قال الإعلامي والدبلوماسي الأردني الدكتور ذيب قرالة، إنه لا يستبعد اندلاع جولة ثانية من الحرب بين إيران وإسرائيل خلال الأشهر المقبلة، وبنفس "السيناريو" الذي شاركت من خلاله الولايات المتحدة في خداع إيران.
واعتبر د. قرالة، في حوار مع "كردستان"، أنه في ضوء المعطيات الجيوسياسية المنظورة على ساحة الشرق الأوسط حاليًا، فإن مساحات المناورة أمام إيران تبقى "ضعيفة"، بالنظر إلى الفُجور الإسرائيلي في الخصومة معها، وتماهي واشنطن مع هذا التوجه، والانحياز الأوروبي للمحور الأمريكي، إلى جانب عدم استعداد موسكو وبكين للتضحية من أجل طهران.
وأكد الإعلامي والدبلوماسي الأردني أن الاعتراف بخصوصية الشعب الكردي في الدول العربية سيُغلق أبواب الإقصاء، وينفي الشعور بالمظلومية لدى الكرد، مشيرًا إلى أن الصراع التركي–الكردي قد وضع قدمه على طريق السلام، بما قد ينهي عشرات السنين من الحرب وويلاتها، معتبرًا أن خروج "أوجلان" من المعتقل أو بقاؤه فيه لا يُغيّر من حقيقة كونه رجلًا مُلهِمًا للملايين من أبناء الشعب الكردي.
...وإلى نص الحوار:
• بدأتم حياتكم العملية عام 1989 صحافيًا، وعملتم في هذه المهنة لمدة 15 عامًا داخل المملكة... هل يمكن إلقاء الضوء على هذه المرحلة من عملكم الإعلامي؟
- نعم، لقد تخرجت في جامعة الموصل العراقية في صيف عام 1989، وبدأت ممارسة عملي الصحفي بعد أشهر قليلة من تخرجي، حيث بدأت العمل في "وكالة الأنباء الأردنية"، التي تُعد مدرسة في العمل الصحفي الرسمي، إذ تدربت فيها على أيدي أساتذة كبار وصحفيين مرموقين، بعضهم من الجيل الأول من الصحفيين الأردنيين الذين كان لهم بصمة واضحة في تطور العمل الصحفي في الأردن.
وبعد عام واحد، أدركت أن العمل الصحفي في مؤسسة رسمية وحده لن يُلبي شغفي في تطوير ذاتي وقدراتي المهنية؛ ذلك أن العمل الرسمي محصور ضمن مساحات محددة، تحكمها في الغالب مواقف الحكومات، وعلاقات الدولة الخارجية، ومصالحها المتنوعة.
ولذلك، فقد حصلت على عمل آخر في صحيفة يومية، بالإضافة إلى عملي في وكالة الأنباء الأردنية. ومن خلال التجربة، تبين لي أن الصحافة اليومية أيضًا تمتلك هامشًا أقل فيما يخص الحرية، مقارنة بالهامش الموجود في الصحافة الأسبوعية، التي كانت تعيش عصرها الذهبي في تلك الفترة.
هذا الأمر دفعني أيضًا للانتقال إلى رحاب الصحافة الأسبوعية، التي وجدت فيها هامشًا أوسع من الحرية، مع تحفظي على أداء بعضها، الذي يُوصم بأنه "صحافة صفراء" تسعى إلى الانتشار على حساب المضمون.
• كيف تطورت خبراتك الصحفية بمرور الزمن؟
- خبراتي في كل من الصحافة الرسمية الحكومية، وتجربتي في الصحافة اليومية والأسبوعية، صقلتني مهنيًا، وأهلتني للعمل مع صحف ومجلات عربية كمراسل لها في عمّان، وهو الأمر الذي تطوّر مع الأيام لأعمل مع فضائيات عربية.
