الخميس, 21 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

إيران.. الموقف من الانقلاب في تركيا يعكس انقلابًا دمويًا سيلتهم فتيان الثورة

آراء وأقوال - يعقوب زرقاني* | Wed, Jul 27, 2016 9:10 PM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

روحاني، لاريجاني: «زمن الانقلابات العسكرية قد ولّى»، روحاني، ظريف: «صناديق الاقتراع كفيلة بحل كل المشكلات وذلك يتمثل باتباع الديمقراطية واحترام الشعب»، لاريجاني، شمخاني: «تواجد الشعب التركي الواسع في الساحة دافع عن الأمن والاستقرار والديمقراطية في هذا البلد»، شمخاني: «إن إرادة ومطلب الشعب هو المعيار الأكثر أساسيا لاي تطوّر سياسي في الدول والمبدأ الأوّلي هو دعم الحكومة الشرعية ورفض الانقلاب مهما كان أساسه».

هذه كانت أبرز المواقف الديبلوماسية الرسمية الإيرانية من الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، والتي تمثلت بإعلان الحكومة الإيرانية تأييدها المبكر والمفاجئ للحكومة التركية المنتخبة رغم الصدام السياسي والفكري والثقافي والعسكري غير المباشر بين البلدين، وكذلك قبل أن تتضح لمن ستكون الغلبة في تركيا، في حين أن السبب الأخير جعل دولًا عظمى تعتبر حليفة لتركيا في أن تتلكأ بإدانة الانقلاب، وهي مواقف لا يرقى إليها الشك أنها رسائل سياسية داخلية خاصة بالشأن الإيراني بإمتياز، وجدت الفرصة أثناء الانقلاب في تركيا فظهرت إلى العلن، فمن يقرأ تصريحات هؤلاء الأربعة (غير محسوبين على الحرس)، يعلم أنهم إنّما يخاطبون رجال المرشد الأعلى الإيراني، ومن ورائهم قادة الحرس الثوري على وجه التحديد، وهي تصريحات تنذر بوجود انقلاب دموي آت سوف ينفذه الحرس على كامل العملية «الديمقراطية الإيرانية» رغم أن الأخيرة ليست سوى مهزلة انتخابية مقارنة مع «الديمقراطية التركية»، وذلك بسبب مجلس «صيانة الدستور» الذي يقوم قبل كل عملية انتخابية بغربلة قوائم المرشحين المفترضين لكي تضمن المؤسسة الملليّة الحاكمة (حوزة قم والمرشد الأعلى والحرس والبسيج) أن لا خطر من صناديق الاقتراع على «الجمهورية الإسلامية» في إيران. في مقابل هذه التصريحات، برزت تصريحات في تضاد من الأولى وذلك على لسان ساسة «حراس الثورة»، تناغمت واحدة مع تصريح لسيرغي لافروف، حيث قال رئيس جهاز المخابرات الإيرانية «اطلاعات» بأنه يتمنى «لتركيا الأمن والاستقرار»، وهو تصريح يعكس تأييداً غير مباشر للانقلاب، وآخر في صحيفة «كيهان» لسان حال المرشد الأعلى، اعتبر أن ما جرى انقلاب مفبرك، وآخر تجلّى على لسان القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي، أظهر شماتة واضحة بالرئيس أردوغان، قائلًا: «الحكومة التي تبتعد عن شعبها وتقترب من إسرائيل واميركا تزول بنسمة هواء» أردوغان أنموذجًا. في حين أن نائباً غير معروف عن أحد الأقضية في إحدى المحافظات الإيرانية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني عن المتشدّدين، وعضو هيئة الرئاسة بنفس المجلس، ذهب أبعد في الشماتة، والأكيد أن هنالك من لقمه ما يقول، تعليقًا على الانقلاب حين قال ان «تركيا نموذج لدول تبدو لامعة وبرّاقة، لكنّها تفتقر للوحدة المؤسساتية والترابط بين أجهزتها الداخلية، وهي دول متهاوية ومهزوزة من الداخل»، متسائلًا: «كيف لهذه الدول أن تحاول الإخلال في مسيرة عمل الدول الأخرى، في حين تغفل عن أنّها متضعضة من الداخل»، واستدرك قائلا: «نحمد الله أن إيران واحة من الأمن والاستقرار في هذا المحيط الفوضوي والمشتعل»، ورادّا هذا الاستثناء الإيراني «للقوات والأمن الإيرانيين»، وهي رسالة مباشرة من الحرس الثوري أن من يسيطر على الأرض ويتحكّم بالوضع وله القول الفصل في إيران ليس صناديق الاقتراع، وإنّما صناديق الرصاص، وفي ذلك تلميح لما جرى في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2009م. هذه التصريحات الإيرانية المتناقضة تظهر أن كلا المعسكرين الإيرانيين، المتشدّد والذي اصطلح على تسميته بالإصلاحي، يتوجس من المستقبل، خصوصا أن كبيرهم مودع، وحتى الآن لا يوجد اتفاق مبدئي فيما بينهم على من سيخلفه، فكيف بالإجماع، على شخصية من فتيان الثورة يجلس على كرسي المرشد الأعلى ويرث ولاية الفقيه ويبايع خليفة لرعاية الدولة الإسلامية. فرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام «آية الله» رفسنجاني يرى في نفسه «الولي الفقيه قائد الثورة» في حال شغر كرسي المرشد الأعلى بوفاة «آية الله» خامنئي، هذا إن بقي المنصب دستوريّا ولم يوسّع في صورة مجلس ولاية وإرشاد رئاسي، وفي حال لم يحذف كليًا من رأس هرم الحكم الإيراني، بينما يريد معسكر حرس الثورة أن يظل المنصب في حوزة أحد ملاليهم الثقاة ليستكين الأمر لهم ويضمنان السيطرة على مجلس صيانة الدستور (يتكوّن من اثني عشر عضوًا، ستة ملالي وستة دستوريين) الذي يُعيَّن ويُعزَل فقهاؤه الستة من قبل المرشد الأعلى، بالتالي يضمنوا رسم مسار العملية الانتخابية كيفما شاؤوا، ومن ورائها يتاح لهم السيطرة على مجلس الخبراء الذي يُعيِّن الولي الفقيه، الذي بدوره ابتداءً، إضافة لما تم ذكره أعلاه، يضع السياسات العامة للنظام ويشرف على سلامة تنفيذها، يرأس القيادة العامة للقوات المسلحة، يفصل بين السلطات الثلاث، يحتكر قرار إجراء الاستفتاء مرورًا على احتكاره تعيين وعزل كل من:

