<< المحتجون العراقيون الغاضبون من نفوذ طهران في البلاد يرددون شعار "إيران بره بره.. العراق تبقى حرة"
<< المراقبون السياسيون: طهران تتخوف من إدراك الوعي الشعبي العراقي جيدا لدور الملالي في محنة البلاد
<< مستشار روحاني: إيران اليوم أصبحت "إمبراطورية" كما كانت عبر التاريخ.. وعاصمتها حاليًا بغداد!
<< مجموعات من المسلحين الملثمين المنتمين لميليشيات "الحشد الشعبي" تقتل المتظاهرين في الشوارع
<< صحيفة "لوموند": الاحتجاجات "انتفاضة" ضد سياسات حكومة بغداد التي تضحي بمصالح البلاد لخدمة إيران
كشفت الاحتجاجات الشعبية العنيفة التي تجتاح العراق خلال الأيام الأخيرة، منذ مطلع الشهر الجاري، عن تصاعد حدة الرفض الشعبي للهيمنة الإيرانية على هذا البلد العربي، المنكوب بتدخل ملالي طهران في شؤونه منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وحتى الآن، حيث طالب المحتجون بوضع حد للنفوذ الإيراني في البلاد، ما يؤذن بتحرر المظاهرات أرض الرشيد من الهيمنة الإيرانية.
ورغم أن التظاهرات التى اندلعت في 1 أكتوبر الجاري، انطلقت بشكل عفوي ومستقل عبر دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي، دون أن يتبناها أي حزب سياسي أو زعيم ديني، إلا أن المتظاهرين ركزوا - في المقام الأول- على رفضهم لدور إيران فيما آلت إليه الأوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية المتدهورة، من خلال دعم طهران للأحزاب الموالية لها، والتي تهيمن على السلطة في بغداد.
وحسب خبراء في الشأن العراقي، فإن "العراقيين تنبهوا إلى الخطر الإيراني وتأثيره السلبي على العراق منذ أعوام، والدليل حرق القنصلية الإيرانية العام الماضي، ومظاهرات البصرة ضد الحكومة العراقية قبل عامين، ولكنه الآن وصل لحالة الانفجار".
وتمثلت علامات غضب الشعب العراقي من إيران في الأعلام الإيرانية المحروقة، والهتافات المناهضة لطهران، خلال المظاهرات المستمرة، خاصة أن الشعب العراقي أدرك أخيرا أن إيران هي من أفقرت الشعب العراقي، ونشرت المخدرات، وزرعت الفتنة والميليشيات الإرهابية في البلاد.
ومن مصلحة طهران وقف الاحتجاجات والتظاهرات، متجاهلة مطالب الشعب العراقي، فدولة الملالي تخشى أن تؤدي الاحتجاجات إلى تغيير سياسي يؤدي إلى زعزعة دور ونفوذ رجال الدين المتشددين والميليشيات الشيعية التي تدربها طهران، وتستخدمها في حروبها بالوكالة في المنطقة.
"إيران بره بره"
"إيران بره بره.. العراق تبقى حرة".. هذا هو الهتاف الذي ردده عشرات الآلاف من المحتجين الغاضبين في عدد من المدن العراقية مؤخرا، حيث عبَّر العراقيون عن رفضهم التام للوجود الإيراني في بلادهم، رغم أن مطالبهم الأساسية تتمحور حول تحسين الأوضاع المعيشية، ومكافحة الفساد، والتخلص من البطالة المتفشية بين الشباب. وهو ما يثير تساؤلات حول علاقة إيران بنوعية مطالب المتظاهرين العراقيين، وأسباب ربط مشاكلهم بالوجود الإيراني في بلادهم، ومقدار النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي والمذهبي الذي تمارسه إيران في بلاد الرافدين، وما قد تسفر عنه هذه المظاهرات؟
إن الشعار الرئيسي للمتظاهرين، هو الخلاص من الهيمنة الإيرانية، والمطالبة باستقالة الحكومة الموالية لطهران، وحلّ الميليشيات التي تأتمر بأمر قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، الذراع الخارجي لـ"الحرس الثوري"، لذلك جاءت التصريحات الإيرانية الرسمية سريعا باتهام المتظاهرين بالعمالة لإسرائيل!