وفي غضون ذلك، تم اختياري برفقة مجموعة من الصحفيين الأردنيين للسفر إلى دولة قطر لتأسيس صحيفة يومية جديدة. وبالفعل، تمكنا من تأسيس صحيفة "الوطن"، التي أصبحت الصحيفة الأولى في قطر خلال أشهر قليلة.
وبعد 14 عامًا من العمل في الصحافة والإعلام داخل الأردن وخارجه، انتقلت إلى مجال العمل الدبلوماسي كمستشار إعلامي لمدة 15 عامًا، حيث عملت مستشارًا إعلاميًا في السفارة الأردنية في لندن – بريطانيا.
ثم انتقلت منها للعمل كمستشار إعلامي في السفارة الأردنية في دمشق، وكنت في الوقت ذاته مسؤولًا عن التعاون الإعلامي بين الأردن وكل من تركيا ولبنان، على اعتبار أن الدول الثلاث متجاورة، مما سهّل تواصلي وحركتي منها وإليها انطلاقًا من دمشق.
وبعد أن أمضيت هناك خمسة أعوام ونصف، انتقلت للعمل كمستشار إعلامي في السفارة الأردنية في القاهرة، وفي الوقت نفسه كنت مستشارًا إعلاميًا في المندوبية الأردنية لدى جامعة الدول العربية، ولمدة 8 أعوام ونصف.
لقد أكسبني هذا العمل، الذي يجمع بين الدبلوماسية والإعلام، خبرة كبيرة في مجال العمل العربي المشترك، وفي مجال التعاون الثنائي، وربطني بشبكة واسعة من العلاقات في مختلف الدول العربية، وهو الأمر الذي أعتز به أيّما اعتزاز.
التوافق العربي- الكردي
• تعايش العرب والكُرد في جغرافيا واحدة وجمعتهما حضارة مشتركة منذ آلاف السنين... كيف ترون تأثيرات التوافق العربي- الكردي على قضايا الشرق الأوسط؟
- الشعب الكردي مكون أصيل من مكونات منطقة الشرق الأوسط، ووجوده المكثف في أربع دول في المنطقة (تركيا، إيران، العراق، سوريا) هو خير دليل على ذلك.
وفي سياق التوافق العربي- الكردي، فأنا من أنصار هذا التوافق في شتى صوره، وفي جميع أشكاله؛ لأنه يصب أولًا وآخرًا في الأمن القومي العربي، الذي نتحدث عن أهميته للجميع ليل نهار.
فالعلاقة التي تربط الشعبين العربي والكردي هي علاقات تاريخية وثيقة، وما شهدناه في بعض المراحل التاريخية من حالات خلاف أو تنافر، كان سببه الأنظمة السياسية، وليس مواقف الشعوب العربية والكردية من بعضها البعض.
أعتقد أن الاعتراف بخصوصية الشعب الكردي في الدول العربية، واحترام تاريخه وهويته وثقافته واحتياجاته، وتعزيز التنمية في مناطقه بمختلف أشكالها، ضمن الدولة الوطنية الموحدة، هو أمر في غاية الأهمية، إذ يُغلق أبواب الإقصاء، وينفي الشعور بالمظلومية، وينهي سلوكيات "التدخل الخارجي" الذي لا يهدف في نهاية المطاف إلا إلى خدمة أجنداته ومصالحه.
إن اندماج مصادر القوة لدى الشعبين العربي والكردي، وتمازج ثقافتهما، سينتج عنه إبداعات قد تكون غير متوقعة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
• هل ينجح الأتراك والكرد في التوصل إلى سلام حقيقي بعد 40 سنة من الصراع الدموي؟ وهل يمكن أن نرى الزعيم الكردي عبد الله أوجلان حرًا طليقًا؟
- تطورات الأوضاع خلال الفترة الماضية تشير إلى أن الصراع التركي–الكردي قد وضع قدمه على طريق السلام، الذي ينهي عشرات السنين من الحرب وويلاتها، والمعاناة وتفرعاتها على جميع الصعد وفي مختلف الاتجاهات.
