الممارسات القمعية التي ينتهجها النظام الإيراني في هذا الوقت بالذات، تعكس ما يدور في أروقة الجهات الأمنية الاستشارية، وتكشف محتوى التقارير الصادرة عن مؤسسة الحرس الثوري لبيت خامنئي، والتي باتت بوضوح تقدم مقترحات لمنع ثورة شعبية قد تنتهي بإسقاط النظام.
وهذا التخوف يظهره السلوك القمعي الممنهج للنظام الإيراني وحرسه الثوري تجاه الشعوب الإيرانية، والذي أصبح أكثر حدة بعد ظهور مؤشرات قرب انفجار شعبي باكورته تلك الاشتباكات التي دارت بين الحرس الثوري ومجموعات إيرانية غير فارسية مسلحة أعلنت رفضها للنظام الفارسي القمعي وقررت الوقوف في وجهه، وخروج مظاهرات سلمية في الأحواز وأصفهان التي انطلقت فيها مظاهرات في يوم القدس رفضاً للتدخل الإيراني تحت شعار “اتركوا سوريا وفكروا بنا نحن”.
لا بد لأي ثورة حتى تنجح أن يكون لها مسببات حقيقية وواقعية تجبر أو تشجع الشعب على الخروج في وجه النظام الحاكم، وقد شهد التاريخ كثيراً من الثورات التي كانت نقطة انعطاف تاريخية في بناء حياة جديدة ودولة مدنية لكافة مكونات المجتمع، وكانت المسببات في تلك الثورات حقيقية وواقعية، تنوعت بين الاضطهاد والقمع والتجويع والفشل في إدارة البلاد …الخ.
والآن فإن الداخل الإيراني يعتبر من أكثر حواضن مسببات الثورة على المستوى العالمي، ويعتبر النظام الإيراني الأكثر قمعاً للحريات والأشد فتكاً بشعوبه، وفشله في إدارة البلاد سياسياً واقتصادياً، داخلياً وخارجياً، أنتج مشاكل حياتية أصبح من الصعب التعايش معها، وأحدث نوعاً من الانقسامات بين التيارات السياسية الإيرانية وفجوة كبيرة بين الشعوب الإيرانية والنظام الفارسي.
صحيح أن النظام الفارسي استطاع بطرق عدة أولها السماح بالفساد أن يسيطر على المؤسسة العسكرية، وأسس جيشاً تحت مسمى حرس الثورة الإسلامية، ولضمان ولائه أطلق له العنان في التسلط على ما يزيد عن 70% من الاقتصاد الإيراني، وبهذا يكون قد حمى نفسه من الانقلابات العسكرية، ولكن وبالتأكيد فإنه صنع بصنيعته هذه مسببات لثورة شعبية قد تندلع في أي وقت بسبب ما تعانيه البلاد من فساد سياسي واجتماعي وأخلاقي، والمجتمعات من فقر وبطالة وانتشار للجرائم، وما يتعرض له المواطن الإيراني من قمع الحقوق والحريات.
وفي الآونة الأخيرة ازداد تخوف النظام الإيراني والحرس الثوري من اندلاع ثورة شعبية، وخاصة أن شرارات الحركة الخضراء التي شهدتها إيران عام 2009 لم تخمد حتى الآن، رغم الاعتقالات والإقامات الجبرية والتعذيب، ولهذا يبدو أن النظام الإيراني بدأ يتخذ إجراءات استباقية لمنع وقوع احتجاجات في البلاد، وبأساليب أكثر قمعية، إذ باشرت السلطات الإيرانية موجة جديدة من الإعدامات شملت 30 شخصاً في مختلف المدن الإيرانية خلال الفترة بين 11 و17 من الشهر الحالي، أي في أقل من أسبوع، مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بالانقلاب الذي حدث في تركيا.
ويؤكد المراقبون أن النظام الإيراني بدأ يصعد في هذه الأساليب القمعية التي تعتبر الإعدامات والاعتقالات جزء منها بهدف احتواء الاحتجاجات المتنامية في عموم البلاد والسيطرة بالقوة والقبضة الحديدية عليها، ويزداد قلقه يوماً بعد يوم مع تنامي حالة الخوف من سخط شعبي في ظل عجزه عن تلبية أبسط مطالب المواطنين الإيرانيين لاسيما الشرائح المحرومة والفقيرة والشعوب الإيرانية المضطهدة.
وتعتبر إيران ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الإعدامات بعد الصين، ويعتبر قانون تنفيذ الإعدامات في إيران سياسية ينتهجها النظام الإيراني في تصفية معارضيه والخلاص من مناوئيه، وازدادت حالات الإعدام في إيران منذ تولي الرئيس الحالي حسن روحاني الحكم في أغسطس عام 2013، واستمرت حالات الإعدام في الإيران تتصاعد، وتعرضت طهران لانتقادات وإدانات دولية وحقوقية واسعة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وارتفاع معدلات الإعدام.
وإلى جانب الإعدامات، فقد بدأت قوات الحرس الثوري مؤخراً بحملة اعتقالات في مناطق كردية شمال غرب إيران، ونفذ حملة مداهمات واسعة في مناطق أشنوية ومهاباد وسردشت وسنندج، اعتقلت على إثرها 20 مواطناً كردياً، وذلك في أعقاب استمرار الاشتباكات بين الحرس الثوري وجماعات كردية مسلحة، وبحسب التقارير، فإن عمليات الاعتقال التعسفي لاتزال مستمرة، حيث تقوم قوات الحرس الثوري باقتحام المنازل والمحال التجارية للبحث عن مطلوبين تشتبه بصلتهم بالبيشمركة الكردية.
وفي الأيام الأخيرة، قامت القوات الأمنية الإيرانية بإرسال رسائل تهديد وتحذير لعدد من الصحافيين في الداخل الإيراني عن طريق هواتفهم المحمولة، حيث حذرت هؤلاء الصحافيين من أي ارتباط أو اتصال عبر البريد الإلكتروني أو أي من وسائل الاتصال مع من وصفها بالجهات المعادية للنظام في إيران، معتبرة ذلك بأنه جرم قضائي يستحق العقاب، وبأن هذا هو الإنذار الأخير.
ويقوم حالياً المتشددون في إيران وبدعم من الحرس الثوري بعرقلة الاتفاق النووي وإفشاله بأي طريقة كانت، فهم يعتبرونه انفتاحاً إيرانياً على الخارج، ويدّعون أن هذا الاتفاق هو محاولة غربية لاختراق إيران، ولكن الواقع أنهم يخشون انفتاح الشعوب الإيرانية على الخارج، لأن ذلك سيكشف حقيقة السياسات الإيرانية وأكاذيب وخداع النظام الفارسي، وسيجعل الشعوب الإيرانية تتطلع إلى حياة كتلك التي يتمتع بها غيرهم.
المصدر|مركز المزماة للدراسات والبحوث