"جمهورية الضحك الأولى"
• عبد الناصر كان يكلِّف أجهزة الرئاسة بجمع تقارير يومية عن جميع النكت المنتشرة في الشارع المصري
• نكتة ظهور "صفحة الوفيات" في الصفحات الأُوّل للجرائد أغضبت "ناصر" من عبد الحميد جودة السحار ظلما
• كيف أغلق السادات "الشباك" بينما جثمان سلفه مسجى قبل الجنازة بلحظات.. بعد أن هبت منه "نسمة ترد الروح"!
صدر مؤخرا في القاهرة ودبي معا، كتاب جديد بعنوان "جمهورية الضحك الأولى: سيرة التنكيت السياسي في مصر"، للكاتب طايع الديب، عن متجر الكتب العربية "بتانة". يحكي الكتاب الذي جاء ضمن "الأعلى مبيعا" في معرض القاهرة الدولي للكتاب مطلع هذا الشهر، تاريخ 3 رؤساء مصريين هم "عبدالناصر والسادات ومبارك"، وفق تسلسل زمني يبدأ من قيام ثورة 23 يوليو 1952 إلى ثورة 25 يناير 2011، وذلك كما دوّنته النكت السياسية "مجهولة المؤلف" التي رددها المجتمع المصري خلال عصور هؤلاء الرؤساء الثلاثة.
وبين ثورتين و3 رؤساء، جرت في مياه التنكيت على كبار المسؤولين في مصر حسب الكتاب مياه كثيرة، حيث يمشي الكاتب - بحذر- بين أشواك السياسة المصرية وكواليس الحكم، ليحكي كيف كان عبد الناصر يتعامل بجديَّة تامَّة مع النكت المتداوَلة في الشارع المصري وقتها، وأن الزعيم الراحل كان يكلِّف أجهزة الرئاسة بجمع تقارير يومية وأسبوعية وشهرية عن النكت المنتشرة، وكان يُولي النكات التي تتناول رجال الحكم من "الضباط الأحرار" ومعاونيهم اهتماما خاصا؛ باعتبارها مؤشرا على رأي الناس في المسؤولين، ونوعا من "المعارضة السياسية السرية".
ويحكي الكتاب أن الأديب الراحل عبد الحميد جودة السحار كان يمر يوميا على بائع صحف قريب من مسكنه، ويتطلّع من بعيد إلى عناوين الجرائد الصادرة كل يوم، ويأخذ وقتا في ذلك؛ لأن نظره ضعيف، ثم يمضي لحال سبيله دون أن يشتري أي شيء، فسأله البائع الذي أغاظه ذلك: هو انت يا الافندي بتحب تقرا الصفحة الأولى بس؟
رد عليه "السحار": أيوه، أصل اللي بدوَّر عليه "خبره" هينزل ف الصفحة الأولى!
وغضب عبد الناصر بشدة من هذه النكتة، وأوشك أن يُصدر أمرا باعتقال "السحار"، لولا تدخّل حسن إبراهيم، نائب رئيس الجمهورية حينها، الذي أقنع الرئيس بأن "السحار" ليس بطل هذه القصة، بل إنها أصلا نكتة بولندية من أيام الحرب العالمية الثانية.
ويسرد الكتاب نكتا تسخر من "غياب الديمقراطية" آنذاك، كيف قابل أحدهم صديقه في الشارع مصادفة، فوجده يربط أنفه بالشاش والقطن، قال له: ألف سلامة، اتعوَّرت و إيه؟
- لأ، كنت بخلع ضرسي
- بتخلع ضرسك من مناخيرك؟
- هو في حد يقدر يفتح بقه اليومين دول!
وقبل ساعات من تشييع جنازة عبد الناصر في خريف 1970، يحكي الكاتب: كان الجثمان مُسجى في بيته بمطنقة "منشية البكري"، وقد اجتمع حوله السادات ومحمد فوزي وعلي صبري وسامي شرف وحسنين هيكل. وفتح أحدهم شُباك الغرفة المطلة على حديقة البيت، فدخلت نسمة هواء خريفية لطيفة، قال "الشافعي" لأحدهم: "يااااه.. شوية هوا يردُّوا الروح يا أخي"، فأسرع السادات وأغلق الشباك!
وبعد وفاته بسنوات، زار عبد الناصر السادات في المنام، فقال له الأخير بفخر: إحنا عبرنا القنال في حرب أكتوبر 73 وحطَّمنا خط بارليف ودخلنا سينا وهزمنا إسرائيل يا ريّس. قال عبد الناصر فَرِحا: "دي حاجة ترد الروح يا أنور"، فقال السادات: "بس بعد كدا حصلت الثغرة"!
ويورد المؤلف أن السادات استدعى الكاتب الراحل محمود السعدني التي نُسِب له تأليف عشرات النكت منذ عهد عبد الناصر، وحتى عصر السادات نفسه، فلمّا جاء سأله: كيف تؤلف النكت ضدي يا ولد يا "سعدني" وأنا رئيس اختاره الشعب عبر الاستفتاء العام أمام سمع وبصر العالم بنسبة 90.04%؟
قال السعدني: والله يا ريّس النكتة دي مش من تأليفي!
وفي فصل خاص، ولأول مرة في تاريخ دراسة أدبيات النكتة المصرية، يرصد الكتاب ظاهرة "نقل النكت" من مصر إلى الدول العربية، وإعادة صياغتها بحيث تتناسب مع هذه الدول، ومن ذلك النكات التي استهدفت الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي حكم البلاد سنوات طويلة إلى درجة أن السوريين أطلقوا عليه "السيد الرئيس حافظ الأبد"!
ووفق الكتاب، تداول المصريون العاملون في العراق، وقد وصل عددهم في وقت ما إلى 8 مليون شخص، نكتةً تقول إن رجلا من سكان بغداد عثر في إحدى الخرائب القديمة على مصباح صديء، فلما شرع في تنظيفه خرج منه جِنِّيٌّ مَهولٌ أخبره أنه خادم المصباح، وسأله: شُبِّيك لُبِّيك... تطلب إيه؟
قال له: عايزك تخلَّصني من كل المصريين اللي موجودين في العراق وترجَّعْهُم بلدهم فورًا.
رد الجني: ليه كده بس؟.. ده إحنا بناكل عيش!
ومما جاء في الكتاب أيضا أنه: عشية الغزو الأميركي للعراق عام 2003، دعا جورج بوش "الابن" حليفَه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا لمباحثات في واشنطن، ثم عقد الاثنان مؤتمرًا صحفيًّا عالميًّا، سألهما أحد الصحفيين: ما أهم القرارات التي خرج بها الاجتماع، فقال "بوش": قررنا أن نقتل 20 مليون عربي وطبيب أسنان واحد!
اندهش الحاضرون: ولماذا طبيب أسنان واحد؟
ابتسم "بوش" ومال على أذن "بلير" قائلا: ألم أقل لك إن أحدًا لن يهتم بموت 20 مليون عربي!
وفي نكتة أخرى، كان صدام حسين يجلس في مقر قيادة الجيش العراقي بعد أن احتل الأمريكان ثلاثةَ أرباع العراق، ودخل عليه محمد سعيد الصحَّاف وزير الإعلام، وهو يشير له بإصبعَيْه السَّبَّابة والوُسْطَى، فسأله "صدام": هل انتصرنا بهذه السرعة على العلوج الأمريكيين؟ رد الصحاف: لا، لم يبق من الجيش إلا أنا وأنت!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات الكتاب
• الكتاب: "جمهورية الضحك الأولى: سيرة التنكيت السياسي في مصر".
• الكاتب: طايع الديب.
• الناشر: متجر الكتب العربية "بتانة"، القاهرة، دبي، يناير 2019.
• عدد الصفحات: 196 صفحة "قطع متوسط".