وليس بمقدوري أن أتنبأ إن كان السيد عبد الله أوجلان سيكون حرًّا طليقًا في نهاية المطاف، لكن خروجه أو بقاؤه في المعتقل لا يُغيّر من حقيقة أنه رجل مُلهم للملايين من أبناء الشعب الكردي في المنطقة والعالم، ومن أنه يحظى باحترام واسع في أوساط أحرار العالم بشكل عام.
"هندسة" الشرق الأوسط
• ما هي أبعاد التغلغل الإيراني في شؤون المنطقة العربية؟ وهل تأثّر هذا التغلغل بما حدث مؤخرًا من خسارة إيران لأذرعها الإقليمية؟
- التغلغل الإيراني في المنطقة كان هدفه واضحًا لدول وشعوب المنطقة، إذ يسعى لخدمة مصالح إيران وتعزيز نفوذها كدولة إقليمية.
ومع حديث بعض المسؤولين الإيرانيين عن سيطرة طهران على أربع عواصم عربية (بغداد، بيروت، دمشق، وصنعاء)، أصبح الحضور الإيراني أكثر رفضًا من قبل الشعوب والدول العربية بشكل عام، ومن قبل شعوب الدول المذكورة بشكل خاص.
وبالنظر إلى موازين القوى على الأرض اليوم، وفي ضوء الضربات الاستراتيجية التي تلقتها إيران في الجولة الأولى من الحرب –وخاصة الاختراق الاستخباري– وخروجها من سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وخسارة التواصل الجغرافي الممتد من بحر قزوين إلى شواطئ المتوسط، وتقييد وتقويض قدرات وتحركات "حزب الله" في لبنان، والكمون الإجباري الفعلي للتنظيمات العراقية الموالية لها (رغم التهديدات الإعلامية الصادرة عنها)، وضبابية المستقبل بالنسبة لفعالية وردود أفعال "الحوثيين"، فإن مساحات المناورة أمام إيران تبقى "ضعيفة"، في ظل الفُجور الإسرائيلي في الخصومة معها، وتماهي واشنطن مع هذا التوجه، والانحياز الأوروبي للمحور الأمريكي، وعدم استعداد موسكو وبكين للتضحية من أجل طهران.
• ما هي التطورات المتوقعة على الملف الايراني؟ وهل سنشهد جولة ثانية من الحرب مع إسرائيل؟
- لا تزال معطيات البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية تؤكد أن منطقة الشرق الأوسط لن تنعم بالاستقرار قبل أن يتم الانتهاء من "هندسة" جميع الملفات العالقة والقضايا الخلافية، وفقًا لأهداف ومخططات القوى المهيمنة عالميًا، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل.
فمع انتهاء القصف المتبادل ضمن الجولة الأولى من الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، بدأ واضعو السياسات والمخططات الاستراتيجية، من سياسيين وعسكريين في واشنطن وتل أبيب، مرحلة "العصف الذهني" لدراسة جدولة الصراع، من حيث الشكل والتوقيت ومسرح العمليات في المرحلة الثانية من الحرب ضد طهران، والتي من المرجّح أن تكون حربًا هجينة وممتدة تُدار بالوكالة، في ظل عدم تحقق النتائج المرجوة، سواء المُعلنة أو الخفية، خلال حرب الاثني عشر يومًا.
