السبت, 06 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

الملف| «الحرس الثوري».. نشأة ذراع الملالي الطويلة

المجلة - | Tue, May 7, 2019 10:18 PM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

<< يتشكل من 125 ألف عسكري.. ويتكوّن من كل أفرع الأسلحة المختلفة في الجيوش العاملة

<< يتحكم في أكثر من "مليون فرد" مدرب على القتال هم قوام قوات "الباسيج" والميلشيات التابعة لها

<< الحرس "سلاح المؤمنين" توحّش وتغوّل بمرور السنين حتى أصبح "جيشا داخل الجيش" الإيراني

 

نشأ "الحرس الثوري" الإيراني، الذراع الطويلة لنظام الملالي، في ظروف سياسية غير عادية، بهدف "حماية الثورة" من أعدائها في الداخل والخارج معا، غير أنه توحّش وتغوّل بمرور السنين، حتى أصبح "جيشا داخل الجيش" الإيراني.

والحرس الثوري أو "حرس الثورة الإسلامية"، هو فرع من فروع القوات المسلحة الإيرانية التي تأسست بعد ثورة 1979 بأمر من "الخميني"، قائد الثورة ومحركها والمنظّر الأساسي لها.

ولعل أبرز الأمور التي دفعت الخميني إلى تأسيس هذا الحرس هو حاجة الثورة إلى الاعتماد على قوة مستقلة عن نفسها، بدلا من الاعتماد على قوات ووحدات النظام السابق. باعتبارها واحدة من أول المؤسسات الثورية، فقد ساعد الحرس وقتها في إضفاء نوعم من الشرعية على الثورة وأعطى الحكومة الجديدة دافعًا لمواصلة ما كانت تقوم به من "تدابير ثورية".

وتشكّل الحرس الثوري أو "الباسدران" باللغة الفارسية فعليا في 5 مايو 1979، وذلك في محاولة لتوحيد العديد من القوات "شبه العسكرية" في قوة واحدة موالية للحكومة الجديدة؛ لتعمل على مكافحة النفوذ والسلطة ضد الجيش النظامي الذي كان مواليًا للشاه في تلك الفترة. وذلك لحماية الثورة ومساعدة رجال الدين في تثبيت أركان حكمهم من خلال تأسيس حكومة إسلامية جديدة.

"سلاح المؤمنين"!

كان الحرس الثوري يضم، في البداية، خليطًا غير منظم من مجموعات محلية مستقلة، ومن فدائيي المدن وميليشيات رجال الدين والفارين من الجيش، والمتشددين الآخرين الموالين للخميني. حيث ساعدت كل هذه الجماعات في حشد التأييد للخميني في الشارع عقب انتصار الثورة.

وفي بادئ الأمر كان الحرس بمثابة "سلاح المؤمنين"؛ حيث أن دستور الجمهورية الإسلامية الجديد نص وبوضوح على أن "حرس الثورة يجب أن يُدافع عن استقلال إيران وعن سلامتها الإقليمية، في حين تكلفت القوات الأمنية بمسؤولية الحفاظ على الثورة نفسها".

وفي كتابه "الحرس الثوري الإيراني.. نشأته وتكوينه ودوره"، يقول الكاتب الأمريكي كينيث كاتزمان إنه لا يكاد يخلو مكان في إيران من وجود الحرس الثوري. ولقد جرى تجميع عناصر هذا الجهاز في الفترة التي تلت الثورة الإيرانية مباشرة بطريقة عشوائية، على هيئة ميليشيا ضعيفة التدريب والتنظيم، لتساعد الخميني وأتباعه في توطيد سلطتهم في طهران.

لكن الحرس الثوري تطور خلال سنوات الحرب مع العراق ليصبح جهازًا عسكريًا منظمًا، يرصد مدى الالتزام الشعبي بالشريعة الإسلامية، إضافة إلى كونه وسيلة رئيسية لـ"تصدير الثورة" إلى البلدان المجاورة.

وقاتل أفراد الحرس الثوري في الحرب العراقية الإيرانية، جنبًا إلى جنب، مع القوات النظامية الإيرانية التي ظلت قائمة بعد زوال نظام الشاه.

ومنذ نهاية النزاع العراقي- الإيراني عام 1988، اختار الحرس الثوري لنفسه دورًا عسكريًا دفاعيًا، مع قيامه ببعض المهام المدنية في مجال إعادة الإعمار.

ويتشكل الحرس الثوري من نحو 125 ألف عسكري، ويتكون من كل أفرع الأسلحة المختلفة في الجيوش العاملة، بما في قوات المشاة البرية، وسلاح المدفعية، والقوات الجوية والبحرية، وسلاح المهندسين العسكريين، وغير ذلك.

كما يتحكم أيضًا في قوات "الباسيج" شبه العسكرية، والتي تتألف من عشرات الميليشيات التي تضم حوالي 90 ألف فرد.

وساهم "الباسدران" وقتها في تثبيت كل السكان والقوات المسلحة النظامية التي كان يتخوف الخميني من إمكان قيامها بانقلاب جديد ضده. وهكذا حقق الحرس شهرة امتدت لدول الخليج فيما بعد، كما ساعد على إعادة الإعمار وجلب النظام الجديد إلى إيران.

الحرس.. جيش على حدة

على الرغم من أن الحرس الثوري يعمل بشكل مستقل عن القوات المسلحة النظامية، إلا أنه اعتُبر "قوة عسكرية" في حد ذاته بسبب دوره المهم في الدفاع عن الأراضي الإيرانية.

