تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني
سجل الأن
<< «حرب الناقلات» الأولى استهدفت 546 سفينة تجارية.. وقتلت الهجمات 430 بحارًا مدنيًا << العدوانية الإيرانية تتسبب في عودة «حرب الناقلات والطائرات» مرة أخرى إلى الواجهة
<< «الحرس الثوري» يحتجز ناقلة نفط بريطانية رداً على احتجاز ناقلة إيرانية في «جبل طارق»
<< ألمانيا وفرنسا تدعوان السلطات الإيرانية إلى الإفراج «بلا تأخير» عن ناقلة النفط البريطانية
<< المراقبون: عرقلة إمدادات النفط أو توقفها ستصيب دول جنوب شرق آسيا بكارثة اقتصادية
تسببت العدوانية الإيرانية في عودة «حرب الناقلات والطائرات» في الخليج مرة أخرى إلى الواجهة، وذلك بعد نحو 22 عاما من انتهاء حرب الناقلات والطائرات الأولى، التي اندلعت خلال الحرب العراقية الإيرانية، ما بين عامي 1980- 1988، حيث خربّت طهران وحلفاؤها مؤخرا أكثر من ناقلة نفط، كما دارت حرب إسقاط الطائرات المسيرة بين إيران وأمريكا، التي أسقطت طائرة «درون» تابعة لقوات «الحرس الثوري» الإيراني، ردا على قيام الأخير بإسقاط طائرة أمريكة مسيرة في يونيو «حزيران» الماضي.
و«حرب الناقلات» مصطلح يشير إلى ما حدث خلال تلك الحرب، حيث جرى استهداف ناقلات النفط المارة في الخليج العربي، وحاول العراق منع إيران من تصدير النفط، بعد أن خسرت بغداد ميناء «الفاو» الذي يعد شريانه النفطي ومنفذه البحري الوحيد على الخليج.
في المقابل، تركّزت الهجمات البحرية والجوية الإيرانية آنذاك على ناقلات النفط الخليجية، بدعوى أن دول الخليج العربي داعمة للعراق، وكانت معظم الخسائر من نصيب ناقلات النفط الكويتية، ما دفع الحكومة الكويتية، في 1 نوفمبر 1986، إلى أن تطلب حماية دولية لناقلاتها، فحصلت عليها بموافقة «الاتحاد السوفيتي" السابق في مطلع عام 1987، على تأجير ناقلاته لشركة نفط الكويت، لكن ذلك لم يوقف هجمات الزوارق البحرية الإيرانية، التي استهدفت ناقلتين سوفيتيتين. دفع الحضور السوفيتي الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تتدخّل هي الأخرى بقواتها البحرية في 7 مارس 1987 لحماية الناقلات الكويتية التي اضطرت إلى رفع العلم الأمريكي. نار فوق الماء
في مايو «آيار» عام 1987، بينما كانت الفرقاطة الأمريكية «ستارك» تبحر بهدوء في مياه الخليج العربي، انفجرت الناقلة فجأة جراء صاروخ «إكسوزيت» أطلقته طائرة مقاتلة تابعة للجيش العراقي، ظنا منها أن الفرقاطة هي للجيش الإيراني، وقُتل في الحادث عدد من طاقم السفينة وأصيب كثيرون آخرون. ليبدأ مع ذلك الحدث أحد أكثر النزاعات الغامضة في التاريخ والذي أطلق عليه «حرب الناقلات».
وقعت «حرب الناقلات» في ذروة الحرب الكبرى بين إيران والعراق، خلال السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان. فمع خسارة طهران ساحة المعركة، في بداية الحرب، قرر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، الخمينى، آنذاك، إغلاق الخليج العربي في وجه السفن المحملة بالنفط العراقي، التابعة للدول الداعمة لصدام حسين، وعلى رأسها الكويت والإمارات. وهددت إيران بأنها لن تترك طرق الملاحة آمنة في الخليج إذا ما بقي الطريق إلى مينائها النفطي في جزيرة «خرج» مهدداً، وشهد ربيع عام 1984 مهاجمة السفن الكويتية والسعودية.
وفي 14 مايو (آيار) قصفت الناقلتان الكويتيتان (أم القصبة) و(بحرة)، وفي 16 مايو (آيار)، قُصفت الناقلة السعودية (مفخرة ينبع) في ميناء «راس تنورة» السعودي. وبعدها طلب الكويتيون المساعدة من الغرب، وبالفعل أرسلت الولايات المتحدة أسطولا إلى الخليج، رافعين العلم الأمريكي فوق الناقلات التجارية الكويتية.
وقال الكاتب الأمريكي، لي ألن زاتاريان، في كتابه «حرب الناقلات: أول حرب لأمريكا ضد إيران 1987-1988»، إن هذا التدخل أدى إلى ساحة صراع مفتوحة، حيث زرع الإيرانيون الألغام في مضيق هرمز، وأطلقوا قوارب هجومية ضد كل من الناقلات والسفن الحربية الأمريكية.