·مجلس القضاء الأعلى (الموكل له تعيين الأعضاء الدستوريين الستة الآخرين في مجلس صيانة الدستور!)

·رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون،

·رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة،

·القائد العام للحرس الثوري،

·أعضاء مجلس الدفاع الأعلى،

·القيادات العسكرية والأمنية العليا،

·إعلان الحرب والسلام والتعبئة.

·والتوقيع على مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد أن يُنتخب الأخير من قبل الشعب من بين مجموعة مرشحين سمح لهم بخوض الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور إياه، وليس انتهاءً بعزله أيضًا.

إذن بناء على هذا كله، ولأن النظام فصّل على مقاس فرد واحد («آية الله» خميني) لتصبح بيده كل مفاتيح القوة والسلطة لكي يتاح له التحكّم بالنظام وباللعبة الانتخابية، ولأن من خلفه (خامنئي) استطاع تدريجيًا لدرجة ما أن ينتحل حجم خميني، لكي يمسك بزمام الأمور كلها، ولأن من زامنوه وعلى رأسهم رفسنجاني فضّلوا تقاسم السلطة على القتال عليها، ولأسباب أخرى سياسية واقتصادية وإقليمية ودولية، لم تظهر بوادر صدام مسلّح بين الفريقين للسيطرة على الحكم، ذلك أن المذكورين جعلوا من اللعبة الانتخابية مسرح صدامهم وعراكم على السلطة، بيد أن أيام هذه اللعبة قاربت على الانتهاء باقتراب أجل الولي الفقيه، ولأن لا أحد كفؤ متفق عليه بين الفرقاء يستطيع ملء مكان خامنئي عدا رفسنجاني المختلف عليه أصلًا والمرفوض من حراس الثورة، فإن ذلك ينبئ بحصول صدام ما بين الحرس الثوري والتيارات المناوئة له، على خلفية تسمية الولي الفقيه المقبل. وعندما يقول روحاني: «لايزال (البعض) يظن أن بامكانه تغيير السلطة عبر انقلابات عسكرية، ويظن بأنه يمكن إسقاط حكومة منتخبة وشعبية من خلال المدافع والدبابات»، وعند جمع وترتيب كل هذه الأسباب مع بعضها البعض، يمكن حل أحجية الصورة المتفرّقة، التي تظهر لنا صورة المشهد الدموي القادم في إيران، الذي بسببه يمكن درك هذه الهبة الدوبلوماسية السياسية الإيرانية المفاجئة للدفاع عن الشعب والحرية والشرعية الانتخابية في وجه الدبابات والمدافع الانقلابية في تركيا رغم أنها غابت في سوريا ولبنان واليمن، وهي هبّة تحاول قدر الإمكان أن تصنع متأخرًا إدانة دولية قد تدرأ أي محاولة إبادة وتصفية سياسية يمكن أن يتعرض لها الشعب الإيراني مستقبلًا، بعد أن بدأت بعض القيادات السياسية الإيرانية تتحسّس رؤوسها أمام مشاهد حمّام الدم السوري الذي أصبح استنساخه جاهزًا، من الناحية النفسية والسياسية والعسكرية، بمجرد أن يحاول أي طرف في إيران الاحتكام إلى الشعب، مصدر كل السلطات.

*رئيس مؤسسة الدراسات القومية الأحوازية

yaghoub@live.com

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت