ألقى محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية "أفايب"، محاضرة تحت عنوان "الداخل الإيراني وتأثيراته على السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط" في ندوة نُظِّمَت بالتعاون مع "مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية"، مساء الإثنين 13 يوليو 2020م.
وفيما يلي نص المحاضرة:
اللهم إن للسان زلات؛ فاغفر زلات ألسنتنا، وللكلام سقطات؛ فاغفر اللهم سقطات كلامنا، وارزقنا الرشد قولا وعملا، إنك على كل شيء قدير.
وبعدُ؛
يسعدني أن أكون في مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية وهو صرح علمي جاد ورصين كان من دواعي حُبوري أنني اشتركت معه في أوقات سابقة، لكن هذه المرة هي أول تعاون من نوعه بين المركز الأغر وبين “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، كما يسعدني أن أكون في معية السادة العلماء والخبراء والباحثين المعنيين بإيران وتفاعلاتها في بيئتيها الداخلية والخارجية.
وقبل الشروع في عرض مجموعة الأفكار التي تساعد على تحري موضوع هذه المحاضرة وهو “الداخل الإيراني وتأثيراته على السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط” وتتبع مآلاتها؛ يطيب لي ـ وهو أمر اعتدت عليه في محاضراتي ـ وضع مجموعة من المحددات المبدئية التي من شأنها الإعانة على تنظيم الأفكار في سبيل الوصول إلى هذا المبتغى، وهي:
أولا: أن ما سأقوله هو محاولة للفهم وليس محاولة للحكم، أي أنني لن أحاول إطلاق أحكام نهائية على إيران أو ما جرى وما يجري أو حتى ما ستؤول إليه الأمور فيها، بل أحاول جهد الطاقة أن أضع مجموعة من النقاط فوق أحرفها الصحيحة، حتى يتسنى ـ لمن أراد ـ الوصول إلى رؤية واضحة عن هذه البلاد.
ثانيا: أن ما سأقوله هو حديث في أصول العلم، وليس حديثا في فنون السياسة، بمعنى أن استدعاء أي حدث للترويج لخطاب سياسي يساق في كثير من المنصات، وإن كان يصلح للاستهلاك الشعبي العام؛ لكن المقام هنا لا يسمح به، ولذلك فإني أؤثر أن أرتكز على الأسس التي تعتمد عليها هذه الرؤى، كي تكون بمثابة أوتاد العلم والبحث والدرس، وليست دواعي الحشد والاستمالة والاستقطاب.
ثالثا: تفهم أن منطلقات تقييم الوضع في إيران تعتمد على الدراية والإلمام بشؤونها؛ ذلك أن “الناس يفسرون المجردات وفقا لخبراتهم”، كما قال الفيلسوف الأمريكي، روبرت دال Robert Alan Dahl (١٧ ديسمبر ١٩١٥ ـ ٥ فبراير ٢٠١٤)، ولذلك فإن خبرة الأشخاص على عمقها أو سطحيتها هي المحدد الأبرز للتعامل مع مجريات الوضع أو مآلاته في هذا البلد.
رابعا: يتعين إدراك الخصوصية المعقدة للشخصية الفارسية وطريقة النخب ـ في طهران بطبيعة الحال ـ في صنع القرار أوقات الأزمات سواء التفجيرات الأخيرة المتلاحقة والمتعددة من حيث الجغرافيا والأهداف أو حتى العقوبات الأمريكية الراهنة، ومن المهم فهم أن النخب الإيرانية على اختلاف أيديولوجياتها تتقدم عندها القومية على الدين، وللتدليل على ذلك يمكن القول إن الفرس أخذوا من العرب الإسلام، لكنهم لم يأخذوا اللغة ولا الحضارة؛ بل على العكس صدروا منتجهم الثقافي من مرادفات وكتابات وفلاسفة ومفكرين إلى الحضارة الإسلامية.