ويتكون الحرس الثوري من قوات برية وبحرية وجوية موازية للهيكل والتشكيل العسكري العادي. في حقيقة الأمر يُعتبر الباسدران فريد من نوعه خاصة بعدما قام بالسيطرة على الصواريخ الاستراتيجية والقوات الصاروخية الإيرانية.

وتعمل أيضا تحت مظلته مجموعة من القوى والميليشيات الكبيرة والصغيرة، بما في ذلك "الباسيج" سالفة الذكر، كما أن هناك شبكة ميليشيات قد يصل مجموع أفرادها إلى المليون فرد، وعادة ما يتم استدعاؤها في أوقات الحاجة.

وفي يوليو 2008 قام الحرس بتغيير كبير في هيكل عمله. اضطر الحرس أيضًا إلى تطوير بنية تحتية لوجستية لإمداد ودعم قواته. ولذا فقد أنشأ هيئة مشتريات منفصلة عن مثيلتها في الجيش النظامي، وبنى منشآت للصناعات العسكرية، للالتفات على حظر الأسلحة الدولي المفروض على إيران وقتها.

أما المؤشر المهم في تميز الحرس ونضجه في مجال التنظيم، فهو التطور المتزايد في الأسلحة التي زُعم أنه يقوم بصنعها محليًا. وقامت بالإشراف على هذه المهمات المساندة وزارة الحرس الثوري، التي تعتبر من أفضل الأمثلة على تطور الحرس تنظيميًا.

وفي سبتمبر من نفس العام، أنشأ الحرس الثوري 31 وحدة مستقلة لقيادة الصواريخ. كما شهد الهيكل العسكري بعد ذلك عدة تغييرات من القيادة المركزية إلى اللامركزية، أمَّا الـ 31 وحدة المُنشئة آنذاكـ فقد تم توزيعها على ثلاثين محافظة، باستثناء محافظة طهران التي تمركزت فيها وحدتان من الحرس، باعتبارها المحافظة الأهم بطيعة الحال.

وفيما يتولى الجيش النظامي مهمة الدفاع عن الحدود الإيرانية، ويحافظ على النظام الداخلي وفقا للدستور الإيراني، يقوم الحرس الثوري "الباسدران" بحماية نظام الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج معا. ويتركز دوره وفق الدستور الإيراني في حماية النظام الإسلامي ومنع التدخل الأجنبي، بالإضافة إلى منع الانقلابات العسكرية في البلاد.

وليس معنى ذلك أن الحرس منفصل تماما عن القوات المسلحة، بل تتداخل القوة البحرية لحرس الثورة مع القوة البحرية للجيش الإيراني؛ حيث يعملان معاً في عدة مجالات كما يتكلفان بحماية الحدود الإقليمية البحرية للدولة الإيرانية. وعلى الرغم من كل هذا، فالقوتان تختلفان من حيث كيفية التدريب والتجهيز. والأهم من ذلك أيضا في كيفية القتال. فالقوة البحرية لحرس الثورة تتوفر على مخزون كبير من الزوارق الحربية الصغيرة والسريعة.

وتنهج القوات البحرية التابعة للحرس تكتيكات مختلفة في عملياتها أقرب إلى "حرب العصابات"، لذلك فهي تُشكل قوة لا يُستهان بها في البحر، ليس هذا فقط فهي تحافظ على كميات كبيرة من الأسلحة على مستوى السواحل، كما تتوفر لديها صواريخ "كروز" المضادة للسفن الحربية.

وباعتباره جيشا كاملا، تدفعه أيديولوجيا معينة، فهو يهتم بكل جانب من جوانب المجتمع الإيراني، لذلك عرف حرس الثورة توسعًا اجتماعيًا وسياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا كبيرا في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، وخاصة أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2009 بعد نجاحه قمع الاحتجاجات التي اندلعت بعد الانتخابات.

ويلاحظ كينيث كاتزمان أنه مما يسترعى الانتباه أنه حتى الآن، كانت البحوث القليلة  التي أتت على دراسة تركيبة الحرس الثوري، تميل إلى مقارنته بالجيش النظامي الإيراني. لكن الواقع يقول إن الحرس الثوري يختلف بشكل أساسي عن الجيش، برؤيته العقائدية وكيفية إدارة عملياته ودوره الوظيفي في المجتمع والسياسة الإيرانيين، فضلاً عن تطور نشأته، مما يجعل تحليل أوضاعه صعبًا في ضوء الأطروحات التقليدية لعلم التحليل السياسي العسكري.

ويختلف الحرس الثوري أيضًا عن الجيش النظامي في كونه يشكل قوة سياسية، لذا يجب تحليله بشكل أوفى. فالقوات النظامية ليس لها توجه سياسي محدد، الأمر الذي يجعلها تدين بالولاء لأي نظام كان؛ نظرًا لتوجهها القومي الذي اكتسبته خلال عهد العائلة البهلوية.

ولا شك أن هذه الطبيعة "غير السياسية" أعطت قوات الحرس إلى حد ما قدرة على البقاء رغم إضعاف نظام الخميني لها فيما بعد، ووضعها تحت الرقابة السياسية الشديدة. وبالمقابل فإن الحرس الثوري يرى أن دوره السياسي ليس فقط أمرًا مسموحًا به، بل هو جزء من رسالته "للدفاع عن الثورة".


تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت