يمثل البحث في الجانب التاريخي قبل البحث في أي موضوع أمر جوهري وأساسي، وان كان التاريخ هو التاريخ المعاصر كما هو الحال في موضوعنا، وذلك لكي لا يدعي مدع ان هذا لم يحصل، ومنها ننطلق لوضع معايير للتقييم، ومن ثم البحث بالتوجهات التي عشناها وكنا شهود عليها للقوى السياسية السنية خلال السنوات الماضية والتي سنطلق عليها مشاريع، ومن خلال هذه القراءة نحاول في النهاية الوصول إلى قرار أو بيان هل هي مشاريع موجهة وقادرة على الاستمرار، أم مجرد هي تصورات أراد أصحابه الدخول في معترك السياسة دون ان يعدو لعدة لها، ولذلك ففي هذه الحلقة من هذه السلسلة سنقدم قراءة تاريخية مختصرة وشاملة للسنوات الماضية.
فتاريخيا ننطلق لهذه المرحلة من مجلس الحكم وهو أول لبنى في العملية السياسية الحالية، والتي بدأت بعد انتهاء مهمة الحاكم الأمريكي (العسكري (جي كارنر) ومن ثم المدني (بول بريمر) ومثل فيه أهل السنة (والمفترض بهم من العرب السنة) بـ(5)، واهم هذه الشخصيات (محسن عبد الحميد) كردي وهو الأمين العام للحزب الإسلامي، وهم الوحيدون كما تشير المصادر والجهات المقربة منهم إلى أنهم قد شاركوا في مؤتمري (لندن وصلاح الدين) لما سميت بالمعرضة لحكم لبعث، و(غازي عجيل الياور) شيخ عشيرة ومقرب من السعودية، (الباججي) يفترض به مستقل ومقرب من الإمارات.
ومن خلال هذا المجلس تم تشكيل حكومة (أياد علاوي) والتي مثل بها السنة بعدد من الوزراء وبنفس النسب في مجلس الحكم وهي (20%)، وكان رئيس الجمهورية (غازي الياور)، وعملت هذه الحكومة على إجراء انتخابات قاطعها العرب السنة (كانون الثاني 2005)، لأسباب مبدئية شرعية وقانونية ووطنية، وأخرى كانت لأسباب انتخابية، ومثل ذلك مقاطعة الحزب الإسلامي المشاركة فيها بعد ان كان قد قرر المشاركة فيها وبفعالية كبيرة، إلا انه وبسبب خيانة الأمريكان للاتفاق الذي عقد على خلفية معركة الفلوجة الأولى وبضمانة الحزب الإسلامي ورئيس المفاوضين فيها كان (حاجم الحسني)، ومن الشروط التي وضعها الحزب الإسلامي انه لن يشارك في أي عملية سياسية في حال نقض الاتفاق، فكانت المعركة الثانية، والتي على أثرها انسحب الحزب من الانتخابات بعد ان كان قد قدم قائمته للمشاركة فيها، فيما شارك فيها (حاجم الحسني) التركماني بقائمة ملحقة، وشارك في الانتخابات بعض الشخصيات بقوائم وفق القائمة المغلقة والموحدة لجميع العراق حيث اعتبر دائرة انتخابية واحدة، وهو النظام الذي يطبق فقط في الكيان الصهيوني، وقدم البعض أنفسهم مع القوى الشيعية، وكان عدد النواب المطلوبين (100) نائبا، ففاز فيها (17) شخصا ممن دخلوا بسم أهل السنة العرب، منهم ثلاثة في القائمة الشيعية منهم: (فواز الجربا ومضر شوكت)، وفيها شكلت حكومة (إبراهيم الجعفري) وتسلم (حاجم الحسني) رئاسة ما سمي بالمجلس الوطني، وجلال طلباني رئاسة الجمهورية، فكانت النسبة هي (17%).
وهذا المجلس هو من كتب الدستور ولان العرب السنة لم يشاركوا في لجانه فقد تم إلحاق (5) أشخاص يفترض بهم ان يكونوا مستشارين، ولكنهم وكما صرحوا لم يكن يؤخذ رأيهم بأي قضية، واستلم كل واحد منهم مبلغ (50) ألف دولار على منحه الشرعية لمن كتب الدستور، وهو الدستور الذي صوت عليه رغم كل ما فيه من عيوب وثغرات وكان يمكن للدستور ان لا يمرر من اللجنة لاعتراض العرب السنة على مسودته، وان مرر فباعتراض أهل السنة ورفضه بالاستفتاء ستسقط المسودة، إلا انه وفي ليلة التصويت وقع (طارق الهاشمي) الأمين لعام الجديد للحزب الإسلامي على المسودة، فكانت إيذانا منهم لأتباعهم بالتصويت بنعم وان قال هو في ليلتها لكم الحرية في التصويت، ولكنه في النهاية مرر بعد عملية تزوير مكشوفة وصمت من وقع على المسودة.