خامسا: أن دراسة إيران تقتضي دراسة الشخصية الفارسية وليس الأنظمة الحاكمة فحسب؛ ذلك أن النظام “الإسلامي” الراهن القائم على نظرية ولاية الفقيه الشيعية الإثنى عشرية حافظ على كل مكتسبات وسياسات الأسرة البهلوية المازندرانية (1925 ـ 1979) وبالخصوص الشاه محمد رضا بهلوي “العلماني”، بدءا من البرنامج النووي الذي دشنه الشاه في الستينيات واحتلال الجزر الإماراتية 1971 ومرورا باتفاقية الجزائر 1975 وانتهاء بسياسات فرسنة الأقاليم والجيوب غير الفارسية على أطراف المركز.
سادسا: فهم طبيعة التركيبة “الإثنينية” الداخلية وعلاقة تلك التركيبة بمسألة صنع القرار الداخلي وبالتالي رسم السياسات الخارجية في ضوء دور إيران الإقليمي وعلاقتها بالقوى الدولية، ما يفهم منه أن الشكل الداخلي للنظام هو المحدد ليس الأبرز ولكن الأوحد في ثأثير السياسات الداخلية على السياسات الخارجية، وهو موضوع حديثنا اليوم.
وهذه المحاضرة تنقسم إلى ثلاثة مستويات وهي كالتالي:
المستوى الأول:
إيران داخليا ما بعد مقتل سيماني وتولي قاليباف رئاسة البرلمان
مع انتخاب الرئيس دونالد ترامب المعروف بخطابه المعادي للنظام الإيراني الثيوقراطي، وبعد خروجه أحادي الجانب من الاتفاق النووي يوم الثلاثاء الموافق 8 مايو 2018م، ثم توقيعه عددا من حزم العقوبات على إيران وتصنيفه الحرس الثوري منظمة إرهابية، ارتبك الداخل الإيراني وانقسم بين فريقين أحدهما يرى بضرورة التهدئة والذهاب الفوري إلى الحوار مع واشنطن؛ تجنبا لمزيد من الصدام والخسائر الاقتصادية والاستراتيجية، بينما مال فريق آخر إلى التصعيد والتصادم، وهو ما تم بالفعل.
وترتب على ذلك ليس فقط حسم الخيار الاستراتيجي الإيراني على المستوى الأعلى في التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل تجاوز ذلك إلى حدوث نقاش داخلي حول ما إذا كان يجب السعي إلى إجراء مباحثات جديدة مع واشنطن وكيفية القيام بذلك، لكن الملاحظ أن الذي قاد جبهة التصعيد هو المرشد الأعلى، معتل الصحة، آية الله علي خامنئي، الذي وجّه في غير مرة انتقادات واسعة إلى كل من الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف لجنوحهما إلى التهدئة، ولعل هذا كان أحد أهم أسباب ـ وإن لم يكن السبب المعلن ـ لجوء ظريف إلى خيار الاستقالة المدوية في 25 فبراير 2019.
<< هذا التوجه السياسي فاقم من الصراع الداخلي بين معسكر ما وُصف بأنه دبلوماسية التسول (سعد آباد + الخارجية) الذي رأى بضرورة التهدئة والتفاوض، وبين معسكر بيت القيادة (مؤسسة المرشد + الحرس الثوري) الذي أراد الوصول إلى حافة الهاوية مع الولايات المتحدة، مستخدما في ذلك كل وسائل القوة المتاحة وتموضعه الجيوستراتيجي عند مضيق هرمز.
ولعل برهان ذلك الاتهامات المتواصلة من خامنئي إلى روحاني وظريف بالوقوع “ضحية لخداع الأمريكيين” خلال المفاوضات النووية تلك التي استمرت من أغسطس 2013 حتى يوليو 2015؛ لأنه لم يكن من الجدير بإيران الوثوق بإدارة أوباما أو إجراء محادثات مع واشنطن أساسا، وهو الخطاب الذي ردده أغلب خطباء جمعة طهران في كل أسابيع ما قبل جائحة كورونا، ولذلك أصبح واضحا أن خامنئي لم يكن يدرك إدراكاً تاماً أن الاستضافة الفرنسية لوزير الخارجية محمد جواد ظريف في قمة مجموعة الدول السبع ستتحول إلى جهد باريسي رفيع المستوى لاستئناف المحادثات، خاصة أن ظريف نفسه رغم خطابه الهجومي على واشنطن، إلا أنه يؤمن بجدوى التفاوض المباشر كبديل للخيارات الأخرى.
كان هذا هو الوضع الداخلي في إيران وقد باتت فيه النخب ودوائر صنع القرار منقسمة تجاه أغلب القضايا المركزية وامتد الخلاف الداخلي في التوجه السياسي الخارجي ليشمل الصراع مع بريطانيا في وقائع احتجاز السفن، ومسألة خفض إيران التزاماتها تدريجيا إزاء خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA “الاتفاق النووي”، ومدى جدواه، خاصة أن الخطوات الأربع التي تمت في الأيام الأولى لأشهر مايو، ويوليو، وسبتمبر، ونوفمبر 2019م، لم تسفر عن إجراء دولي/ أوروبي ذي بال، كما أنها زادت من تشديد واشنطن عقوباتها على طهران في أكثر قطاعاتها الاستراتيجية والاقتصادية حساسية.
في مشهد داخلي منقسم كهذا جاءت عملية استهداف القوات الأمريكية فجر يوم الجمعة 3 يناير 2020 قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في موقع قريب من مطار بغداد بالعاصمة العراقية، ردا من جانبها على الاستهدافات المتتالية للقواعد الأمريكية بهذا البلد تحت قيادته، ولئن كان هذا هو السبب المعلن والحلقة الأخيرة في متتالية أمنية تصعيدية بين الجانبين؛ إلا أن بواطن الأمور أماطت اللثام عن أن البنتاجون أقدم على هذه العملية تخوفا من أن يتم تهميش دوره في العراق بناء على تحليل الأحداث الأخيرة واقتناعه بأن هناك اصطفافا حكوميًا ونخبويا إلى جانب إيران في الأشهر الأخيرة من عام 2019 مثل خصما من رصيده المتراكم في بغداد منذ الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين عام 2003.
داخليا شكل مقتل سليماني ضغوطاً كبرى ـ ربما لم يسبق لها مثيل ـ على النظام الإيراني خاصة بالنظر إلى أن أمريكا تبنت فورا العملية رسميا، وبالتالي كان على النظام في طهران تجميع شتاته الداخلي للرد على العملية الرسمية، لكن المشكلة التي واجهت ولاية الفقيه أن العملية جاءت في خضم أزمة داخلية واجهتها طهران؛ بسبب استمرار الاحتجاجات الرافضة سواء للقرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والخاصة برفع أسعار الوقود في نوفمبر 2019، أو بسبب التوجهات التي يتبناها النظام في الخارج وتقوم على دعم الحلفاء على حساب معالجة الأوضاع المعيشية في الداخل، فضلاً عن التأثير علي صورة “التمرد والردع” التي حرصت طهران على تصديرها للمجتمع الدولي، الذي بدا أكثر اصطفافا مع الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها الضاغطة تلك، وبعيدا واقعيا عن إيران.
ومع ذلك تمكنت طهران من إعادة توجيه الضغوط المتصاعدة في الداخل واستثمرت مسألة مقتل قاسم سليماني في تجميع الفرقاء الداخليين على كل المستويات السياسية والاقتصادية. ولقد بدا ذلك واضحا من خلال تعيين إسماعيل قاآنى خلفاً لسليماني في قيادة فيلق القدس وهو قرار ذي دلالة بالغة على سيطرة الخطاب المُتشدد على مراكز صنع القرار في إيران، لأن قآاني هو نائب سليماني وأحد أهم أتباعه أو بالأحرى تلاميذه.
وبالفعل عملت إيران على تجييش المشاعر الوطنية للشعب وعملت كذلك على تجاوز كل الاعتبارات الدينية والمذهبية وتوحيد الأصوات تحت شعارات وطنية قومية تمكنت خلالها من استغلال حالة الاحتقان على إثر المطالبة بالثأر لمقتل سليمانى، وهو ما ظهرت مؤشراته في تأكيد الإعلام الرسمي الإيراني على مراسم تجديد الشباب للبيعة والولاء “للشهيد الفريق قاسم سليماني” ورفاقه في جبهة المقاومة في 120 مدينة إيرانية.
<< ولقد هدفت تلك التحركات إلى تمكين النظام الحاكم من السيطرة على الداخل والقضاء على خصومه تحت ذريعة الثأر وتغذية المبدأ الحاكم للسياسة الخارجية الإيرانية في مقاومة المستكبرين ونصرة المُستضعفين كخيار استراتيجي حاكم للرؤية الإيرانية وموجه لسياستها الخارجية، خاصة أن البلاد كانت بصدد الولوج إلى انتخابات برلمانية ستحدد ـ وقد حددت بالفعل ـ شكل الاصطفاف الداخلي المحدد للسياسات الخارجية سواء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها.
والملاحظ أن المرشد الأعلى علي خامنئي وحتى الرئيس روحاني في أغلب خطاباتهما السياسية دائما ما يشددان على مسألة اللُحمة الداخلية كعامل ردع تأسيسي أمام القوى الخارجية، وهو ما تجلى بشدة في خطبة الجمعة تلك التي ألقاها خامنئي يوم 17 يناير 2020 ولقد حاول خامنئي خلالها التأكيد على أن اغتيال سليماني وإطلاق الصواريخ على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق هما حدثين جللين يثبّتان دعائم النظام ويمكن البناء عليهما لاستكمال مسيرة الثورة الإيرانية، ويمكن أن نستقرئ ذلك من قوله: “هذان اليومان يعدان من أيام الله ومنعطفات التاريخ والصانعة للتاريخ وليسا من الأيام العادية”.
وبالنظر إلى عبارة “تثبيت دعائم النظام واستكمال مسيرة الثورة الإيرانية” يفهم أن أهداف هذه الثورة وهذا النظام هو الحركة الإقليمية لإيران خارج حدودها السياسية ولعب أدوار بعيدة عن كتلتها الجغرافية، وليس معالجة الأوضاع التنموية والمعيشية للمجتمع.
والواقع أن المرشد الإيراني استثمر خطبة الجمعة النادر تلك لإرسال رسائل متعددة الجهات في آن معا، وركز على أن العملية الإيرانية على القاعدتين الأمريكيتين “ليست ضربة عسكرية فقط بل ضربة لهيبة وسمعة أمريكا كقوة كبرى”، ما يعني أن أي حدث داخلي يجب ربطه فورا بالدور الإيراني الخارجي أو حتى بصراعات إيران في محيطيها الإقليمي والدولي.
وتجلت تلك النزعة مرة أخرى في كلمته يوم الأحد 12 يوليو 2020 أمام مجلس الشورى الذي انتخب باقر قاليباف رئيسا له، إذ قال: “إن المجلس الحادي عشر الراهن من أقوى المجالس وأكثرها ثورية بعد انتصار الثورة الإسلامية في البلاد”، وقد ذهب خامنئي إلى هذا المذهب لعدة اعتبارات على رأسها:
أ ـ أن هذا المجلس قدر له الإتيان بأحد كوادر الجناح الأكثر تشددا داخليا وهو قاليباف.
ب ـ أن هذا المجلس جاء إثر أول عملية اقتراع بعد زلزال اغتيال قاسم سليماني، واشتداد وتيرة التصعيد مع الولايات المتحدة في العراق.
وقد أتى هذا كله في سيرورة انتخاب البرلمان يوم الخميس 28 مايو 2020 محمد باقر قاليباف رئيسا له في خطوة ذات دلالة لا يخطئها كل ذي عينين على تعميق سلطة المحافظين أو بالأحرى تحالف (المحافظين + المتشددين) وتهميش تحالف (الإصلاحيين + المعتدلين) وذلك في ضوء اعتبارين:
أ ـ أن انتخاب قاليباف سيشكل ضغطا داخليا على حسن روحاني وفريقه السياسي.
ب ـ أن قاليباف وأغلبيته المحافظة الكاسحة في البرلمان قد تلعب دورا في تحديد المرشح الأقرب إلى سعد آباد في الانتخابات الرئاسية المرتقبة مايو 2012.