والوجود الإيراني في العراقي ليس فرضية تحتاج إلى أدلة لإثباتها، بل هو حقيقة مؤكدة، تعكس نفسها بأبعادها المركبة على مجريات الواقع العراقي منذ الغزو الأمريكي، وما ترتب عليه من ترك العراق ساحة خالية للأطماع الإيرانية.
وسبق أن علن المسؤولون الإيرانيون عن هذا الوجود صراحة، تعبيرًا عن أوهامهم حول "جغرافية إيران والعراق غير القابلة للتجزئة"، وبعضهم أقر بالاستيلاء على العراق تمامًا، ومن هؤلاء علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال: "إن إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها حاليًا بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي".
وتعتمد إيران لبسط نفوذها في العراق بصفة أساسية على وكلاء محليين عراقيين، غالبيتهم من الشيعة، وعلى كيانات سياسية وعسكرية محلية موالية لها، من أجل تكريس الهيمنة الإيرانية على مقدرات البلاد في القطاعات كافة.
ويفسر هذا النفوذ الواسع لإيران في العراق، حجم الفزع الكبير الذي أصيبت به طهران من المظاهرات العراقية الأخيرة، ومناصبتها العداء منذ اللحظات الأولى، ومسارعتها على لسان مجلس خبراء القيادة إلى تشويهها، واتهامها بأنها "من تدبير عناصر مندسة، تدربت في معسكرات خاصة على أيدي المخابرات البريطانية والأمريكية".
وفي هذه المظاهرات أحرق الشباب الغاضب صور الخميني، وهاجم مقرات الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، ومنها «منظمة بدر»، و«تيار الحكمة»، و«عصائب أهل الحق».
وهذه المظاهرت لا يمكن اختزالها في المطالب المعيشية فحسب، بل إن محاولات نزع العراق من هويته العربية ومحيطه العربي وجعله مجرد كيان منزوع الهوية يدور في الفلك الإيراني بحجة الانتماء للولي الفقيه، سبب آخر تحاول بعض الأطراف العراقية إخفاءه والتكتم عليه، خاصة بعد قرارات خاطئة طالت مسؤولين عروبيين يعارضون أي وجود إيراني أو تبعية إيرانية تحت أي مسمى أو شكل.
ويرى المراقبون السياسيون أن تخوف إيران من إدراك الوعي الشعبي العراقي لدور طهران في محنة البلاد، هو ما دعاها إلى توجيه أجهزة الأمن العراقية إلى مجابهة المظاهرات بالعنف المفرط، بإطلاق الرصاص الكثيف، والاعتقالات، وقطع خدمة الإنترنت، وحجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي في معظم المحافظات باستثناء إقليم كردستان، ودفع مجموعات من المسلحين الملثمين الذين ينتمون لميليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية لقتل المتظاهرين في الشوارع.
وكشفت المعلومات الميدانية عن أن الملثمين ينتمون لـ"سرايا الخراساني" و"كتائب سيد الشهداء"، وهما ميليشياتان منضويتان تحت قيادة "الحشد الشعبي"، وتدينان بالولاء الشديد لإيران. وإضافة لذلك شاركت إيران بعناصر من "الحرس الثوري" في قمع المظاهرات. وقد عثر المحتجون على جواز سفر أحدهم في ساحة للتظاهر في بغداد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن المراهنة على المظاهرات الحالية في إحداث تحولات في المشهد العراقي في مسار تحرر البلاد من النفوذ الإيراني؟
لا شك أن هناك معطيات تعزز من قوة هذه الفرضية، منها تقدم الدافع الوطني العراقي على المذهبي الطائفي؛ فالدافع الوطني هو المحرك الأساسي لهذه المظاهرات. وقد عبّر المحتجون عن ذلك بترديد شعار "إيران بره بره.. العراق تبقى حرة"، ورفع لافتات "لا صدرية ولا دعوية ولا حكيمية ولا عشائرية ولا مدنية ولا شيوعية.. مطالبنا وطنية"، فضلاً عن تركز المظاهرات في مدن ومحافظات ذات أغلبية شيعية، منها بغداد والناصرية والنجف والديوانية وكربلاء.