وعلى ضوء ذلك جرت انتخابات ثانية في عام 2005 وذلك في كانون الأول، وكان عدد النواب المطلوبين (250) عضوا، ودخل فيها العرب السنة بكثافة لم تشهدها أي انتخابات لاحقة، وكان ذلك للرد على جرائم حكومة (الجعفري) التي استباحت مع الأمريكان كل محرم، وكانت القوى السنة قد شاركت وبقوائم مغلقة ضمن دوائر انتخابية للمحافظة الواحدة، وكانت القوى السنية الأكثر تأثيراً وحضوراً على المشهد السياسي هي: الحزب الإسلامي، مؤتمر أهل العراق (عدنان الدليمي)، وجبهة الحوار والتي انقسمت إلى قسمين جناح (خلف العليان) والذي أصبح ضلع بهذا المثلث وحصلوا على (44) مقعدا، فيما شارك (صالح المطلك) بقائمة منفردة وحصل على (11) مقعدا، فيما شارك البعض ضمن قائمة (أياد علاوي)، وفاز عدد منهم، وكانت النسبة أكثر بقليل من (20%) بقليل، وكانت هذه النسبة بسبب صمت هذه الجهات على التزوير الكبير الذي شاب العملية الانتخابية، ومع خروج مظاهرات هي الأكبر لأهل السنة في بغداد رضخ قادة جبهة التوافق على عملية التزوير والتي أقرت بها جميع الهيئات والمنظمات التي أشرفت عليها، ومنها الأمم المتحدة، ولكنها وحسب ما صدر “صعوبة تحديده لحجمه لكبير والمنظم”!!!، ومن ثم الانتكاسة الثانية كانت عند عدم استثمارهم قرر المحكمة الاتحادية بتصحيح عدد المقعد للمحافظات السنية وهي (12) مقعداً، وكما هو واضح فانه تسحب من باقي المحافظات فيكون الفارق (24) مقعدا تضاف لما ذكر هذا دون احتسب التزوير. فتشكلت حكومة (المالكي) الأولى وفق المحاصصة الطائفية فكان (طارق الهاشمي) نائب رئيس الجمهورية، و(محمود المشهداني) ((السلفي)) رئيس البرلمان، وعدد من الوزراء وفق نفس النسبة.
والأمر نفسه تكرر في انتخابات (2010) ولكن هذه المرة بعد ان استشعر الحزب الإسلامي خسارته انسحب الكثير من أعضائه لينضموا إلى تكتل (علاوي) العلماني، فيما تبخر أتباع مؤتمر أهل العراق بعد مغادرة (عدنان الدليمي) للعراق بعد اعتقال اثنين من أبنائه، وهذه الحقيقة تؤكد ما كنا بيناه في حينه ان الحزب الإسلامي ادخل أعضائه في المؤتمر وبشكل أكثر يمكن القول جميع النساء، وحصل التكتل الجديد على أكثر من (90) صوتا، ولكن ولسيطرة (المالكي) على المحكمة الاتحادية تم الإعلان على كون الائتلاف الشيعي هو الكتلة الأكبر، والذي اندمج بعد ظهور الانتخابات وقبل انعقاد أي جلسة، وفي انتخابات (2014) وبعد صدور مذكرة اعتقال بحق (طارق الهاشمي)، برز اسم (أسامة النجيفي) على الساحة وبشكل كبير وليس ضمن محافظة نينوى فقط، بعد ان شغل منصب رئيس البرلمان في حكومة (المالكي) الثانية، وبعد الاعتراض على (المالكي) شكل (العبادي) الحكومة، وهو الثالث من حزب الدعوة بعد (الجعفري والمالكي)، ويتضح من هذه القراءة التاريخية ان من شارك في العملية السياسية من أهل السنة كانوا دائما تبعا لقرارات ومتطلبات الآخرين، فلم تكن لهم مساهمة تذكر بأنهم اجبروا الآخرين على السير معهم فيما يريدون تطبيقه، حتى بعد ان تم تجريد البرلمان حق اقتراح القوانين، وشارك كل من شارك في الانتخابات مرارا أو لمرة واحدة في صدور قوانين ضد أهل السنة من قانون الإرهاب بالرقم 13 لسنة 2005، وسلسلة قوانين الاجتثاث، ومن القرارات تلك التي سحبت أملاك الأوقاف وتسليمها أو بيعها للوقف الشيعي، الخ من القرارات المجحفة.
المصدر| مؤسسة أبعاد البحثية