كتبت لرئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد، على صفحته الرسمية في تويتر: If you play with Egypt, your future will be darker than your face: إذا لعبت مع مصر سيكون مستقبلك أكثر إظلاماً من وجهك!
وهذه عينة من الردود التي تلقيتها من عشرات المواطنين الإثيوبيين العاديين، تدلك على أنهم شعب ظريف: لا نستطيع أن نلعب مع المصريين لأنهم يأكلون الكثير جدا من البصل!
وهذا رد أنقح منه: إذا لعبت مع أثيوبيا، ستحصل على ماء أقل من دموعك!
ورد ثالث: نحن نعرف كل شيء عنكم في مصر، وآخرها قضية سارة حجازي (التي لم أتعاطف معها مطلقاً)، ونعرف قبل أي شيء آخر أن مصر هبة النيل.. بتاعنا!
ولو كان العكس هو ما حصل، أي أن يكتب أثيوبي باللغة العربية شيئاً كهذا للدكتور مصطفى مدبولي، لكان تلقى وعده، آلاف الشتائم بأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، ونال من البذاءات ما لم يقله نجيب سرور!
ولكن الحقيقة أن الإثيوبيين - أنفسهم- يتداولون فيما بينهم كلاماً آخر عن المشروع الذي يعتقدون أنه "سيغيّر أثيوبيا"، ومن ذلك "أنهم" يفسرون انتحار المهندس سيمجنيو بيكلي، مدير مشروع "سد النهضة"، في يوليو 2018، بإطلاق النار على نفسه من مسدسه، بأنه واحد من احتمالين كلاهما مُر: إما أن في السد عيوباً هندسية قاتلة، أو أن الأرض المقام عليها المشروع ذات طبيعة بركانية كما قيل. وفي الحالتين، سينهار السد، وينهار معه حلم التغيير إلى الأبد.
والغريب أن المهندس المنتحر، والذي عُثر على جثمانه في طريق المطار وبجوارها حقيبة سفر، ترك رسالة لمساعدته وأطفاله أخبرهم فيها بأنه ربما "يبتعد عنهم لفترة"، ما يعني احتمالية تفكيره في الهروب إلى خارج، لأنه اكتشف ذلك "العيب القاتل" - أياً كان- في مشروع السد، ولكنه غيّر رأيه في آخر لحظة وانتحر!
أمّا الموقف السوداني من مسألة السد فهو "عيب" من نوع آخر، عيب في حق مصر هذه المرة. فبعد أيام من مطالبة السيدة أسماء عبد الله، وزيرة الخارجية السودانية، كلاً من الخرطوم والقاهرة باتخاذ "موقف قوي" من إثيوبيا، وذلك قبل الجولة الأخيرة من المفاوضات التي فشلت بسبب تعنت الجانب الإثيوبي، قام الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، بزيارة سرية مريبة لأديس إبابا، لم يُعلن عنها.
وضرب الإثيوبيون ضربتهم، فأعلنوا عن الزيارة بعد عودة المسؤول السوداني إلى بلاده. ونشر أبي أحمد صوراً له مع "حميدتي" وهما يتجولان في مصنع، وفي صورة أخرى يزرعان شجرة، ثم ظهر كل منهما في لقطة ثالثة ماسكاً بدرع وحربة، مثل المقاتلين البدائيين الأفارقة. فعل رئيس وزراء إثيوبيا ذلك، لإرسال رسالة ضمنية إلى مصر مفادها: لا تعتمدوا كثيرا على كون السودان معكم!
وأحرجت أديس إبابا، الخرطوم. وحدث شيء لا مثيل له في أي دولة، فبينما كان "حميدتي" في بيته بعد عودته، نشرت وكالة الأنباء الرسمية "سونا" خبراً قالت فيه: "من المقرر أن يُجري الفريق أول محمد حمدان دقلو (غداً!) جلسة مباحثات رسمية مع رئيس الوزراء الإثيوبي، تتصل بمسيرة العلاقات الثنائية، بجانب عدد من الملفات الإقليمية، ولا سيما المتصلة بعمليات السلام في المنطقة"!
لقد تمثّل الموقف السوداني "القوي" الذي طالبت به وزيرة الخارجية - السودانية- في زيارة سرية قام بها الرجل الثاني في البلاد، وهو أمر لا تفسير له سوى أن السودان ليس شريكاً يُعتمد عليه في أي إجراء ضد إثيوبيا، أو أنه التفسير القديم: كل حكام السودان منذ جعفر نميري "براجماتيون" حتى إشعار آخر!