة من قبل أسرة شهرام بعد إعدام ولدها، الأمر الذي يؤكد تقارير إعدامه، وذكر موقع محلي إيراني، أن “جثمان العالم النووي شهرام أميري تم نقله يوم الأربعاء الماضي إلى مدينة كرمنشاه غرب البلاد وتم دفنه هناك.”
تقويض الأمن القومي للبلاد
إعدام السلطات الإيرانية للعالم النووي الإيراني من أصول كردية، جاء ضمن تنفيذ حكم الإعدام في 20 شخصًا ممن وصفتهم بأنهم أعضاء في “جماعة إرهابية سنية ارتكبوا عدد من الجرائم وسعوا إلى تقويض الأمن القومي للبلاد”، حسب وسائل إعلام رسمية إيرانية، ونقلت قناة “آي أر آي بي” الإيرانية عن المدعي العام، محمد جواد منتظري، قوله “هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم.. قتلوا نساء وأطفال، تسببوا بدمار وعملوا ضد الأمن وقتلوا زعماء دينيين سنة في بعض المناطق الكردية”.
منظمة العفو الدولية
وفقًا لإحصاءات منظمة العفو الدولية، أعدمت إيران – ذات الغالبية الشيعية – ما لا يقل عن 977 شخصًا في العام الماضي فقط، وانتقدت جماعات حقوق الإنسان الإعدامات الأخيرة قائلة إن المحاكمات لم تكن عادلة، إذ حكم على هؤلاء الرجال بالإعدام بعد محاكمات لم تستغرق سوى بضع دقائق، وقالت جماعة “الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في إيران”، ومقرها في الولايات المتحدة، إن أحد الرجال الذين أعدموا، ويدعى شاهرام أحمدي، زعم أن كل القضية لفقت ضده بناء على اعترافات انتزعت بالإجبار، ولم يسمح لأي من عوائل المتهمين بزيارتهم قبل إعدامهم، حسب المنظمة ذاتها.
المرتبة الثانية بعد الصين
وقال المدعي العام الإيراني إن الرجال جاءوا من مناطق كردية، ويتبعون جماعة التوحيد والجهاد، وفي العام الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إن ثمة ارتفاعًا كبيرًا في عدد المعدومين في إيران، مضيفة أن المحاكم عادة ما تكون “مفتقرة تمامًا للحياد والاستقلالية”، وأضافت المنظمة أن إيران كانت العام الماضي في المرتبة الثانية بعد الصين في عدد الإعدامات فيها، كما أن المملكة العربية السعودية المجاورة أعدمت في العام نفسه 158 شخصًا، حسب المنظمة نفسها.
طلب اللجوء من الولايات المتحدة
قناة “من و تو”، الناطقة بالفارسية، قالت إن السلطات الإيرانية أعدمت “شهرام أميري”، الذي عاد إلى إيران بعد أن كان طلب اللجوء من الولايات المتحدة الأمريكية، وذكرت القناة نقلاً عن أسرة أميري أن عقوبة الإعدام نفذت بحق العالم النووي فجر يوم الأربعاء الماضي، ولم تعلق السلطة القضائية الإيرانية على خبر الإعدام.
“البطل النووي”
“أميري”، كردي، من مواليد كرمانشاه غربي إيران، يعمل كعالم محقق في مجال النووي في جامعة “مالك أشتر” الصناعية التابعة للقوات العسكرية الإيرانية، ولدى عودته إلى إيران من واشنطن، استقبل أميري في مطار طهران كالأبطال، وكان مساعد وزارةالخارجية الأسبق حسين قشقاوي في مقدمة المستقبلين، ولكن قامت السلطات بعد فترة وجيزة باعتقال “البطل النووي”، ورغم اتهامات المتحدث الأسبق باسم الخارجية الإيرانية للولايات المتحدة باختطاف شهرام أميري، إلا أن واشنطن أكدت أن العالم الإيراني كان طلب اللجوء في أمريكا، في ذلك الوقت قالت وكالة أنباء فارس القريبة من الحرس الثوري، نقلاً عن مسؤول أمني لم تكشف عن هويته، أن شهرام أميري انتقل إلى الولايات المتحدة حسب خطة وضعتها إيران في إطار الحرب الاستخباراتية بين وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بغية الحصول على معلومات من الاستخبارات الأمريكية، وادعى هذا المسؤول حسب وكالة “فارس” أن أميري زود إيران بمعلومات ثمينة، واصفًا الخطة بالانتصار العظيم لإيران.
