في كل بلاد العالم شرقا وغربا من جنوب وشرق آسيا حتى سواحل أمريكا اللاتينية على المحيط الأطلنطي توجد أقليات عِرقية وإثنية وليس الاختلاف بدعاً من الأمر بل تكاد تكون سنة من سنن الله عز وجل في أرضه منذ أخرج آدم من الجنة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولقد تجاوزت غالبية الشعوب تلك الاختلافات حتى سمعنا كثيراً من القادة الأوربيين وغيرهم يتحدثون عن تلك الاختلافات بشىء من الفخر والاعتزاز، يصفون التنوع داخل أوطانهم بأنه من مصادر قوتهم التي يحرصون عليها كضمانة للاستقرار من أجل مستقبل أبنائهم وعلو شأنهم.
إلا في بلادنا العربية، فالدولة ذات الصبغة المتعددة الأعراق لا يهنأ لها بال ولا يستقر لها حال والتعبئة مستمرة بين مكوناتها لا تكاد تخمد نيرانها وكأن حرباً قد أوقد عليها فسار الصدام بينهم قاعدة وسارت اللحمة والترابط استثناءً.
ونعود إلى موضع مقالنا ونسأل سؤالا واجباً :
هل يتحمل الشيعة العرب وحدهم تلك الجفوة الحاصلة بينهم وبين أوطانهم؟
الإجابة الشجاعة التي قد لا تروق للبعض هي لا !! وذلك بعد استقراء الأوضاع واستعراض السيناريوهات التي تمت والتي كان يمكن اتخاذها لتلافي قدرة التغلغل لحكومات الملالي في المنطقة ولمواجهة عمليات الاستقطاب للأقليات الشيعية في منطقتنا العربية والإسلامية ومن ثمّ تجيّشها في مساندة المصالح الإيرانية ابتداءً ثم صيرورتها إلى أن تصبح خطراً على أوطانها ومقدمة في جيش أعدائها كما حدث مع العراق حينما تمت السيطرة عليه واحتوائه بل وجعله وكيلا عن الدولة الإيرانية بعد عداء طويل وحرب مستعرة إبان حكم صدام حسين وكما قالت الأستاذة بربارا أ.ليف زميلة معهد واشطن لسياسات الشرق الأدني "فقد نشرت إيران وكلائها من الميليشيات الشيعية المجهزة جيدا والمزودة بالمعدات والتدريب، والتي تحول بعضها إلى جهات سياسية فاعلة؛ وقامت برشوة السياسيين العراقيين وترهيبهم؛ وتدخّلت بشكل مباشر في محاولة لتشكيل حكومة منصاعة".
نعم لقد كانت فرصة احتواء تلك الأقليات أمراً ممكناً غير مستحيل كما فعلت دول أوربا وأمريكا حتى لمجرد مواجهة خطر تفاعل تلك الأقليات مع الدولة الإيرانية لما بينهما من رباط الاعتقاد وسلطة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الروحية عليهم، وحتى لا تتكرر تجربة حزب الله اللبناني والذي أصبح ذراعاً سياسياً بل وعسكرياً لطهران كما يحدث حاليا في الأزمة السورية وفي تحريك الحوثيين باليمن الذي كان سعيداً!
ولقد لعب الإعلام العربي[غالبيته] دوراً سلبياً كعادته، في توسيع الهوة بين تلك الأقليات وبين أوطانهم بسيلٍ من الاتهامات المتوالية التي لا تنطلق إلا لأهواء بعض الحكام وتنفيذاً لتعليمات البيت الأبيض بعيداً عن مصالح العباد والأمن القومي للبلاد، ثم دخلت على خط الأزمة بعض التيارات السلفية "الممولة" والتي يتم تحريكها باستراتيجية مدربي مباريات الكرة "إللي تكسب بيه إلعب بيه" فكان خطابهم المعتاد في شحن الجماهير وتعبئتهم ضد الشيعة لاسيما في أوقات المواجهة التي كانت تتم بين حزب الله والصهاينة!.
أخيرا ورغم كل ما صارت إليه الأمور من أخطار محدقة بأمننا القومي العربي فالأمر لا يحتاج أكثر من توافر إرادة إعادة اللحمة بين صفوف أبناء الوطن الواحد وصياغة خطاب عاقل يقرّب ولا ينفّر، يصلح ولا يفسد مع توافر الرغبة في تحقيق العدالة التي لا ترضي بالتمييز السلبي والتي يتم استغلالها في شحن تلك الأقليات ضد أوطانهم.
*باحث سياسي