اقتلاع النفوذ الفارسي
يشير المراقبون إلى أن من المعطيات ذات الدلالة أيضًا استقلالية المظاهرات، وتوحدها في إطار الرفض الكامل للوجود الإيراني، وأدواته المتمثلة في الميليشيات العسكرية والأحزاب السياسية الموالية لها. وقد ترجم المتظاهرون رفضهم بحرق مقار لأحزاب الدعوة بزعامة نوري المالكي، والحكمة بزعامة عمار الحكيم، والفضيلة بزعامة محمد اليعقوبي، وكذلك مقار لميليشيات "بدر" التي يقودها هادي العامري، و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، و"سرايا الخرساني" لعلي الياسري. وهذه كيانات موالية لإيران، وتكرس لنفوذها في العراق.
وبحسب صحيفة "إندبندنت عربية"، فإلى جانب المطالب المعيشيَّة والاحتجاج على تردي الخدمات والبطالة، انتشرت بمواقع التواصل الاجتماعي صور لمحتجين عراقيين يحرقون علم إيران خلال التظاهرات، فيما دوت صيحات الشباب العراقي "إيران برا برا... كربلاء تبقى حرة"، مطالبين باستعادة الهُويَّة العربيَّة للعراق، وإنهاء تبعيَّة الحكومة والطبقة السياسيَّة إلى النظام الإيراني.
وتقول د. سالي شعراوي الباحثة في الشأن الإيراني، "إن السيطرة الإيرانيَّة التقليديَّة على الساحة العراقيَّة منذ الغزو الأمريكي تواجه كثيرًا من التحديات التي تعرقل إحكام قبضتها على بغداد كورقة في يد النظام الإيراني في مواجهة الولايات المتحدة الأميركيَّة". وتضيفأن اندلاع التظاهرات ضد إيران في العراق "يعد مثالًا على التعارض الصارخ بين المصلحة الشعبيَّة العراقيَّة والمصلحة السياسيَّة للدولة في سعيها لنشر النفوذ، ففي سياق سعي إيران لتدعيم دورها وعلاقتها بالقوى العراقيَّة نجد أن هناك صعوبة في المواءمة دومًا بين المطالب الشعبيَّة ومصالح المواطنين".
من جانبه، يقول المحلل السياسي العراقي الدكتور عبد الكريم الوزان، "إن كل التظاهرات العراقيَّة شهدت هتافات مدوّيَّة ضد الهيمنة الإيرانيَّة، بمعنى أن هناك رفضًا شعبيًا كبيرًا بسبب تدخلات إيران في المنطقة العربيَّة، خصوصًا العراق".
ويشير الوزان إلى أن "من يتبع إيران في العراق ليس سوى مجموعة سياسيَّة وميليشياويَّة مستفيدة لا تقدر معنى الوطنيَّة ولا العقيدة، لذا يجب التفرقة بين الشعب والحكومة فيما يتعلق بالعلاقة العراقيَّة - الإيرانيَّة".
وأمام مساعي طهران لنقل المعركة مع واشنطن إلى الأراضي العراقيَّة، والغضب الشعبي المتصاعد ضد الهيمنة الإيرانيَّة، سعت الحكومة العراقيَّة إلى تصعيد لهجتها ضد حليفتها كوسيلة لاحتواء الغضب الراهن، حسب مراقبين.
انتفاضة ضد وكلاء إيران
وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها العراق، بأنها "انتفاضة" ضد سياسات حكومة بغداد التي تضحي بمصالح هذا البلد خدمة لإيران.
