"مع دخول العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون قيصر، تواصل الولايات المتحدة التزامها بضمان وصول الدعم الإنساني الدولي للمدنيين الموجودين في سوريا من خلال التنسيق الوثيق بين الشركاء الدوليين"، بهذه التغريدة على "تويتر" لحساب السفارة الأمريكية في دمشق، أعلنت واشنطن دخول "قانون قيصر" حيز التنفيذ والبدء بتنفيذ الخطوات اللازمة لتفعيل الخطوات التي يتم بها القانون.
السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، قالت أمام مجلس الأمن إن قانون قيصر يهدف فقط إلى "منع نظام بشار الأسد من تحقيق انتصار عسكري وتوجيهه نحو العملية السياسية، وحرمانه من العائدات والدعم الذي استخدمه لارتكاب الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان، التي تمنع التوصل إلى حل سياسي وتقلل بشدة من احتمالات السلام".
مؤكدةً أن هذا القانون "يحتوي على ضمانات لمنع تأثيره على المساعدات الإنسانية المقدمة إلى الشعب السوري"، وعن المدة الزمنية لانتهاء هذه العقوبات أشارت إلى أن القانون سيُعلق "إذا أوقف النظام هجماته المشينة على شعبه وأحال جميع مرتكبيها إلى القضاء"، وهذا ما يبدو أن النظام السوري لن يفعله وغير قادر على تحقيقه.
قبل الشروع بهذا التقرير، عودةٌ بسيطة إلى تقرير أعددناه في "نون بوست" عن قانون قيصر، ذكرنا فيه أن اسم هذا القانون أتى من اللقب الذي أُطلق على أحد سجاني الأمن السوري الذي كانت مهمته تصوير جثث المعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب في سجون النظام السوري، إلا أنه انشق عن النظام وهرب من البلاد مسرّبًا معه عشرات آلاف الصور التي التقطها للضحايا.
أدلى قيصر بشهادته أمام أعضاء الكونغرس وعرض جزءًا من الصور التي بحوزته في شهر يوليو/تموز عام 2014، وعملت المنظمات والجالية السورية مع أعضاء من مجلس الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة لإقرار مشروع أمريكي يعاقب الأسد ونظامه على ما فعله بشعبه، وكانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، قد منعت إقرار التشريع.
مع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، صادقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على القرار في سبتمبر/أيلول 2017، وفي بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي عبّر البيت الأبيض عن دعمه القوي لمشروع القرار الذي ينص على معاقبة كل من يقدم الدعم لنظام الأسد، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد، وفي شهر سبتمبر/أيلول من 2019 وقّع ترامب على القانون ليصبح ناجزًا.
هذه الأيام تواجه سوريا بكل مناطقها أزمة اقتصادية كارثية، تترافق هذه الأزمة مع إغلاق المتاجر والصيدليات واحتكار المواد الرئيسية، غلاء فاحش يواجهه الشعب، كل ذلك أتى نتيجة لانهيار سعر الليرة أمام الدولار وكان ذلك قبل أسابيع من دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، أي أن الأزمات الداخلية للنظام هي ما جعلت الليرة تتهاوى وتتراجع أمام الدولار.
إيران الغارقة.. تدعم النظام
أزمات اقتصادية متلاحقة تضرب سوريا، تحتاج إلى سنوات كثيرة مع جهد دولي جبار للخروج منه، إلا أن إيران التي تقبع تحت وطأة عقوبات اقتصادية قاسية تطل اليوم لتعلن دعم النظام السوري في وجه "قانون قيصر"، حيث أكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، "أن بلاده تعمل مع الأصدقاء على تطوير الوضع الاقتصادي في سوريا"، مضيفًا "سوف تبذل إيران جهدها لتعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا رغم العقوبات الأمريكية المعروفة بقانون قيصر".
من جهته أشار رئيس اتحاد الصادرات الإيراني محمد لاهوتي، إلى اقتراب موعد افتتاح غرفة التجارة الإيرانية مكتبًا لها في سوريا، مؤكدًا تجهيز مكتب اشترته طهران، من شأنه تطوير الاستثمار المشترك بين البلدين.