وشملت «حرب الناقلات» والحرب البحرية بين إيران والعراق نوعين من الصراع البحري المُعقّد، فمن جهة كانت محاولات العراق لإضعاف إيران من خلال تدمير قدرتها على استخدام ناقلات النفط لتصدير النفط، ومن الجهة الأخرى، كان الوجود البحري الغربي بقيادة الولايات المتحدة في الخليج يهدف إلى ضمان حرية مرور الناقلات إلى الكويت، وتوفير الأمن العام لسفن الشحن من وإلى دول الخليج.
وقال أنتوني كوردسمان، المسؤول لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS الأمريكي، في بحث أعده في مايو (آيار) 1990، إن «حرب الناقلات اكتسبت أهمية حقيقية فقط في السنة الرابعة من الحرب. في الوقت الذي تبادل فيه الجانبان استهداف السفن في بداية الصراع، وأصبحت (حرب الناقلات) حربا حاول فيها العراق مرارا وتكرارا استخدام الضربات الجوية ضد الناقلات والمنشآت النفطية لإجبار إيران على التسوية. وإيران، بدورها، حاولت الردّ بضربات جوية وبحرية على سفن حاويات وناقلات تتحرك إلى دول تدعم العراق».
وقُدّرت الخسائر الناجمة عن هذه الحرب بمليارات الدولارات، حيث ألحقت الحرب أضرارًا بيئية وبشرية ومادية كثيرة، ويشير باحثون إلى أن الحرب استهدفت 546 سفينة تجارية، 259 سفينة منها سفن ناقلات نفط أو ناقلة للمنتجات البترولية، وقتلت الهجمات حوالي 430 بحارًا مدنيًا. حرب الناقلات الجديدة
في خضم «حرب الناقلات» الجديدة بين بريطانيا وإيران، أعلن «الحرس الثوري» الإيراني، مؤخرا، أنه احتجز ناقلة نفط ترفع علم بريطانيا في الخليج، رداً على احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق مطلع شهر يوليو «تموز».
وقال «الحرس الثوري» إنه احتجز ناقلة نفط ترفع علم بريطانيا في الخليج بعد أن احتجزت بريطانيا ناقلة إيرانية هذا الشهر، مما زاد من التوتر في ممر ملاحي حيوي لشحن النفط للسوق العالمية.
في المقابل، قالت وزارة الدفاع البريطانية إنه تم إرسال السفينة الحربية «دانكان»، وهي فرقاطة من الفئة 45، إلى منطقة الخليج لضمان استمرار الوجود الأمني البحري البريطاني في المنطقة.
ودخلت أوروبا على خط «حرب الناقلات»، حيث دعت ألمانيا وفرنسا، السلطات الإيرانية إلى الإفراج «بلا تأخير» عن ناقلة النفط البريطانية التي تحتجزها. وطالبت الخارجية الألمانية في بيان إيران «بالإفراج دون تأخير» عن الناقلة وطاقمها، محذرةً من «تصعيد إضافي في المنطقة. واعتبرت الخارجية الألمانية أن الخطوة الإيرانية «غير مبررة». ورأت أنها «تقوض كل الجهود الجارية من أجل إيجاد حل للأزمة الحالية» بين الولايات المتحدة وإيران.
ومن جهتها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان: «ندعو السلطات الإيرانية إلى الإفراج في أسرع وقت ممكن عن الناقلة وطاقمها واحترام مبادئ حرية الملاحة في الخليج».
ويقول المراقبون إن عرقلة فعلية لإمدادات النفط أو توقفها بشكل جزئي من منطقة الخليج، ستصيب على المديين المتوسط والبعيد دول جنوب شرق آسيا وفي مقدمتها اليابان والصين بكارثة اقتصادية قد تكون الأقسى على التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية. وبالطبع فإن الضرر الفادح سيلحق بإيران وبالدول العربية المصدرة وفي مقدمتها السعودية التي تصدر يوميا أكثر من 7 ملايين برميل.
وتعليقا على ذلك، قال بروس ريدل، مدير مشروع الاستخبارات في مركز بروكينز الأمريكي: «إن التاريخ بالطبع لا يُعيد نفسه، لكنه يمثّل قافية. فينبغي النظر بعناية في دروس الحروب القديمة قبل الدخول في حروب جديدة، إذ أن التاريخ يُشير إلى أن إيران لا تتراجع بسهولة».
ولا شك أن ما تقوم به إيران من تصعيد في مضيق هرمز وخليج عمان، من خلال استهداف ناقلات النفط الخليجي ومحاولتها زعزعة استقرار المنطقة، ستكون له عواقب وخيمة على نظام الملالي. لكن التساؤل الأهم هو: على ماذا تراهن إيران من هذا التصعيد الذي يستهدف تهديد التجارة العالمية وأمن العالم من مصادر الطاقة؟
والواقع أن هجمات إيران واستهدافها لناقلات النفط الأولى لم تكن في تاريخها كما تقدم، بل هي وسيلة تلجأ إليها كلما اشتد الخناق عليها نتيجة ممارستها الإرهابية وتدخلها في شؤون جيرانها ومحاولتها فرض سلطتها على المنطقة، ورفضها أن تكون دولة طبيعية تتمتع بعلاقات متوازنة مع الدول كافة.