• وكيف يمكن حدوث ذلك؟
- ليس من المستبعد أن تُعيد الأحداث إنتاج نفسها خلال الأشهر المقبلة؛ فالجولة الأولى من الحرب وقعت بينما كان الجميع ينتظر انعقاد الجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية–الإيرانية في مسقط، وربما تأتي المرحلة الثانية أيضًا بالتزامن مع الحديث عن مفاوضات جديدة مرتقبة بين الجانبين. فهل تُلدغ طهران من ذات الجُحر مرتين؟
في الجولة الأولى، كان تقرير وكالة الطاقة الذرية الدولية السري، وقرار مجلس المحافظين بشأن عدم تعاون إيران مع الوكالة، بمثابة "حصان طروادة" الذي اتخذته إسرائيل مبررًا لشن الهجوم على إيران. والسؤال المطروح الآن: هل سيكون تهديد طهران لمدير عام الوكالة، رافائيل غروسي، ورفضها تقديم تنازلات في ملفيها النووي والصاروخي، هو السكة التي سيمضي عليها قطار المرحلة الثانية من الحرب، ولكن هذه المرة بشراكة إسرائيلية–أمريكية، وبدعم أوروبي مباشر؟
وأعتقد أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن مؤخرًا، والتي استمرت خمسة أيام، ناقشت مخططات وتوقيتات البدء بالمرحلة الثانية من الحرب على إيران، حين يحين أوانها. ومن المتوقع أن تنطلق هذه المرحلة من الأقاليم والمناطق الحدودية ذات الأغلبية غير الفارسية، لا من المركز، الذي سيتم إنهاكه عسكريًا وإجبار النظام على التحصّن فيه، مما يُضعف سيطرته على الأطراف.
لذلك، فإن الاجتماعات التي جرت في واشنطن ناقشت على الأرجح البعدين التاليين:
العمل العسكري المباشر ضد طهران، ولكن ضد أهداف جديدة وبتكتيكات مختلفة.
خطة متزامنة لـ "تثوير" الداخل الإيراني عبر تفعيل أطياف المعارضة، مثل:
المعارضة الكردية
جبهة تحرير عربستان
مجاهدي خلق
الملكيين
التيار الجمهوري العلماني
وغيرها من التنظيمات
كل ذلك بهدف "قضم" إيران من الأطراف.
ومن المحتمل أيضًا -وفقًا للرؤية الأمريكية والإسرائيلية - أن يُحرّك الشارع الإيراني المحتقن، من خلال حراك نسائي–شبابي احتجاجًا على الظلم والاضطهاد. وهذا النوع من الحراك يمنح التحرك طابعًا إنسانيًا يُكسبه تعاطفًا دوليًا، خصوصًا في ظل القمع المتوقع من قِبل السلطات الإيرانية.
إنهاء التهديد الإيراني
• ما هو الهامش المتاح امام ايران في هذه الحالة؟
- طهران، التي تلعب كعادتها على ورقة "شراء الوقت" للوصول إلى النادي النووي ومفاجأة العالم، مستندة إلى خبرتها في ممارسة "التقية السياسية" و"الصبر الاستراتيجي"، تُدرك أن الحرب قادمة لا محالة. لكن هامش الحركة المتاح أمامها محدود جدًا، في ظل غياب الحلفاء.
ولذلك، فإن صوت طهران ورسائل تهديدها أو مظلوميتها سيبقى حبيس منابرها، دون أن يجد صدى لدى الرأي العام العالمي، ولن يُصغِ إليه أحد، مهما بلغت مصداقيته.
كما أن الموقف الأوروبي بعد الحرب الأخيرة لا يزال يسير في الفلك الأمريكي، ويتبادل الاتهامات مع إيران. وقد أعادت الدول الأوروبية الفاعلة، ممثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا، تهديداتها بالعودة إلى فرض العقوبات على طهران في حال لم تستجب لمطالب المنظمة الدولية.
• ما هي فرص توقيع اتفاق نووي مع إيران؟
- رغم تصاعد وتيرة "الضجيج" والتهديدات المتبادلة – سواء المباشرة أو غير المباشرة – فإنه لا يمكن استبعاد احتمال التوصل إلى اتفاق في "اللحظة الأخيرة" بين واشنطن وطهران. لكن هذا الاتفاق – في حال حدوثه – سيكون بشروط إذعانية من الجانب الإيراني، الذي سيحاول إنقاذ ماء وجهه، تفاديًا لاثنين من أسوأ السيناريوهات:
هجوم عسكري جديد (إسرائيلي بدعم أمريكي–أوروبي) يدمر منشآته الحيوية ويُهشم هيبته.
حصار اقتصادي خانق يزيد إنهاك الاقتصاد الإيراني ويُزعزع تماسك الجبهة الداخلية، التي تتوق أصلًا للتخلص من النظام.
ومن الآن وحتى الوصول إلى تلك الحرب أو التسوية – بكل ما تحمله من احتمالات ضعيفة – سيستمر حديث إيران عن امتلاكها "مفاجآت"، بالتوازي مع إصرار إسرائيل والولايات المتحدة على إنهاء التهديد الإيراني. وستبقى هذه التصريحات تحتل عناوين الأخبار والشاشات، في إطار "جس نبض" دعائي–إعلامي، يُعد جزءًا من الحرب النفسية.
لكن الاتفاقات الجدية قد تُبرم في "غرف مظلمة" بعيدًا عن أعين الشعوب، التي لا ترى عادة إلا نصف الحقيقة أو ربعها – على طريقة قصف إيران لقاعدة "العديد" في قطر.
مُحددات الموقف العربي
• ما هي محددات الموقف العربي والدولي من هذا الملف ؟
- بالنسبة للعرب، فإن مصلحتهم الاستراتيجية تقتضي ألا يكون هناك "رابح" في هذه الحرب، حتى يبقى عامل الردع قائمًا بين الطرفين، ويصب في النهاية في صالح الأمن القومي العربي. لذلك، سيبقى الأداء الرسمي العربي – كما كان في الجولة الأولى – محايدًا، قلقًا، ومترددًا في التعبير عن نفسه بوضوح.
أما رد الفعل الشعبي، فسيظل في معظمه مشتتًا، فاقدًا للبوصلة، ويُعبّر عن ذاته أحيانًا بطريقة سطحية.
ورغم أن غالبية العرب يؤمنون بضرورة أن يكون البرنامج النووي الإيراني سلميًا – خشية أن يكونوا أول ضحاياه في حال تحول إلى عسكري – إلا أنهم يشعرون بنوع من الغضب والغبن، عندما يرون نفاق المجتمع الدولي وصمته عن الترسانة النووية الإسرائيلية، إضافة إلى تقاعسه المزمن عن اتخاذ أي خطوات عملية تجاه القضايا العربية والإسلامية، كما يحدث في غزة من قتل وتشريد وتجويع منذ عامين.
أما على الجبهة العالمية، فإن الحياد السلبي سيبقى هو سيد الموقف. فمعظم دول العالم تنأى بنفسها عن هذا الملف، وتكتفي بإبداء رغبتها في لعب دور الوسيط أو تقديم جهود لوجستية لتسهيل التفاوض، كما هو الحال في الموقف الروسي، الذي عبّر عن رغبته في نقل اليورانيوم الإيراني المخصّب إلى أراضيه، ودعمه لتوقيع اتفاق أمريكي–إيراني.
أرشيف المخابرات السورية
• حذرتم في مقال لكم من خطورة وصول أرشيف المخابرات السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد إلى جهات إقليمية ودولية... لماذا؟
- نعم، لقد نبهت إلى مسألة بالغة الأهمية، وهي موقع "أرشيف المخابرات السورية" بعد سقوط نظام بشار الأسد، ومن يملكه حاليًا: هل لا يزال في حوزة السلطة الجديدة؟ أم تم نقله إلى أطراف ثالثة؟ ومن هي؟ وما تأثير هذا الأرشيف خلال المرحلة المقبلة؟
تكمن خطورته في أن الجهة التي تسيطر عليه تستطيع كشف علاقات النظام السابق الخفية وتعاملاته داخليًا وخارجيًا، مما يمكنها من ابتزاز الخصوم الإقليميين والدوليين.
ومن المنطقي أن يحتوي الأرشيف – الذي يزيد عمره على 55 عامًا – على معلومات حول التعاون الأمني السري بين النظام السوري وأجهزة ودول عربية وغربية، وكذلك مع حركات وتنظيمات إرهابية.
ومن المؤكد أن من يمتلك هذا الأرشيف، سواء حصل عليه عبر "صفقات سياسية" أو "دعم لوجستي" أو حتى شراء بالمال، سيكون بيده ورقة ضغط قوية، تمكّنه من فرض نفسه لاعبًا رئيسيًا في مستقبل سوريا.