تأتي تصريحات لاهوتي على الرغم من أن قانون قيصر ينص على فرض العقوبات على من يقدم الخدمات أو المعلومات المساعدة على صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي لحكومة النظام السوري، في قطاع الغاز والنفط أو في قطاع الطيران العسكري، وفي قطاع البناء والهندسة بشكل مباشر أو غير مباشر.
قال جوليان بارنز ديسي مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "الأسد هو العامل الأول في الدمار الذي تشهده سوريا، لكن الموقف الأمريكي قائم الآن على سياسة لعبة الأمم، وضرورة منع روسيا وإيران من الفوز في الحرب".
ستكون إيران من الأطراف الأكثر تضررًا من قانون قيصر، فوجودها في سوريا بالعدّة والعتاد والجنود والميلشيات أكبر من أي دولة أخرى، في هذا الصدد يقول الصحفي العراقي فراس إلياس في مقاله على "نون بوست": "تطبيق قانون قيصر، سيؤدي إلى إجبار إيران على سحب العديد من قواتها العسكرية من الساحة السورية، وذلك نتيجةً للكلف المالية العالية التي يتطلبها بقاء قواتها هناك على المستوى القريب، فتطبيق هذا القانون سيجعل عملية تهريب الأموال إلى سوريا صعبةً جدًا، وهو أهم ما تحتاجه إيران ونظام بشار الأسد في الوقت الحاضر، من أجل إدامة الفعل المسلح بالساحة السورية".
هذا الدعم الإيراني الاقتصادي للنظام يُسحب من خيرات الشعب الإيراني لإذكاء الحرب في سوريا وقتل السوريين، وكان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية في إيران، حشمت الله فلاحت بيشه، كشف أن بلاده قدمت "20 إلى 30 مليار دولار لدعم سوريا"، داعيًا إلى "استرجاع هذه الأموال"، مضيفًا أن "الشعب يجب أن يعلم أين تصرف أمواله".
تخشى طهران من قانون قيصر على النظام السوري، كيف لا وسوريا تعتبر الآن الشريك التجاري الأكبر لإيران بعد إغلاق الكثير من الدول أبوابها بوجه طهران نتيجةً للعقوبات الأمريكية، وبحسب "مركز عمران للدراسات"، تحسن الميزان التجاري من 361 مليون دولار في العام 2010/2011 إلى 869 مليون دولار في 2014 وأدى ارتفاع الصادرات الإيرانية إلى سوريا بشكل مطرد إلى تحول سوريا لسوق تصريفية للمنتجات الإيرانية لتصبح الشريك التجاري الأول لسوريا.
وقعت إيران والنظام مذكرة تفاهم في بداية العام 2017، يتم بموجبها إنشاء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص تبلغ طاقتها التكريرية 140 ألف برميل نفط يوميًا، وستعيد إيران بموجب الاتفاق بناء وتجهيز مصفاتي حمص وبانياس بعد تضررهما، علمًا بأن إنتاج كلا المصفاتين يكفي حاجات سوريا الاستهلاكية، وبهذا تكون طهران ضمنت موطئ قدم لها بسوق الطاقة السوري.
حصلت إيران على استثمارات في مناجم الفوسفات بمنطقة خنيفيس في ريف حمص ويحق لها التنقيب عن الفوسفات واستخراجه واستثماره لمدة 50 عامًا، وتعتبر مناجم الفوسفات بسوريا من أكبر حقول الفوسفات في العالم، وبلغ احتياطي سوريا من الفوسفات 1.8 مليار طن خام في 2009.
سيفرض قانون قيصر عقوبات على كل الشركات التي تحاول الدخول إلى سوريا بقصد إعادة الإعمار، وهو الأمر الذي تتبناه إيران وتسعى لأن تكون شريكًا مهمًا فيه وتحصل على حصة مناسبة لها، حيث أبرمت دمشق وطهران مجموعة من العقود في إطار إعادة الإعمار، واحتلت طهران المساحة الأكبر في معرض إعادة الإعمار بدمشق في سبتمبر/أيلول 2017 الذي أُقيم بمشاركة نحو 40 شركة إيرانية من أصل 164 شركة.
حزب الله وقيصر
قال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، إنّ "لجوء أمريكا إلى قانون قيصر دليلٌ على انتصار سوريا في الحرب العسكرية والميدانية لأنه آخر أسلحتها"، مؤكدًا أنّ "حلفاء سوريا الذين وقفوا معها سياسيًا وعسكريًا لن يتخلّوا عنها في مواجهة الحرب الاقتصادية ولن يسمحوا لها أن تسقط"، مشيرًا إلى أن "قانون قيصر" يلحق الأذى باللبنانيين كثيرًا، من هنا عليهم ألا يفرحوا بالقانون لأنه يؤذيهم وربما بما هو أكثر من سوريا، باعتبار أنّ سوريا المنفذ البري الوحيد للبنان باتجاه العالم ولمنتجاتنا الزراعية والصناعية والاستيراد والتصدير والتبادلية الاقتصادية والتجارية بين البلدين قائمة حتى في أسوأ الأزمات على صعيد العلاقة بين الدولتين".
من الواضح أن غضب نصر الله المتزايد من قانون قيصر ليس خوفًا على الشعب السوري، خاصةً أن نصر الله شريكٌ بمقتل الآلاف من الشعب السوري بعد مشاركته بقمع الثورة السورية منذ عام 2011، إنما هذا الغضب ناتجٌ عن التضرر الفعلي لـ"حزب الله" من هذا القانون، فالحزب يستغل الأزمة الاقتصادية في لبنان للترويج للمنتجات الإيرانية، وبحسب معهد واشنطن للدراسات: "بدأت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للحزب بالترويج للسلع الإيرانية كبديل عنها، ولا يخفى على أحد أن طهران تغمر السوق اللبنانية بمختلف المنتجات منذ سنوات، ومن المرجح أن تستمر في تسريع هذه الجهود وسط ضغوط مستمرة".
أوضحت السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا أن "العقوبات تستهدف "حزب الله"، لكنها قد تشمل أيضًا أولئك الذين يساعدون "حزب الله" ويدعمونه. كذلك سيكون هناك فئة جديدة من العقوبات التي ستدخل حيّز التنفيذ في الأول من يونيو/حزيران وستطال قتلة المدنيين في سوريا، قد تكون هناك بعض الأطراف هنا متورطة في سلة العقوبات هذه أيضًا".
تقول الكاتبة والباحثة حنين غدار: "قد يساعد قانون قيصر لبنان على تعزيز سيادته وتمكين مؤسساته في وجه الجهات الفاعلة من غير الدول، عبر استخدامه هذه الانتهاكات وغيرها المتعلّقة بسوريا كوسيلة ضغط. وعلى وجه الخصوص، إذا أقنع التهديد بفرض العقوبات بموجب "قانون قيصر" المسؤولين اللبنانيّين بترسيم حدود بلادهم والبدء في تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 بشكل صحيح، فإن ذلك سيحدّ من حرية "حزب الله" في استغلال المؤسسات الوطنية دعمًا لنظام الأسد في البلد المجاوِر".
تكمل غدار في مقالها أن المهربين سيكونون "أقل حرية في مواصلة الأنشطة التي تضر بالاقتصاد اللبناني وتجلب أسلحة خطيرة إلى أراضيه"، وعلى الصعيد الدبلوماسي، يمكن الاستفادة من "قانون قيصر" بطريقتين: أولًا، يمكن أن يساعد في تثبيط الجهود لتطبيع العلاقات اللبنانية مع سوريا طالما أن النظام الذي لم يتم إصلاحه يسيطر على السلطة في دمشق.
واعتبر النائب في البرلمان اللبناني عن "حزب الله" وليد سكرية، أن "مردود قانون قيصر سلبي جدًا، لأن لبنان أكثر دولة مستفيدة من العلاقة مع سوريا بحكم الموقع الجغرافي"، مضيفًا "هذا القانون عقبة أمام النهوض الاقتصادي في لبنان وهو أحد العراقيل للنهوض الاقتصادي، ولكن الحكومة عليها أن تقرر بين الضغوط والعقوبات الأمريكية والتعاون من خلال سوريا".
تحاول إيران وذراعها اللبناني "حزب الله" الإبقاء على السوق السورية مفتوحة، فطهران غير مستعدة لخسارة سوقها الذي تصرف فيه بضائعها الكاسدة وغير المرغوب فيها بدول العالم، و"حزب الله" سيخسر الكثير من معابره غير الشرعية.
المصدر: نون بوست