وبالرغم من أن هذا الانتخاب رجح الكفة السياسية للمحافظين الذين يعارضون سياسة الرئيس “المعتدل” حسن روحاني في ذروة سنام التوتر بين إيران وبين الولايات المتحدة إلا أنها أيضا أدت إلى حالة من الصراع الداخلي بين السلطات الثلاث حذر خامنئي من تداعياتها في خطبة الأحد 12 يوليو 2020 من خلال قوله: “على جميع المسؤولين والأجهزة في البلاد ضرورة التضامن والتكاتف وتوحيد الصف أمام جبهة العدو، لأن أي صراع بين السلطات في البلاد يخدم الأعداء وعلى رأسهم أمريكا الأكثر خبثا التي كرست كل طاقاتها السياسية والاقتصادية والدعائية لتركيع الشعب الإيراني الأبي”.
المستوى الثاني:
تفجيرات إيران وعلاقتها بالحرب السيبرانية مع إسرائيل
في الأيام الأخيرة شهدت إيران عدة حرائق وانفجارات متتالية بمواقع جغرافية عدة في أنحاء البلاد، ما يشير إلى أنها لم تكن بمحض الصدفة وليست وليدة أخطاء بشرية، بل بينها رابط ما، ولذلك يجب الوقوف عند تلك الوقائع كرونولوجيًا ومن ثم تحليل سياقها.
1 ـ في وقت متأخر من مساء الخميس 25 يونيو/ منتصف ليل الجمعة 26 يونيو وقع انفجاران أحدهما في منطقة بارديس بطهران والثاني في منشأة خوجير التابعة لموقع بارشين العسكري شمال طهران.
2 ـ قالت وسائل الإعلام الإيرانية في صباح الجمعة 26 يونيو إن التفجير نتج عن انفجار في خزان للغاز بإحدى منشآت وزارة الدفاع.
3 ـ في مساء الثلاثاء 30 يونيو وقع انفجار/ حريق في مركز “سينا أطهر” الصحي بميدان القدس في منطقة تجريش شمالي طهران، نتج عن تسرب في خزانات الأكسجين بالمركز، وأسفر عن 19 قتيلا.
4 ـ في صباح الخميس 2 يوليو وقع انفجار/ حريق في مستودع قيد الإنشاء خارج مبنى مفاعل ناتنز النووي أدى إلى دمار المبنى بالكامل.
5 ـ في ظهيرة اليوم نفسه أعلنت جماعة تدعى “نمور الوطن” الإيرانية السرية أنها هي التي قامت بالعملية، خاصة أن تلك المنشأة فوق الأرض وليست تحت الأرض.
6 ـ قالت تلك المجموعة في بيان إعلامي نشرته “بي بي سي فارسي” إنها استهدفت موقعا نوويا سريا آخر في مدينة كاشان، الواقعة في شمالي محافظة أصفهان، إلى جانب عملية ناتنز.
7 ـ في صباح السبت 4 يوليو وقع تفجير/ حريق في منشأة زرقان الأحوازية لإنتاج الكهرباء التي اختارتها الحكومة الإيرانية في عام 2013 لتكون موقعا لبناء مفاعل نووي، وذلك في أثناء مباحثات ظريف ـ كيري حول الاتفاق النووي التي جرت في مسقط برعاية السلطان قابوس.
8 ـ في ظهيرة يوم السبت نفسه وقعت حادثة تسرب لمادة الكلور في أحد مصانع البتروكيمياويات التي لم يعلن عن موقعها ولا عن أعداد ضحاياها أو خسائرها المادية.
9 ـ في مساء الثلاثاء 7 يوليو أفادت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية “إرنا” بأن شخصين قتلا في انفجار بمصنع في جنوب طهران.
10 ـ في مساء الجمعة 10 يوليو ذكرت وكالة هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، نقلا عن تقارير على الإنترنت أن دوي انفجار سُمع في غرب العاصمة طهران، من دون أن تذكر تفاصيل.
11 ـ في مساء السبت 11 يوليو أعلنت إدارة الإطفاء الإيرانية في تصريح لوكالة الأنباء الطلابية “إيسنا” أن انفجار غاز هز مبنى في العاصمة طهران، ما أسفر عن إصابة شخص واحد على الأقل.
وبعد هذا العرض الكرونولوجي الذي تضمن 11 واقعة يتضح أن تلك العمليات يدور أغلبها في إطار الحرب السيبرانية الإسرائيلية ـ الإيرانية، ومن المرجح أن تكون تل أبيب أو/ وواشنطن على صلة مباشرة بتلك العمليات، وهو ما يمكن استخلاصه من حديث المحلل الإسرائيلي ألكس فيشمان في صحيفة يديعوت أحرونوت الذي قال: “إن تفجير ناتنز نتج عن عمل سيبراني غربي”. (في إشارة إلى الولايات المتحدة بطبيعة الحال).
لعل هذا ما أكدته إيران أيضا حين قالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية “إيرنا” نقلا عن مسؤول حكومي إن التفجير يحتمل أن يكون عملا عدائيا من إسرائيل أو/ والولايات المتحدة الأمريكية.
وبالتالي يرجح أن تكون تل أبيب هي من قامت بهذه العمليات (باستثناء حريق المركز الطبي) ويمكن تحري هذا التحليل من خلال ما نشرته هيئة البث الرسمية الإسرائيلية “كان 11” عن مصدر عسكري إسرائيلي إن تفجير ناتنز كان جزءا من مساعي إحباط البرنامج النووي الإيراني.
<< بمتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام ومراكز الفكر العبرية تم رصد أن ألون بن ديفيد، المراسل العسكري للقناة ١٣ قال إن تفجير ناتنز استهدف مصنعا لإنتاج أجهزة الطرد المركزي الحديثة التي أعلن عنها روحاني في نوفمبر 2019 في ضوء الخطوة الرابعة لخفض الالتزام إزاء الاتفاق النووي.
ما يرجح هذا التحليل أن بن ديفيد نصح الحكومة بأن تتخذ إجراءات الحذر تحسبا لأي هجوم إيراني سيبراني مضاد، ويفهم من تحليل بن ديفيد أن تل أبيب لجأت إلى هذا الإجراء بعد حصولها على معلومات استخباراتية تفيد بأن طهران أصبحت تمتلك مخزونا كبيرا من اليورانيوم المخصب يقدر بـ1700 كجم.
تقدير الموقف الراهن يشير إلى أن تصاعد تلك العمليات يأتي في ضوء رغبة إسرائيل في شغل إيران عن محاولتها ضم أجزاء كبيرة من الصفة الغربية، وأن إسرائيل تلقت فيما مضى عدة عمليات سيبرانية إيرانية.
يمكن تفسير تلك العمليات في ضوء الخط البياني المتصاعد لعمليات مشابهة أعلنت عنها إسرائيل مؤخرا ومنها مثلا استهداف تم يوم 19 مايو الماضي لميناء الشهيد رجائي في بندر عباس وهو الميناء الذي تتمركز فيه القطع البحرية الأهم في الأسطول البحري لإيران.
ما يزال هناك احتمال نسبي محدود في أن تكون جماعة ما يسمى بـ”نمور الوطن” هي المسؤولة حقا عن بعض تلك العمليات ومنها عملية ناتنز لأن بيان الجماعة قال إن من قام بالتفجير عناصر بشرية ميدانية وإذا صح هذا الادعاء فإن العناصر هم موظفون بالمفاعل وليس بالضرورة أن يكونوا عناصر انغماسية، وما يرجح هذا التحليل أن إيران كشفت مؤخرا عن كثير من العناصر الحكومية العملاء/ الجواسيس الذين يعملون لصالح الموساد والسي آي إيه ومنهم الضابط/ الجاسوس محمود موسوي مجد الذي شارك في عملية اغتيال قاسم سليماني.
على ذلك يمكن القول إنه:
أ ـ من المستبعد أن تقوم إيران بأي عمل عسكري ميداني تصعيدي ضد إسرائيل في الوقت الراهن ولا حتى في سوريا، ومن المستبعد ترجمة تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي يوم الإثنين 13 يوليو 2020 على الأرض، إذ قال: “إن الجهات المختصة في البلاد تضع اللمسات الأخيرة بشأن التحقيق في حادث منشأة ناتنز النووية، وإنه في حال ثبوت تورط أي دولة أو كيان بهذا الحادث فمن الطبيعي أن يكون لإيران رد حاسم ومهم، وسيعلمون أن زمن “اضرب واهرب قد ولى”.
ب ـ من المرجح أن تواصل طهران نشاطها الهجومي سيبرانيا على القطاعات الضعيفة غير المحصنة بما يكفي مثل مرافق وشركات المياه والكهرباء أو اختراق المواقع الخدمية للوزارات بتل أبيب أو في ضواحيهاز
ج ـ تدرك إيران أن إسرائيل لا تمانع في مواصلة نشاطها بالعواصم العربية الخمسة، لكن ما هو غير مقبول أي تعاظم لدور إيران وترجمة هذا الدور على الأرض بالقرب من أهداف إسرائيل الاستراتيجية ومنها مسألة ضم الضفة في الوقت الراهن.
المستوى الثالث:
مستقبل النظام الإيراني ودوره الخارجي
إن أصعب التحديات في دراسات الشؤون الإيرانية هي محاولة استقراء المستقبل القريب فضلا عن المستقبل البعيد بطبيعة الحال لنظام ولاية الفقيه، إذ إن هذا النظام الراهن اعتاد على إحداث تغييرات مفاجئة في سياساته الخارجية، لعل أبرزها التفاوض بناء على “المرونة البطولية” مع الولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي في مرحلة ما بعد 2013.
<< غير أن التحدي الرئيس لهذا النظام الآن هو الاستقرار أولا على شكل السياسات الداخلية خاصة في الأمور الاقتصادية والاجتماعية وهي التي تعد رافعة الأمور السياسية الأخرى المتعلقة بالدور الخارجي.
وبعد حسم خيار اقتصاد المقاومة وعدم الاستجابة إلى سياسات الضغط الأقصى الأمريكية المعمول بها منذ 8 مايو 2018 أي منذ أكثر من 26 شهرا، وفي ضوء احتكار بيت القيادة (بيت القيادة اصطلاح يشير إلى التحالف الصلب بين مؤسسة المرشد والحرس الثوري) لصناعة القرار في إيران تبدو احتمالات المستقبل القريب أكثر ميلا للاستقرار والثبات في السياسات الخارجية بل وتعمييقها في كثير من الملفات خاصة تجاه:
ــ سوريا التي تم توقيع اتفاقية شاملة للتعاون العسكري معها يوم الأربعاء 8 يوليو، ووقّعها عن دمشق وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب، وعن طهران رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، بعد مفاوضات استمرت منذ نهاية أغسطس 2018 حين وقع وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي اتفاقا للتعاون الدفاعي بين البلدين.
ــ العراق الذي تحاول فيه إيران تثبيت نفوذها وتطويره حتى بعد تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء في 7 مايو 2020، وتعتمد إيران لتحقيق ذلك على تعضيد موقف حزب الله العراقي المسلح الموالي لها وتصفية خصومه، وهو ما يثير الشكوك حول دور إيراني محتمل في عملية تصفية هشام الهاشمي يوم الإثنين 6 يوليو.
ــ اليمن الذي يواصل فيه الحوثيون الموالون لإيران والمدعومون منها القيام بأعمال عدائية تجاه المملكة العربية السعودية كان آخرها يوم الإثنين 13 يوليو، حين قامت ميلشيا الحوثي بإطلاق صاروخين بالستيين وعدد من الطائرات المفخخة بدون طيار باتجاه المملكة العربية السعودية، والتي تم اعتراضها وإسقاطها جميعاً من قبل القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن.
عليه يمكن القول إن الدور الإيراني الخارجي أصبح واضح المعالم من حيث الرغبة في مواصلة الوجود والانخراط في الملفات السائلة، وإنه ما لم تشهد إيران تغيرا سياسيا ضخما في الداخل فإنه ليس من المنظور تغييرها سياساتها الخارجية ـ التي استقر عليها النظام السياسي الإيراني ـ في المديين القريب والمتوسط.