تجربة هيئة الإعلام الأردنية
• نرجو إلقاء الضوء على تجربتكم الثرية في منصب مدير عام هيئة الإعلام الأردنية... ولماذا تقدّمتم بالاستقالة من هذا الموقع الإعلامي؟
- كانت تجربتي كمدير عام لهيئة الإعلام في الأردن تجربة ثرية في كل تفاصيلها. فقد كانت الهيئة مسؤولة عن جميع وسائل الإعلام الرسمية والأهلية، سواء كانت محطات فضائية أو إذاعية، أو صحفًا ومجلات يومية وأسبوعية، أو مراكز أبحاث ومواقع إخبارية إلكترونية. كما كانت مسؤولة عن الإعلام الخارجي، سواء العربي أو الدولي، العامل على الساحة الأردنية.
وقد تطلبت هذه المهام الكبيرة والمتعددة منّي بناء شبكة علاقات إيجابية ومهنية مع معظم من يديرون ويعملون في هذه المؤسسات، وهي العلاقات التي مكنتني – بحمد الله – من إنجاز العمل على أفضل صورة ممكنة، وبما يحقق مصالح الجميع، المؤسسة، والشركاء.
وهناك سبب آخر لاعتزازي بهذه التجربة، يتمثل في أنني توليت هذا الموقع ليس عبر الطريقة التقليدية بالتعيين، وإنما من خلال "مسابقة" تضمنت امتحانات ومقابلات للحصول على الوظيفة، وقد تقدم لها ثلاثون شخصًا، وكانت النتيجة أنني حصلت على المرتبة الأولى، ومن ثم جرى تعييني مديرًا عامًا للهيئة.
• صدر لكم كتاب بعنوان "لعبة الوهم: الإسلام بين الغرب والإرهاب" بالاشتراك مع الباحث المصري الدكتور كامل فتحي... ما أهم الطروحات التي يقدمها الكتاب خصوصًا بشأن دور العامل الخارجي في ظهور وتطور التنظيمات الإرهابية؟
- كتاب "لعبة الوهم: الإسلام بين الغرب والإرهاب"، الذي أصدرته في العام 2018 بالاشتراك مع زميلي الباحث المبدع المصري الدكتور كامل فتحي، هو – بالنسبة لي – كتاب مميز بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكنه للأسف لم يجد حظه من الاهتمام عربيًا، شأنه في ذلك شأن غالبية الأعمال الإبداعية العربية في مختلف المجالات.
فهذا الكتاب، الذي صدر قبل ثمانية أعوام، تنبأ بوضوح بما جرى في سوريا منذ بداية هذا العام؛ إذ ورد فيه نصًّا أن "جبهة النصرة" ستُغيّر خلال السنوات القادمة توجهاتها واسمها ومواقفها السياسية، من أجل أن تكون مقبولة من الأطراف الدولية، وأنه سيكون لها الدور البارز في قيادة سوريا الجديدة.
وتنبأ الكتاب أيضًا بأن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بدعم من أطراف عربية ودولية، ستعملان على قطع التواصل الجغرافي الذي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا، وهو ما تحقق فعليًا من خلال التغيير الذي حدث في سوريا.
وعبر دراسة علمية وأكاديمية، أكد الكتاب أن 14٪ فقط من قادة التنظيمات الجهادية هم من درسوا العلوم الشرعية للدين الإسلامي، مما يُثبت أن الجهل هو أقصر الطرق إلى التطرف، ومن ثمّ الإرهاب.
ونعمل الآن – أنا وزميلي الدكتور كامل فتحي – على إصدار الكتاب باللغة الإنجليزية، بعد أن تم الانتهاء من ترجمته ترجمة احترافية. واللافت في هذا السياق أن مكتبة الكونجرس الأمريكي اشترت 23 نسخة دفعة واحدة من المكتبة التي كانت تتولى بيعه.