الإضرار بالأمن القومي
وكان المسؤولون الإيرانيون نفوا مرارًا ما تردد بخصوص أميري، ولكن قال سعيد جليلي، الرئيس للوفد الإيراني المفاوض حول الملف النووي وأمين مجلس الأمن القومي السابق في مقابلة مع صحيفة “ديرشبيغل” الألمانية، إن شهرام أميري اختطف خلال زيارة للخارج وأمضى سنة كاملة خارج البلاد والتحقيقات جارية معه بعد عودته لإيران لمعرفة حيثيات ما حدث له، وبعد اعتقال أميري عقب عوته بفترة وجيزة بتهمة “الاتصال الجنائي مع دول عدوة والإضرار بالأمن القومي، وتزويد معلومات مصنفة للعدو”، حكمت المحكمة عليه بالسجن 10 سنوات، والإبعاد إلى مدينة “خاش” لمدة 5 أعوام، ورغم أن أميري كان يقضي فترة السجن إلا أن أسباب إعدامه غير واضحة، وقالت والدة أميري لقناة “من و تو”، اتصل شهرام قبل بضعة أيام بأسرته في مدينة كرمنشاه الكردية، وطلب من الأسرة أن تزوره في طهران، ولكن بعد وصول الأسرة إلى طهران لم تلتق به في المكان الذي كان مسجونًا فيه، بل في أحد المعسكرات بالعاصمة، وخلال الزيارة قال شهرام أميري إن الزيارة قد تكون الأخيرة، لأن السلطات قررت إعدامه، رغم أن المحكمة حكمت عليه بالسجن 10 سنوات. وبعد إعدامه نقل جثمانه للدفن في مسقط رأسه كرمانشاه.
أبرز العلماء النوويين
“شهرام أميري”، يعد من أبرز العلماء الذين ساهموا في تطوير البرنامج النووي الإيراني، من الباقين على قيد الحياة أو الذين جرى اغتيالهم في ظروف غامضة، ومن أبرز هؤلاء، “محسن فخري زاده مهابادي”، ضابط في الحرس الثوري الإيراني، وأستاذ الفيزياء في جامعة الإمام الحسين بطهران، وتعتبره عدة تقارير غربية الرجل الأول في البرنامج النووي الإيراني، والمسؤول المباشر عن تطوير برامج نووية قد تكون ذات طبيعة عسكرية، وأن “زاده” من أبرز العلماء الإيرانيين المكلفين بالخدمات اللوجستية التي تعمل لحساب وزارة الدفاع والقوات المسلحة، وعمل كرئيس سابق لمركز الأبحاث الفيزيائية، وتعتبره المخابرات الغربية المسؤول الأول عن “المشروع 111″، الذي يهدف حسب قولها لتطوير أسلحة نووية، ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن تقارير سرية أعدتها وكالة الاستخبارات الأميركية تفيد بأن “فخري زاده” يقوم بتصميم رأس حربي نووي، ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تضغط عليه باستمرار وتفرض قيودًا على تحركاته.
“فريدون عباسي”
أما “فريدون عباسي”، فهو هو عالم نووي شغل منصب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بين سنتي 2011 و2013، ونال الدكتوراه في الفيزياء النووية، وكان أستاذًا لها بجامعة شهيد بهشتي الإيرانية، ويقال إنه عضو بالحرس الثوري الإيراني منذ سنة 1979، وترأس “عباسي” قسم الفيزياء في جامعة الإمام الحسين في طهران، وكان مكلفًا حسب تقارير غربية بتنظيم البحوث النووية في هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قبل تعيينه في منصب رئيس المنظمة نفسها، وتعرض “عباسي” في 29 نوفمبر/ تشرين ثان 2010 لمحاولة اغتيال فاشلة نجا منها بأعجوبة، بينما قتل في نفس المحاولة العالم النووي “مجيد شهرياري”، واتهمت طهران وقتها جهاز الموساد الإسرائيلي بالوقوف خلف العملية.
“حرب التجسس”
والثالث “شهرام أميري”، الذي تواترت الأخبار حول شنقه منذ أيام، وهو (مواليد سنة 1977)، وهو عالم نووي إيراني متخصص في النظائر المشعة، اشتهر اسمه في “حرب تجسس” وقعت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، إضافة إلى “علي أكبر صالحي” العالم النووي والسياسي الإيراني، الذي عمل كأستاذ وعميد لكلية شريف للتكنولوجيا في إيران، ويشغل حاليًا منصب مدير هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بعدما تولى حقيبة وزارة الخارجية الإيرانية بين ديسمبر 2010 ونوفمبر 2013، وفي 26 يونيو/ تموز 2012 تم اعتقاله من طرف شرطة المطارات في قبرص، وذلك لإدراج اسمه في قائمة الشخصيات المحظورة بالاتحاد الأوروبي، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد تدخل وزارة الخارجية القبرصية.
علماء إيرانيون تم اغتيالهم
هذا إضافة إلى علماء إيرانيين تم اغتيالهم، منهم “مصطفى أحمدي روشن”، الذي قتل هو وسائقه في انفجار دراجة نارية ملغومة في طهران يوم 11 يناير/كانون الثاني 2012، و”مسعود محمدي”، الذي قتل في 12 يناير/كانون الثاني 2010 بعدما استهدفه انفجار أثناء خروجه من منزله متوجهًا إلى الجامعة، و”مجيد شهرياري”، الذي اغتيل يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 بعد استهدافه في انفجار قنبلة زرعت في سيارته.