تتقلص الخيارات المتاحة أمام إيران، مع بدء تشديد العقوبات الأمريكية عليها إثر إعلان واشنطن أنه بعد الثاني من مايو المقبل تنتهي الإعفاءات التي سمحت لبعض الدول باستيراد النفط الإيراني دون الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية.
ومع أن العقوبات الأمريكية لا تمنع إيران من تصدير النفط ، إلا أنها تطال مستوردي النفط الإيراني من الدول والشركات، التي باتت في مرمى عقوبات أمريكية تصيب تجارتها واستثماراتها ونشاطاتها المالية في مقتل، سواء في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول التي تتعامل بالدولار كعملة تبادل لتجارتها.
إيران التي تُجفف منابع إيراداتها المالية بالتدريج، لا تملك أي خيار أمام الحلقة الأخيرة من العقوبات إلا المراهنة على الكيفية التي سيتعامل بها شركاء إيران النفطيون، وما إذا كانوا سيتعاملون على أساس علاقاتهم السياسية، أم أنهم سينظرون إلى مصالحهم الاقتصادية والتجارية أولًا.
وتظهِر قائمة مستوردي النفط الإيراني، أن الدول الأبرز في هذه القائمة هي: الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا، وهذه الدول كلها على صلات تجارية ومالية وثيقة بالولايات المتحدة، وحجم تبادلاتها مع السوق الأمريكية، لا يمكن مقارنتها بمصالحها التجارية والنفطية مع إيران، وبالتالي فإنه لا يوجد مجال للمفاضلة بين الجانبين إلا إذا قدَّمت أي دولة من هذه الدول ارتباطاتها السياسية على مصالحها الاقتصادية .
الدول التي يمكن أن تعاند العقوبات الأمريكية هي الصين إلى حد ما وتركيا، لكن مثل هذه المعاندة قد يكون لها ثمن باهظ لا يمكن لإيران تعويضه بأي صورة، حتى لو باعت نفطها بنصف ما يباع به النفط في السوق العالمية .
الواضح أن الخناق يضيق على إيران التي تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية ومالية من كل نوع، وهي إزاء ذلك أمام استحقاقات قد تغير قواعد اللعبة بالكامل.
فالفصل الجديد من العقوبات قد يكون شرارة تفجير جديدة، للشارع الإيراني الملتهب، والذي لم يعد ينطلي عليه شعار التهديد الخارجي كذريعة، يؤجل من خلالها النظام، الاستجابة لمطالب الإيرانيين الاجتماعية والاقتصادية، فضلًا عن مطالبهم المتعلقة بالحريات الأساسية والممارسة السياسية.
وكعادة الأنظمة التي لا تجد حلولًا لأزماتها الداخلية والخارجية، فإن إيران قد تجد نفسها مضطرة للهروب إلى الأمام، وإلى محاولة خلط الأوراق في عموم المنطقة. ولعل الحديث عن إغلاق مضيق هرمز لمنع تصدير النفط الخليجي، أو القيام بعمليات إرهابية انتحارية لعرقلة أي صادرات نفطية بديلة تحل محل صادرات إيران هو حديث من يجد نفسه أمام الفصل الأخير من المواجهة مع المجتمع الدولي.
وحتى لو لم تتجه إيران إلى خيار الحرب والمواجهة، فإنها قد تدخل حربًا اقتصادية تقضي على البقية الباقية من قدراتها الاقتصادية ومواردها المالية.. فهناك احتمال أن تلجأ إلى التحايل على العقوبات عبر وسطاء وشخصيات، لكن مثل هذه الأساليب ستكون مكلفة كثيرًا للدرجة التي تتفاقم معها أزمات المعيشة في إيران بدل أن تكون وسيلة للتعايش مع تلك الأزمات، وتجاوز آثارها الاجتماعية والاقتصادية .
وعلى خلاف ما يظن كثيرون، فإن مماطلة الإيرانيين في التجاوب مع ما طلبته الإدارة الأمريكية بخصوص برنامجها النووي، لم تعد هي الثمن الذي يطلبه الأمريكيون، فالمطالب الآن تتجاوز الاتفاق النووي الذي كانت الإدارة الأمريكية ألغته عند وصول الرئيس ترامب إلى سدة الرئاسة، بحيث لم يعد أي بحث لحلول وسط مع إيران قاصرًا على ذلك الاتفاق بل سيشمل برنامج إيران التسليحي وخاصة الصواريخ بعيدة المدى، وكذلك دور إيران في الإقليم، والذي يتطلب مراجعة شاملة، لا يمكن أن تتم إلا بتغيير السياسات الإيرانية في المنطقة تغييرًا جذريًّا، وهو ما قد يعتبر مطلبًا مستحيلًا بالنسبة لنظام اعتاش منذ وصوله للسلطة على الأزمات لبسط نفوذه والتمدد لخارج إيران.
إيران على مفترق طرق دون أن يكون لديها بوصلة تحدد من خلالها الاتجاه الصحيح، وكل ما يمكن أن تفعله نوع من المقامرة بين رضوخ يغير وجه النظام الإيراني ويلغي مبررات وجوده والأسس التي قام عليها، أو الدخول في مغامرات عسكرية انتحارية يعلم الجميع أنها لن تقوى عليها ولا تملك فرص النجاح فيها، وكل ما يمكن أن ينتج عنها إطالة أمد الأزمة دون أن تتغير نتائجها الحتمية.
نقلا عن: إرم نيوز