من العار أن يصبح الکاهن زمارا. حکمة سومرية قديمة ولکنها بليغة ودقيقة في معانيها ومقاصدها النهائية، ويبدو إن إيران وبعد الثورة التي أسقطت عرش الشاه وزلزلت المنطقة زلزالا عنيفا، قد إمتلئت من أقصاها الى أقصاها بالکهنة الزمارين حتى إختلط الامر على الکثيرين في إجراء الفرز بين الکاهن والزمار، لکن هذا زمار ولاية الفقيه لم يکن ککهنة سومر أو أي معبد ديني آخر، بل کان مميزا عن کل أنواع الکهنة الزمارين الى الحد الذي يمکن القول إنه کان فريدا من نوعه وقد لايجود الدهر أبدا بنظير أو شبيه له.
هل خلق الله تعالى رجل الدين ليصبح عين الناس وأذنهم وفکرهم وکل شئ في حياتهم؟ زماروا ولاية الفقيه الذين جعلوا منعباءاتهم غطاءا لما قاموا ويقومون به في إيران بعد إستيلائهم على زمام الامور ومصادرتهم للثورة الايرانية ومن يقف بوجههم فإن عمائهم ستلتف کالحبال على رقبته ويردى به بإعتباره محاربا ضد الله ومفسدا في الارض! ونسأل؛ هل کان بإمکانرجال الدين الحاکمين في إيران أن يقوموا بذلك لو نضوا عن أنفسهم رداء السلطة التي صعدوا على رقابها کالکابوس؟
الکهنة الزمارون في إيران، نجحوا في خداع العالم والتمويه عليه عندما طفقوا يزمرون بشعارات براقة تسرق الانظار وطنانة ترهف لها الاسماع، ولکن، وفي غمرة الحيرة والذهول التي بهرت الشعب الايرانية بهکذا حالة غريبة غير مسبوقة، خرجت منظمة مجاهدي خلق لتنادي بأن إيران وشعبها ليسوا بحاجة الى کهنة زمارين وإنما بحاجة الى حرية وديمقراطية وعدالة والتي صارت عينا بعد أثر من بعدهم. ولاريب من إن هذا مايمکن إعتباره بداية لفت الانظار وبقوة الى إن رجال الدين قد تجاوزوا المساحة المحددة لهم بکثير وجعلوا من أنفسهم ليس فقط أوصياء على الناس وإنما على أدق التفاصيل في حياتهم اليومية، ومن يومها بدأت رحى مواجهة غير مسبوقة تدور بين الکهنة الزمارين(نظام ولاية الفقيه ـ وکلاء الله على الارض)، وبين منظمة مجاهدي خلق، التي طالبت الکهنة نالوا من قدسية رسالتهم ودورهم في الحياة،بالعودة الى معابدهم وترك السلطة وشٶونها لمن هم أهل لها! وهذا هو تماما مايريده الشعب الايراني اليوم وبعد 40 عاما من حکم کهنوتي يکتم الانفاس ويجعل من إيران کلها طريقا ذو إتجاه واحد.
قصة الصراع والمواجهة الضارية والعداء الشديد بين النظام الکهنوتي في طهران وبين منظمة مجاهدي خلق، ليست مجرد قصة عادية يمکن سردها بين عشية وضحاها بل هي أشبه بشاهنامة العصر الحديث، لما تميزت بها فصول ومراحل هذا الصراع غير العادي من أحداث وتطورات منحت خصوصية لم نشهد مثيلا لها في أي نظام ديکتاتوري آخر والمعارضة التي تقف بوجهها. وقد ينبري البعض بأن هناك الکثير من الاحزاب والجماعات والتيارات الايرانية المعارضة لهذا النظام، ولماذا يتمالتأکيد دائما على منظمة مجاهدي خلق دون غيرها؟ الاجابة تقتضي طرح تساٶلين يمکن من خلالهما فهم الحالة الاستثنائية لمنظمة مجاهدي خلق من حيث کونها المعارضة الاقوى والاکثر فعالية وتأثيرا، التساٶل الاول هو: أي حزب أو تيار معارض يمتلك تأريخ وماض وأرث نضالي ودور حيوي في إسقاط النظام الملکي السابق ويمکنه أن يٶکد على تمثيله لکل مکونات الشعب الايرانيوإنه يمثل البديل القائم للنظام، کمنظمة مجاهدي خلق؟ التساٶل الثاني: أي حزب أو تيار معارض قام النظام الکهنوتي الحاکم في طهران بالشروع بأضخم حملة سياسية ـ فکرية ـ فنية ـ إعلامية ضده جرى خلالها تشويه وتزييف وتحريف تأريخ المنظمة وکل مايمت لها بصلة وقام من أجل ذلك بتأليف أکثر من 500 کتاب ضده وأنتج مئات المسلسلات التلفزيونية والافلام السينمائية وعقد الآلاف من الملتقيات والندوات ضده کما فعل ويفعل مع منظمة مجاهدي خلق؟
أکبر وأهم إنتفاضتين واجههما النظام الايراني هما إنتفاضة عام 2009 وإنتفاضة 28 ديسمبر2017 ، وقد إتهم النظام المنظمة بأنها تقف خلفهما ولاسيما الاخيرة عند خرج المرشد الاعلى بعد غيبة دامت 13 يوما ليتهم المنظمة رسميا بقيادة الانتفاضة، ولکن هل إتهم النظام أي حزب أو طرف آخر في المعارضة الايرانية بذلك، بل وهل إهتمت وسائل إعلام النظام بأي معارضة إيرانية وأولتها ذلك القدر من الاهتمام الذي توليه لمنظمة مجاهدي خلق؟ مالذي أبقى ويبقي منظمة مجاهدي خلق واقفة دائمة بالمرصاد ضد هذا النظام قوية وفعالة؟ لماذا بقيت لوحدها القوة التي لم تترك ساحة المواجهة ضد النظام وأصرت على الاستمرار في مواجهتها الى نهاية المطاف؟
أکثر شئ يلفت النظر في المواجهة الجارية بين النظام والمنظمة، هو إن المواجهة إستمرت رحاها وإتسعت رقعتها لتشمل إيران والمنطقة والعالم، وحيثما کان هناك عضو لمنظمة مجاهدي خلق، کانت هناك مشکلة وعقدة وشوکة في أمام النظام، حتى يمکن القول بأن النظام يعاني من فوبيا المنظمة وبصورة ملفتة للنظر، وإن طهران لاتکتفي بزوابعها الاعلامية ضد المنظمة في داخل إيران کما قد يتصور البعض بل وإنها عملت وتعمل على نقل مافي جعبتها من حصيلة أکبر عملية تزييف وتحريف وتشويه بحق المنظمة الى العالم کله وبطرق مختلفة، غير إن الذي يسترعي الانتباه کثيرا ويدعو للإنتباه، هو إننا نشهد وبعد الانتفاضة الاخيرة وتأسيس معاقل الانتفاضة في إيران وتزايد الاحتجاجات وتصاعد الدور والنشاط والحضور لمنظمة مجاهدي خلق على مختلف الاصعدة، عودة ترانيم معممي طهران التي باتوا يلقونها"کما يلقي الشيطان الى أوليائه" الى من يطرب لها، وهذه الترانيم تسعى مجددا لطرح أمور وقضايا أکل عليها الدهر وشرب، من أجل التغطية على أمرين مهمين وحساسين جداتجسدا بعد الانتفاضة الاخيرة بشکل خاص، أولهما ضعف النظام وتضعضعه وتراجع دوره، والثاني تصاعد وبروز دور المنظمة وحضورها على مختلف الاصعدة، ويبدو إن کهنة طهران لايملون من البحث والنبش في دکاکين الاقلام المأجورة من أجل إصلاح ماقد فسد من حالهم، وللحديث صلة.
(إيلاف)