يراقب حزب الله اللبناني عن كثب تطورات المعركة المفتوحة بين تركيا والأكراد في شمال شرق سوريا بقلق شديد وامتعاض من التقاطع الروسي الأميركي الذي سمح لتركيا بخوض حملته العسكرية شرق الفرات. ومرد توجس حزب الله من تسارع التطورات في سوريا إمكانية أن تعزز هذه الحرب الجديدة أدوار أنقرة مما سيحد بالتالي من نفوذ إيران وميليشياتها.
تتجه أنظار العالم وخاصة الأطراف الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط إلى ما يحدث من تطورات في شمال شرق سوريا بعد بدء تركيا في حملة عسكرية في شرق الفرات.
ويعد حزب الله اللبناني من بين أكثر الأطراف التي تبدي قلقا كبيرا من تداعيات الحرب الجديدة في شمال شرق سوريا، خاصة أنه من أكثر داعمي نظام بشار الأسد.
وكشفت مصادر مطلعة في لبنان أن حزب الله يشعر بأن التقاطع الروسي الأميركي على السماح لتركيا بخوض هذه الحملة، سيؤدي إلى تعزيز دور تركيا وترجيح كفتها في سوريا، ما سيساهم أيضا في تعزيز الجهود المتعددة الأطراف التي تعمل على تقليص نفوذ إيران وميليشياتها في هذا البلد.
وتنقل هذه المصادر عن أوساط حزب الله أنه يراقب عن كثب التطور في شمال سوريا من ضمن المشهد الإقليمي العام، ويرى أن الإجراء العسكري الذي لم تعترض عليه روسيا، على الرغم من اعتراض إيران، شريكة الدولتين في عملية أستانة، يطرح أسئلة حول ما تخطط له موسكو في سوريا ولبنان معا.
ويسعى حزب الله إلى الاستفادة من النظرية التي يروج لها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري حول أن مشكلة الحزب “إقليمية”، للاستفادة من هذه “الترقية” والتخاطب مع العالم وفق هذا المعطى الذي تعترف به الدولة اللبنانية، بشخص الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون.
ويقر الحزب أنه أداة مخلصة من أدوات الحرس الثوري الإيراني والسياسة الخارجية لطهران في الإقليم والعالم. غير أن بعض الآراء ترى أيضا أن للحزب أجندته الذاتية التي يعوّل عليها لتدعيم نفوذه وتمدده في الداخل اللبناني.
ويعتبر الحزب أن التمدد التركي في سوريا يأخذ اعترافا شرعيا على منوال ذلك الروسي والإيراني في هذا البلد، وأن حضور تركيا الدولة إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإيران، سيعجل من انسحاب الميليشيات، التي يعتبر حزب الله أنه أهمها ومن واجهاتها، لصالح تسويات تستخدم الجيوش المباشرة.
وتقول أوساط لبنانية متابعة إن الضجيج في شمال سوريا قد غطى على الجلبة المتعلقة باحتمالات الحرب والسلم مع إسرائيل، والتي كانت تتيح لحزب الله لعب دور محوري فعال في هذا الصدد. وتضيف أن الحدث السوري الجديد يعزز دور إسرائيل في سوريا، بصفتها دولة تتمتع بعلاقات مع كافة الدول المنخرطة ميدانيا داخل سوريا ما عدا إيران، ما يجعل من الجراحة التركية في الشمال متكاملة مع تلك التي تمارسها إسرائيل في الجنوب بموافقة أميركية وبتواطؤ روسي لا لبس فيه.
وترى مصادر دبلوماسية في بيروت أن منابر حزب الله السياسية والإعلامية تكثف خطابها لإدانة الهجوم التركي شمال سوريا ضد الإدارة الذاتية التي يديرها الأكراد شمال شرق البلاد، في سعي لتكون جزءا من الحملة الدولية والعربية المجتمعة على إدانة السلوك التركي ووصفه بالعدوان وفق الأبجديات العربية الأوروبية.
وتقول هذه المصادر إن الحزب الذي يعاني من تداعيات موجعة جراء العقوبات الأميركية، يسعى من خلال موقفه المعادي لتركيا لمجاراة الجو العدائي الذي عبّر عنه الكونغرس الأميركي ضد أنقرة كما ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصيا.
ويأمل الحزب من خلال هذا الحدث في استكشاف إمكانات فتح حوار مع الإدارة الأميركية يكون مستقلا عن النزاع بين واشنطن وطهران، والذي قد يجد مسارات تسوية يدفع حزب الله نفسه ثمنها.
ولفت المراقبون إلى أن الحدث السوري من بوابة الحملة التركية لا يحمل ماء إلى طاحونة حزب الله في السعي للتخلص من نير العقوبات الأميركية والضغوط الدولية التي تمارس على شبكاته الأمنية والمالية في العالم.
إلا أن هؤلاء لفتوا إلى أن حزب الله العاجز عن توفير أي دفاعات في مواجهة الغضب الأميركي، يسعى إلى التلويح بورقة النازحين وقذفها بوجه دول الاتحاد الأوروبي، وهو أمر تحدث عنه بصريح العبارة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الله في مجلس النواب اللبناني، النائب محمد رعد.
واستغربت أوساط دبلوماسية هذه المفارقة بين حزب الله وتركيا في تناقض مصالحهما في داخل سوريا، لاسيما إثر العملية العسكرية التركية التي بدأت الأربعاء من جهة، وبين اتفاقهما على تهديد الاتحاد الأوروبي بفتح أبواب النزوح أمام اللاجئين السوريين باتجاه القارة القديمة من جهة ثانية.
وتخلص مراجع سياسية لبنانية إلى أن حزب الله، وإزاء أي تطور يتعلق بتنامي الضغوط عليه في سوريا وتنامي مستوى العقوبات التي تستهدفه وتهدد ديمومته، مازال يمتلك ورقة التلويح بتهديد أمن إسرائيل، وهو ما برح يذكر في كل المناسبات بامتلاكه عشرات الآلاف من الصواريخ التي يلمح إلى قدرته على استخدامها.
وتقول هذه المراجع إن أمين عام الحزب الذي سبق أن جاهر بأن حزبه سيتدخل في حال تعرضت إيران لأي حرب، يبعث برسائل ضمنية عن جهوزية الحزب لخوض حرب موجعة ضد إسرائيل في حال شعوره أن التطورات الدولية تهدد وجوده. وينتهز حزب الله فرصة اهتمام العالم بسوق الطاقة في شرق المتوسط للتصويب على إمكاناته في تعطيل هذا القطاع الواعد والمهم لشركات النفط في العالم، سواء بالتهديد بضرب المنشآت النفطية الإسرائيلية، أو بتعطيل المساعي الأميركية التي يقودها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر لإنهاء النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل والذي يعطل العمل في حقول الغاز داخل المياه الحدودية للبلدين.
ويسعى حزب الله للاستفادة من خلافات عدة دول متنازعة مثل قبرص واليونان ومصر مع تركيا في هذا المجال، لربطها بتناقض مصالحه الذاتية مع تركيا، بغض النظر عن موقف طهران المعارض للحملة التركية في سوريا.