وقالت ماريا فانتابي الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، للصحيفة إن "الاحتجاجات هذه المرة لا تقتصر على حد الحاجة إلى المياه ومكافحة الفساد، إنما غضب العراقيين من النفوذ الإيراني المهيمن على سياسة بلدهم".
ويدرك العراقيون جيداً أن العديد من عناصر النظام الإيراني لا يزالون يرون أن العراق هو العدو ويحاولون إيذاءه بأي طريقة ممكنة. وهذا هو بالضبط ما يحتج عليه العراقيون. إنهم يقاومون ويطالبون بوضع حد للنهب الإيراني للعراق كخطوة أولى وضرورية لإنقاذ بلادهم من الانهيار التام.
وطيلة أيام الاحتجاجات العراقية المستمرة، حاول مسؤولو النظام الإيراني تشويه الاحتجاجات الشعبية ودأبت وسائل إعلام إيران الرسمية على وصفها بـ "أعمال شغب"، ومحاولة ربطها بجهات خارجية بمختلف الطرق السياسية والأمنية والإعلامية.
ويقول المحلل السياسي الإماراتي محمد خلفان الصوافي إن "قادة إيران وعلى رأسهم المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، يدركون أنهم هم المستهدفون بالدرجة الأولى بل حتى الاتهامات التي يوجهها المحتجون للمسؤولين العراقيين يسقطونها على السيطرة الإيرانية، المباشرة والضمنية، لمراكز القرار (مفاصل الدولة) في الحكومة العراقية وعلى السياسيين الذين يأتمرون بالمقيم الإيراني في المنطقة الخضراء، لذلك لم تكن هناك استجابة سريعة لمطالب الشعب ربما انتظاراً لأوامر من طهران إلى أن تدخل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ووجه نداء للحكومة بالاستماع لمطالب الشعب كي لا تأخذ الاحتجاجات منحى آخر".
وتبيّن للكافة إدراك القيادة الإيرانية أنها هي المستهدفة في الانتفاضة، من خلال المشاهد المصورة لقوات "الحرس الثوري" وهم يقومون بقمع المحتجين العراقيين الذين تحدوهم بقوة لإثبات أنهم "عراقيون".
والملفت في هذه الاحتجاجات التي شملت العديد من مناطق العراق، أنها انطلقت من جنوبها حيث تتركز الميليشيات المحسوبة على إيران وتتفاخر في «صناعتها»، بل إن أغلب المحتجين هم من الطائفة الشيعية على اعتبار أنهم رفعوا شعارات تربط ما يتم على الأرض بمظلومية الحسين وهو مؤشر يمكن قراءته على أن العراقيين بكافة طوائفهم ينتمون للدولة العراقية وإلى العروبة وأنهم (الشعب العراقي) يرفضون التغلغل الإيراني ويطلبون بخروجها دون أن ينتظروا تحول وضعهم إلى الأفضل، فقط يريدون التخلص من إيران ومن أتباعها لأن بالتأكيد سيكون عراقاً مختلفاً بدون إيران.
إن إيران مرتبكة مما يحدث في العراق ليس خوفاً على استقراره وعلى شعبه، وإنما لخسارة نفوذها فيه، فهو بمثابة "الساحة البديلة" لإيران في حال حدوث مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة. وقد أعلنت طهران ذلك أكثر من مرة، ولكن إيران قلقة من انتقال عدوى الاحتجاجات إليها، يدعم ذلك أن منبع الاحتجاجات الطائفة الشيعية، والتي لاقت شرعية من المرجعية في النجف.
وعلى إثر هذه الاحتجاجات، فإن إيران لن تعود تتصرف في العراق وهي مطمئنة بأنها منطقة نفوذ أو أنها «الحديقة الخلفية» لها، بل هي الشرارة التي يمكن أن تخمد بفعل القوة الأمنية للحرس الثوري وربما الحشد الشيعي الذي أعلن أنه مستعد للتدخل لإخماد الانتفاضة، ولكنها ستظل هاجساً يقلق مضجع قادة طهران، فالعراقيون أعلنوا أنهم يريدون استقلالية قرارهم.
التغيير قادم لا محالة
أقام نظام الملالي معسكرا في العاصمة العراقية بغداد لعناصر إيرانية، قدمت عبر الحدود، حيث تنحصر مهمة هذه العناصر أولا وأخيرا في قمع المظاهرات المناهضة للوجود الإيراني في البلاد.
وأعلن قائد الوحدات الخاصة التابعة لقوى الأمن الداخلي الإيراني، العميد حسن كرمي، عن إرسال قوة مكونة من 7500 عنصر إلى العراق، مدعيا أنها لحماية «مراسم أربعين الحسين»، لكن محللون عراقيون اعتبروا ذلك انتهاكا لسيادة بلادهم.
ويقول د. قحطان الخفاجي، أستاذ الإستراتيجية بجامعة النهرين في بغداد، أن "قرار إدخال قوات إيرانية للعراق بحجة حماية زوار أربعينية الحسين يقلل من هيبة الدولة العراقية، فكل الدول لديها مناسبات وزوار تؤمن حمايتهم بنفسها وبقواتها الخاصة، دون أن تستعين بقوات أجنبية، والهدف الحقيقي من وراء ذلك هو قمع الاحتجاجات ضد النفوذ الإيراني المتغول في كافة مناحي الحياة داخل البلاد".
ويؤكد الأكاديمي الليبي د. جبريل العبيدي أن "الهيمنة والتدخل، بل التغول الإيراني في العراق لدرجة ارتهان القرار العراقي، أمر لا يمكن تجاهله كمسبب للمظاهرات والغضب الشعبي، فإيران تحاول معالجة أزمتها ومواجهتها مع أمريكا والأوروبيين عبر تحويل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة، واستغلال موارد العراق ونهبها لمعالجة أزمة طهران الاقتصادية".
وتقوم المظاهرات الشعبية العراقية على أرضية رفض نظام "المحاصصة السياسية" ونتائجه في الواقع، وعلى رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون السياسية والحياتية العراقية، وهذه المظاهرات التي تزداد رقعتها الجغرافية، تأخذ منحىً جديداً على صعيد وعي العراقيين لأسباب إفقارهم، وهي مظاهرات لا تأخذ بالمنحى الطائفي، بل يمكن القول أنها بدأت تأخذ مرحلة وعي سياسي وطني عميق. إذ أن شعارات المتظاهرين العلنية، ردّدت مطلب طرد وإنهاء النفوذ الإيراني من العراق، وبالتالي إسقاط واقتلاع أذرعه السياسية والعسكرية، والتي يعتقد المتظاهرون، أنها سبب كل مصاعب الحياة في البلاد.
وتمثل شرعية مطالب المتظاهرين مُعطى مهمًّا كذلك بإمكانية إحداث تغيير في العراق؛ إذ إنها ترتبط بحاجات ملايين العراقيين، وتشكل مظلة تلاقي لهم. ومن شأن ذلك أن يوسع نطاق المظاهرات إلى مدن ومحافظات أخرى؛ فالغالبية العظمى من العراقيين يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية، ولديهم الدوافع للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية ضد إيران. كما أن شرعية مطالب المتظاهرين تثير التعاطف الدولي معهم، وتشكل حصنًا لحمايتهم واستمرارهم.
وبتأثير تلك المعطيات، فإن المظاهرات العراقية مرشحة للتوسع انطلاقًا من محركها الوطني، ومطالبها المشروعة، وقد تتطور إلى ثورة شعبية، تقتلع النفوذ الفارسي من العراق، أو تمهد لتحقيق ذلك في موجة ثورية قادمة.
إن مظاهرات العراق الشعبية، هي مقدمة وإرهاصات ثورة شعبية ضد الفساد والنفوذ الإيراني في عراق العرب، وسينتصر الشعب العراقي في نهاية المطاف على التغول الإيراني.