الخميس, 21 نوفمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ إسبوع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

مجلة «إيران بوست»| الافتتاحية: دولة «الحرس الثوري»

المجلة - | Tue, May 7, 2019 3:59 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

أصبح "الحرس الثوري" منذ إنشائه عام 1979 "دولة فوق الدولة" في إيران، بل إن غالبية الشعوب الإيرانية التي ثارت غير مرة على نظام الملالي خلال العقود الأخيرة، باتت ترى إيران "دولة الحرس الثوري"!

وأصبحت الصلاحيات الواسعة التي حصل عليها الحرس الثوري في الداخل بحجة الدفاع عن مصالح البلاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية، سبباً قوياً في تحول الحرس من مجرد ذراعٍ عسكرية للثورة الإيرانية، إلى "دولة على حدة"، وإلى ما يشبه مركز ثقل امتد نفوذه في كل شرايين الحياة داخل البلاد، فظهرت معاناة الشعب الإيراني اقتصادياً، حتى تفشى الفقر بين فئاته المختلفة.

وزالت القيود المفروضة على نمو الحرس الثوري في اقتصاد البلاد بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، عندما مهدت الشركات التابعة له طريقها إلى المشروعات الحكومية خلال فترة الرئيس الأسبق محمد خاتمي 1997 – 2005.

وبرر المسؤولون في الحرس الثوري أمر توسيع أنشطتهم الاقتصادية خلال العقدين الماضيين بالادعاء بأنهم سيدخلون المجالات الاقتصادية التي تمثل تحديًا كبيرا للقطاع الخاص؛ من أجل مساعدة الحكومة وتحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، الأمر الذي ثبت عكسه فيما بعد، حيث أفقر "الحرس" العباد، وتحكم في مقدرات البلاد، وثمة تقديرات بأن "المصالح الاقتصادية" للحرس تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار، وهي أرقام متواضعة نظرا للطبيعة السرية لأنشطة الحرس الثوري الذي لا يفصح أبدا عن ميزانيته الهائلة.

وكانت محصلة عمل الحرس الثوري على مدار 40 سنة، هي نشوء نظام بجانب نظام الحكم في إيران وكيان عسكري موازٍ للقوات المسلحة واقتصاد احتكاري بجانب الاقتصاد الإيراني، مما نتج عنه «إمبراطورية الحرس الثوري الإيراني». تلك الإمبراطورية التي تهدف في المقام الأول حماية والحفاظ على الأطماع والتوسعات الفارسية في المنطقة تحت عباءة "الثورة"!

ويعد الحرس الثوري الإيراني مؤسسة متعددة الأوجه لخدمة النظام الإيراني، فالوجه العسكري للحرس الثوري هو الأبرز إعلامياً، بسبب مشاركته في صناعة حروب وأزمات المنطقة، وتمويله ميليشيات رديفة، إلا أن الوجه الاقتصادي لهذه القوة لا يقل خطورة. فهو يشكل إمبراطورية مالية تهيمن على الاقتصاد الإيراني عبر مؤسسة «خاتم الأنبياء»، التي تسيطر على أكثر من 815 مؤسسة تجارية شبه حكومية ومساهمة في كل المجالات من الإبرة حتى النفط والذهب، إلى جانب رجال الدين الذين يتحكمون بالاقتصاد في البلاد.

وهكذا، مع مرور السنين، لم ينحصر دور الحرس في العمل العسكري فقط، بل امتد ليسيطر على الاقتصاد، ويتدخل في السياسات الداخلية والخارجية، فضلاً عن تحكمه في كل صغيرة وكبيرة داخل المجتمع الإيراني نفسه، ما تسبب في حالة نفور بين شرائح المجتمع كافة.

ويتراوح الدخل السنوي من مجمل أنشطة" الحرس" التجارية فقط ما بين 10 إلى 12 مليار دولار، في وقتٍ يعاني أفراد المجتمع الإيراني من فقر مدقع، وارتفاع نسبة البطالة، كما أن مسؤولاً إيرانياً كان قد صرح بأن الحرس الثوري أصبح يسيطر على كبرى الشركات في إيران في قطاعات السياحة، والنقل، والطاقة، والبناء، والاتصالات، والإنترنت.

سيطرة الحرس الثوري على منابع الاقتصاد في إيران، وصعوبة الرقابة عليه ومحاسبته، كان دافعاً قوياً لانتشار الفساد بين عناصره، وحرصهم على تحقيق ثروات وأموال طائلة على حساب باقي فئات الشعب، ما كان سبباً رئيساً لرفض المجتمع الإيراني لهذا النفوذ الداخلي لقوات الحرس، خاصةً أنه انتقل من مجرد كونه قوة عسكرية تحمي الثورة ومبادئها إلى إمبراطورية صناعية لها نفوذ سياسي واقتصادي وإعلامي واسع النطاق.

كما أن أنشطة الحرس الثوري العسكرية والإرهابية خارج إيران، كانت من الأسباب الرئيسية في تفشي الفقر داخل البلاد؛ نظراً للتكلفة الباهظة التي تتحملها الخزانة الإيرانية، بحسب بعض الأرقام التي تنشرها مواقع إيرانية، وبالتالي فإن الاقتصاد الإيراني حالياً قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، بسبب هيمنة الحرس الثوري، وتصرفه في منابع الاقتصاد كيفما شاء، ما يدل على أن الاقتصاد الإيراني دوره يكمن في خدمة مصالحه فقط.

ويعاني الاقتصاد بفعل "الحرس الثوري" الذي يستحوذ على أكبر المؤسسات الاستثمارية في البلاد، بحجج محاربة التغول الغربي للسيطرة على الاستثمارات القادمة والتصدير للخارج. من ناحية أخرى لا يدفع الحرس الثوري "ضريبة" بينما تُفرض الضرائب على بقية الشركات، بواقع فارق التكلفة والبيع؛ لذلك حتى الاتفاق النووي من الناحية الاقتصادية يتلاشى في ظل مركزية القرار غير معروف التوجه وغياب الرؤية الحقيقة للاستثمار الذي يصارع نفسه في ظل استحواذ الحرس الثوري.

ويسيطر الحرس الثوري بالفعل على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الإيراني من خلال شبكة من شركات وهمية، وهو كيان إرهابي ينبغي تصنيفه في القائمة السوداء وأن هذه الحالة تزداد سوءا.

في عام 2007 طلب المرشد الإيراني علي خامنئي بالإسراع في تنفيذ سياسات "الخصخصة" الاقتصادية المبنية على تعديل المادة 44 من الدستور الإيراني، إلا أن الحرس الثوري استغل ذلك الطلب بفرض هيمنة أكبر على الاقتصاد ما جعله يسيطر على ما يقرب من 40% من اقتصاد البلاد.

كما أن سياسة خصخصة الاقتصاد تجددت في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (2005-2013) اليميني التوجه، وهنا تمكن الحرس الثوري من خلال شركاته إبرام العديد من الصفقات والفوز بعقود بلغت مليارات الدولارات من الدولة في مجالات عدة أبرزها النفط والغاز ومد الطرق وبناء السدود، حتى أن الإيرانيين باتوا يطلقون على قوات الحرس "الحكومة الموازية صاحبة البندقية"!

وهناك تقارير غربية عن تقدير الموقف المالي للحرس الثوري، خلصت إلى تنامي رؤوس أمواله، لا سيما في إطار هيمنته علی مؤسسات مالية، وأرباح شرکات عملاقة داخل وخارج إيران، فضلًا عن حصول المؤسسة على مخصصات مالية ضخمة، كان لها بالغ الأثر في غليان الشارع الإيراني، وانقلابه على النظام أكثر مرة كان آخرها في يناير 2018.

ورغم بيانات إيران الرسمية التي تزعم تقاضي قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني على سبيل المثال، راتبًا شهريًّا لا يتجاوز 1250 دولارًا، فإن الواقع يشي بأن "قاسمي" وغيره من قادة المؤسسة، يهيمنون على ثروات مالية هائلة، تأتي في طليعتها حسابات مصرفية تصل إلى مليارات الدولارات في مصارف آسيوية، بما في ذلك مصارف في كوريا الجنوبية، وماليزيا.

وتؤكد دوائر المعارضة الإيرانية أن تنامي نفوذ الحرس الثوري وتصاعد قوته الاقتصادية داخل وخارج البلاد؛ بات السبب الأول والأخير عن ثورة الشباب الإيراني، خاصةً أن مسؤولي تلك المؤسسة وذويهم يحصلون على كافة الامتيازات، فيما يعاني الشعب فقرًا وفاقة غير مسبوقة.

وفي يناير 2018، وصل الأمر حد أن المرشد علي خامنئي أمر «الحرس الثوري» بتخفيف قبضته على الاقتصاد، مثيراً احتمال تخصيص مؤسسات ضخمة تابعة لـ «الحرس"، وبالنأي عن النشاطات الاقتصادية غير المرتبطة مباشرة بعملهما، عبر مؤسسة «خاتم الأنبياء» للتشييد، والتي تضم وحدها 135 ألف موظف، ينشطون في التنمية المدنية وقطاعَي النفط والدفاع.

وقالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في حينها أن المرشد ربما اقتنع بأن تقليص نفوذ الحرس الثوري الاقتصادي حماية للميليشيا بما يقويها ويجعلها تركز على دورها العسكري. ونقلت عن أحد رجال الأعمال الإيرانيين قوله إن "خامنئي" يريد أن يكون الحرس الثوري ذراعاً عسكرية كبيرة وقوة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وليس مستورداً لـ"مستحضرات التجميل"!

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت