كل قرار يُضر بالعرب يضعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الطاولة باعتباره أمرا عاجلا. أما ما ينفعهم فيتم تداوله تحت الطاولة ويتم تأجيله، وقد يؤدي ذلك التأجيل إلى النسيان وهو ما يكشف عن طريقة غير منصفة في التفكير في ما يتعلق بقضايا المنطقة.
فها هو ترامب يقفز على كل الحقائق التاريخية وكل القرارات الدولية ويعترف بحق الدولة العبرية بإلحاق هضبة الجولان السورية المحتلة بها. وهو قرار معاد للعرب ولا يعبر عن تقدير للنتائج التي يمكن أن يجر إليها انحياز ظالم، يهب أرضا محتلة لمَن ليس له حق فيها.
في المقابل فإن كل الحماسة التي يُظهرها ترامب على مستوى التفكير في احتواء إيران وتحجيم دورها العسكري في المنطقة وإنهاء هيمنتها المباشرة وغير المباشرة على عدد من الدول العربية تتخذ في أحيان كثيرة طابعا تهريجيا كما لو أنها جزء من حفلة انتخابية. فالعقوبات الاقتصادية التي تم فرضها على إيران وإن لم تكن من النوع الذي يقصم الظهر، فإن الإدارة الأميركية قد سمحت باستثناءات، يمكنها أن تعين إيران على الاستمرار في تطوير برامجها الصاروخية، إضافة إلى استمرارها في تمويل الميليشيات التابعة لها في عدد من الدول العربية والتي هي بمثابة أذرع لها تطمئن من خلالها إلى أن كل شيء لا يزال تحت السيطرة.
لقد توقع العرب بسبب حماسة ترامب، ووزير خارجيته مايك بومبيو، بأن الموقف من إيران سيكون له الأولوية في السياسة الخارجية الأميركية، وبذلك يكون الرئيس ترامب قد حقق سبقا على سابقيه من الرؤساء الأميركان في مجال الانحياز إلى العرب في قضاياهم فإذا به يوجه إليهم ضربة غير متوقعة في الصميم، حين أعلن عن قراره العبثي بالاعتراف بحق إسرائيل في ضم هضبة الجولان السورية المحتلة.
أعادنا ترامب بخطوته الطائشة إلى الميزان المختل، حيث لا يتم النظر إلى قضايا المنطقة إلا من خلال العين التي ترى إسرائيل وترعى مصالحها. بل إن ترامب فعل ما لم يجرؤ رئيس أميركي على فعله من قبل حين اعتبر الاستيلاء على أراضي الغير حقا. ذلك القرار وإن كان ذا طابع رمزي فإنه ينطوي على الكثير من إشارات الانهيار الأخلاقي في السياسة الدولية.
أعتقد أن رد فعل سياسيا عربيا قويا سيجبر الإدارة الأميركية على توضيح موقفها الملتبس. طبعا ليس مطلوبا أن يكون ذلك الرد بالأسلوب العربي التقليدي الذي يعتمد على تجييش الرأي العام من غير اللجوء إلى قنوات الاتصال الدبلوماسية. فالمسالة أكثر تعقيدا وأشد حساسية من أن يتم استعراضها عن طريق وسائل الدعاية.
ذلك لأنها لا تتعلق بالمصالح العربية التي تم الإضرار بها فحسب، بل وأيضا بمصداقية الموقف الأميركي الذي يمكن أن يؤثر الموقف السلبي منه على المصالح الأميركية في المنطقة.
ما يجب أن يكون واضحا بالنسبة لإدارة ترامب أن العرب قد وضعوا هذه المرة في الميزان مصالحهم مقابل المصالح الأميركية. وهم في ذلك يستعملون اللغة ذاتها التي يستعملها الغرب. لذلك لن يكون بإمكان ترامب وسواه من قادة الغرب أن يديروا ظهورهم بحجة عدم فهمهم للغة التي يستعملها العرب.
مصلحة العرب الحقيقية تكمن في أن تقوم الولايات المتحدة بواجبها من أجل الحفاظ على السلام العالمي. وليس الاعتراف بحق إسرائيل بالاستيلاء على هضبة الجولان السورية واحدة من مفردات تلك المهمة.
ما ينبغي على الولايات المتحدة القيام به من أجل أن تحافظ على مصالحها في المنطقة أن تنظر بعين الاحترام إلى مصالح العرب أولا. وهو ما يعني أن عليها أن لا تضع ما ينفعهم تحت الطاولة لتبدأ بالإضرار بهم. ذلك ما يضر بالمصالح الأميركية. وهو ما أتوقع أن العرب قد وضعوه على طاولة الحوار المستمر بينهم وبين الولايات المتحدة.
فإذا كانت الولايات المتحدة صادقة في سعيها لانتشال المنطقة من فوضى الإرهاب، فما عليها سوى أن تبدأ عاجلا بخطتها لتحجيم إيران.
عن طريق ذلك الإجراء ستكون الولايات المتحدة جادة في الحفاظ على مصالحها. وهو ما اعتقد أن العرب قادرون هذه المرة على أن يبلغوه من غير هتافات جماهيرية وتهليل إعلامي.
فـ”لعبة الجولان” ينبغي أن لا تغطي على الموقف من الخطر الإيراني. فذلك الخطر لا يهدد المصالح العربية وحدها، بل وأيضا المصالح الأميركية.
نقلاً عن العرب اللندنية