بعد شهرين تقريبا، من إعلان الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي، بدء تنفيذ الاتفاق الموقّع مع إيران، ورفع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على طهران، خرجت وثيقة سرية أعدتها سلطات الملالي، عن تفاصيل مخطط يحمل عنوان "المشروع الأمني الشامل في الأحواز"، ويهدف إلى إخماد الحركات النضالية في الإقليم بمشاريع ظاهرها تنموي.
وكانت الوثيقة تم التوافق عليها، في جلسة لمجلس الأمن القومي الإيراني، بتاريخ 29 سبتمبر 2013، نوقش خلالها جميع المقترحات المتعلقة بالمشروع، وتم تحديد فترة زمنية لتنفيذه، كما تم الاتفاق على الهيكل التنفيذي والإداري للجهات المشرفة على المشروع ومصادر تمويله، والدور المنوط بوزارة الخارجية وتجهيز الخرائط الجغرافية للمناطق المستهدفة.
ويرى محللون أن دولة الاحتلال الإيراني تسعى لإخضاع الأحوازيين من خلال الخطط الأمنية والعسكرية عبر استخدام القوة، مشيرين إلى أن تحسين أوضاع أهالي الإقليم اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ليس في قائمة اهتمامات نظام طهران.
تصنيف عالي السرية
تتألف الوثيقة المصنفة بـ"سرية للغاية"، والتي حصلت "الوطن" على نسخة منها، من 45 صفحة، جاء في مقدمتها أن الأسباب الأساسية التي دفعت الدولة الفارسية لإطلاق هذا المشروع في الأحواز، هو وجود الأفكار السلبية تجاهها، وغياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتبعاتها، وهو ما اعتبره المراقبون إقرارا من المسؤولين في طهران بوجود حالة من السخط الشعبي في الأحواز، واعتراف بحرمان وفقر وتمييز، لطالما حاولت إيران إخفاءه طوال العقود الماضية.
وأشارت الوثيقة إلى أن وجود صفات وقيم معينة لدى الأحوازيين تجعلهم يختلفون عن باقي سكان إيران ثقافيا وعرقيا، فضلا عن الضرورات الأمنية التي جعلت العمل على مثل هذه المشاريع حاجة ملحة في سبيل الحفاظ على كيان الدولة الفارسية وتماسكها الداخلي، بحسب الوثيقة.
ويرى المراقبون أن تأكيد اختلاف أهل الأحواز عن باقي الإيرانيين، اعتراف صريح بعروبتهم وبأن إقليمهم محتلّ، معتبرين التحذير الرسمي إشارة واضحة إلى تنامي الخوف والذعر اللذين ينتابان المسؤولين الفرس من خطر التفكك في البلاد.
مخطط مرتبك
تكشف الوثيقة أن تسمية المشروع قد غيرت إلى "مشروع الغدير الشامل في الأحواز"، في جلسة عقدت بمقر الحاكم العسكري للأحواز، ترأسها نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية علي عبداللهي، وذلك بتاريخ 14 أكتوبر 2013، مرجعة قرار تغيير اسم المشروع إلى إزالة الحساسيات المرتبطة بالتسمية الأولى دون الخوض في تفاصيل ذلك.
وفي تطور لاحق، تمت المصادقة على المشروع في جلسة لمجلس الأمن القومي، ترأسها وزير الداخلية رحماني فضلي بتاريخ 27 أبريل 2014، تحت مسمى "المشروع الشامل للتنمية المستدامة في الأحواز"، وهو الاسم الذي استقر عليه المخطط المرتبك بشكل نهائي، ومن المقرر أن يستمر نحو ثلاث سنوات أو خمس.
ويستهدف المشروع وفقا للوثيقة، مدنا ومحافظات وقرى في شمال وغرب الأحواز، على رأسها عاصمة الإقليم، وبالتحديد ضواحي المدينة، إضافة إلى ناحيتي الباجي والدغاغلة ومدينة الحائي، ومدن الحميدية.
وتقع جميع المناطق المستهدفة في المخطط الإيراني، ضمن بؤر المقاومة والحراك العروبي، والحاضنة الشعبية للكفاح المسلح ضد الاحتلال الفارسي في الأحواز.
حرب إعلامية
نصت الوثيقة على دعوة المعارضين لدول البحرين واليمن والسعودية للحضور وإلقاء خطب في مجالي العقيدة والسياسة في مناطق محددة من مدينة الأحواز العاصمة، كما شددت على ضرورة إقامة معرض للكاريكاتير يستهدف دول الخليج العربي، ودعم قناة "الأهواز" والارتقاء بمستواها الفني والعلمي من خلال التعاون مع القنوات الناشطة في هذا الحقل "القنوات الطائفية الشيعية"، تشكيل غرفة عمليات تضم مندوبين من أجهزة الدولة التنفيذية في مجال الثقافة والأمن والاستخبارات والإعلام، من أجل مواجهة القنوات الفضائية المناهضة للدولة الفارسية.
وشددت الوثيقة على ضرورة كشف ومعاقبة المجموعات المنظمة والمرتبطة بالدول الأجنبية، وجمع السلاح المنتشر بين المواطنين الأحوازيين، ومجابهة العوامل التي تسهم في نشر الأفكار القومية في الأحواز ومنع استخدامها كأدوات للضغط على الدولة الفارسية من قبل المنظمات والحركات السياسية في الإقليم.
ونصت أيضا على العمل على التعاون مع أصحاب النفوذ بين الشعب الأحوازي مثل رجال الدين والكتاب واستثمار طاقاتهم في مواجهة التيارات الانفصالية والسنية، ومنع التواصل والتنسيق بين النشطاء الأحوازيين في الداخل والخارج، وضرورة نشر القوات الأمنية والاستخباراتية بشكل أوسع وأكثر في المناطق المستهدفة.
اللجان التنفيذية
يبلغ عدد اللجان التنفيذية للهيئة المحلية، ثلاث تختص أولاها بالأمن، وتنهض الثانية بالدور السياسي والاجتماعي، بينما تحمل الثالثة مسمى لجنة العمران والتخطيط.
وتعقد الهيئة المحلية جلساتها بشكل دوري كل 15 يوما من أجل تقييم الأوضاع على الأرض، والتأكد من تنفيذها حسب الخطط المرسومة، ومن ثم تقوم بإعداد تقرير عما يجري في الجلسات، وترسله إلى الهيئة المركزية للمشروع في العاصمة طهران، وهي بدورها تعدّ تقارير دورية عن عمل اللجان الثلاث وترفعها إلى الهيئة المركزية في العاصمة الإيرانية.
وتقيم اللجان التابعة للهيئة المحلية، جلساتها بشكل دوري، بواقع جلسة واحدة في كل شهر، من أجل متابعة وتقييم الأوضاع، والتأكد من تنفيذها بالشكل المطلوب.
إلى ذلك، تتولى اللجان الثلاث تقييم ومتابعة عمل الأجهزة التنفيذية المرتبطة بالمشروع، وإزالة كافة المعوقات أو المشكلات المحتملة، التي ربما تعوق عملية التنفيذ، وذلك عبر جلسات تقام كل ثلاثة أشهر، فضلا عن تقديم استشارات ومقترحات فعالة لتسهيل عملية التنفيذ على أرض الواقع.
إجراءات مشددة
دعت الوثيقة إلى فرض إجراءات مشددة تستهدف الجوانب الاجتماعية والأمنية، ونادت بتحديث الطرق والشوارع داخل الأحياء في المدن والمناطق المستهدفة لتسهيل عملية فرض السيطرة، وكذلك نصب كاميرات المراقبة، ونشر الأفكار المذهبية عبر شخصيات نافذة والمؤسسات المعنية (دائرة الدعوة الإسلامية، جوامع، دائرة الثقافة والإرشاد وقوات البسيج".
وركزت على انتشار قوات الأمن والبسيج والحرس الثوري في ضواحي المدن لمواجهة الأشخاص المناوئين للنظام الإيراني، وإبراز الشخصيات الأحوازية الموالية للدولة الفارسية ونظام الحكم باعتبارها رمزا للأحوازيين، والترويج لثقافة الزواج بين العرب والفرس، وتغطيتها إعلاميا بالتعاون مع الإذاعة والتلفزيون الرسمي.
ودعت الوثيقة إلى الترويج لأسلوب العيش على الطريقة الفارسية بين الأحوازيين، ونشر الأفكار الإسلامية المتطابقة مع رؤية خامنئي، وحث المواطنين الفرس من الأقاليم الأخرى بالهجرة إلى الأحواز من أجل تغيير التركيبة السكانية عبر توفير فرص العمل الدائمة هناك.
الهيكلية وتوزيع المهام
تبين الوثيقة، الهيكل التنفيذي والإداري للهيئات المشرفة على المشروع ومهامها، ويتضح حجم التركيز على الجانب الأمني من خلال وجود خمسة شخصيات أمنية وعسكرية من أصل تسعة أعضاء رسميين، مما يكشف الذهنية الفارسية في تعاملها مع القضية الأحوازية، إذ يغلب عليها الطابع الأمني والعسكري.
وكانت الحكومات الفارسية المتعاقبة، دأبت طوال تسعة عقود، على تطبيق سياسة الإهمال المتعمد، بغية إخضاع الأحوازيين.
ويتشكل الهيكل التنفيذي والإداري، بحسب الوثيقة، من هيئتين على النحو الآتي:
الهيئة الأعلى للإشراف على المشروع، برئاسة نائب رئيس الجمهورية، تحت مسمى "المجلس الإستراتيجي للأحواز"، وتضم في عضويتها كلا من: وزير الداخلية (نائب رئيس الهيئة)، وزير المخابرات، القائد العام لقوات الحرس الثوري، المدعي العام، نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية، القائد العام لقوات الشرطة، رئيس الإذاعة والتلفزيون، الحاكم العسكري للأحواز وشخصيات من الوزارات الأخرى حسب ما تقتضيه الضرورة.
كما أن سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي في الدولة الفارسية "علي شمخاني"، هو من يشغل منصب سكرتير الهيئة المركزية للمشروع.
وعن مهام هذه الهيئة وطريقة عملها، تنص الوثيقة على أن المجلس الإستراتيجي للأحواز، يعقد جلساته كل ستة أشهر من أجل تقييم ما يتم تنفيذه من المخطط وإزالة المعوقات التي تحول دون تنفيذه، كما أن باستطاعته استدعاء الوزراء في أي وقت لمناقشة التطورات في هذا الصدد.
وأما الهيئة المحلية لتنفيذ المشروع فتكون برئاسة الحاكم العسكري للإقليم، فإنها تضم في عضويتها، كلا من نائب حاكم الأحواز للشؤون الأمنية، وهو يشغل منصب سكرتير الهيئة المحلية، ونائب حاكم الأحواز للشؤون السياسية والاجتماعية، ونائب حاكم الأحواز للشؤون العمرانية، ونائب حاكم الأحواز لشؤون التخطيط، ومدير المخابرات في الأحواز، وقائد الحرس الثوري في الأحواز، وقائد قوات الأمن في الأحواز، وقائد حرس الحدود في الأحواز، وقائد المنطقة العسكرية للقوات المسلحة في جنوب غرب إيران ورئيس المحاكم في الأحواز، وشخصيات أخرى حسبما تقتضيه الضرورة.
وتضم الهيئة مجلسا استشاريا يتكون من الشخصيات المختصة في مجالي الاقتصاد والشؤون الثقافية والاجتماعية، ويتم اختيار الأعضاء من قبل رئيس الهيئة المحلية للمشروع، ويترأسها الحاكم العسكري في الأحواز.
مصادر التمويل
تتلخص طرق تمويل المشروع في الجوانب الآتية:
تخصيص 2% من إيرادات تصدير النفط والغاز بالنسبة المخصصة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في الأحواز، لتمويل المشروع.
تخصيص جزء من ميزانية المجلس الأعلى للأمن القومي، ومجلس الأمن في إيران لهذا المشروع.
2% من إيرادات شركات النفط والغاز والبتروكيماويات المستقرة في الأحواز للمخطط.
أموال الضرائب التي تؤخذ من الشركات النفطية جراء تلويثها للبيئة.
دعم المشروع بجزء من أموال الضرائب للشركات الحكومية الموجودة في الأحواز.
تخصيص 100 مليار ريال سنويا ولمدة خمس سنوات من إيرادات المنطقة الحرة التجارية في شط العرب (أروند).
تخصيص جزء من ميزانية وزارة الداخلية المخصصة للشؤون العمرانية والأمنية والثقافية للمشروع.
تهديدات شاملة
تبين الوثيقة أن هناك تهديدات ومعوقات ربما ستحول دون تطبيق هذا المشروع بشكل كامل، وتشمل النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية، بحسب ما جاء في الوثيقة.
وتتلخص التهديدات الاجتماعية في النقاط التالية:
حالة عدم الرضا وعدم وجود أرضية ملائمة في ضواحي المدن والمناطق المتأزمة تؤدي إلى بروز الأزمات الاجتماعية.
وجود نشاطات وتوترات ذات طابع قومي في ضواحي المدن والمناطق المتأزمة مثل الأحواز العاصمة، الخفاجية، الفلاحية، السوس، تستر، عبادان، المحمرة، معشور، الحميدية، ملا ثاني، كوت عبدالله والخلفية.
حالة الفقر والحرمان المنتشرة في الضواحي، ومدينة الأحواز العاصمة، وباقي المدن التي تعتبر بؤرا للأزمات.
استغلال تقنيات العالم الافتراضي (الإنترنت) في ذكرى انتفاضة 15 أبريل، وشهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى من قبل المعاندين والمناهضين للدولة الإيرانية (النشطاء الأحوازيين).
المشكلات والأزمات والتحركات العقدية والثقافية في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، (القصد هنا ما يذاع أو ينشر في القنوات الدينية أو الصحف حول ظاهرة التسنن في الأحواز).
برامج القوى والمنظمات المعاندة والمناهضة للدولة الإيرانية على الصعيد السياسي واستغلالها قضية الحرمان والفقر وحالة السخط الشعبي في الإقليم.
ارتفاع معدلات البطالة وتعاطي الإدمان بين الشباب في المناطق المستهدفة.
الإهمال في إعادة إعمار المناطق التي دمرت أثناء الحرب الإيرانية العراقية.
اتساع رقعة النشاط المناهض للنظام داخليا وخارجيا في العالم الافتراضي.
معوقات ثقافية
وبحسب ما تضمنته الوثيقة، فإن المشروع الصفوي في الأحواز، تهدده معوقات ثقافية من شأنها أن تحول دون تنفيذه، وهي على النحو الآتي:
ارتفاع نسبة التمييز والحرمان الموجود في المناطق المستهدفة، مقارنة بالأقاليم الفارسية الأخرى.
نشاط بعض الشخصيات المؤثرة في المناطق المستهدفة عبر مؤسسات غير مرخصة قانونيا مثل نقابة الشعراء.
عمل بعض المثقفين (الكتاب) الأحوازيين بهدف مناهضة الدولة الإيرانية، وتغيير رؤى الناس تجاهها.
اتساع نطاق مشاهدة القنوات الفضائية في المناطق المستهدفة وتأثرها بالخطاب القومي والنضالي.
ازدياد مستخدمي الإنترنت وارتفاع مستوى التهديدات الثقافية فيما يخص الحرب الناعمة.
تحديات سياسية واقتصادية
تتمثل التحديات السياسية أمام المشروع الفارسي في الإقليم، فيما يلي:
نشاط المنظمات والحركات في الداخل والخارج، وطرح القضية الأحوازية في المؤسسات الدولية بغية الحصول على الدعم السياسي.
انتشار دعوات الانفصال "الاستقلال" والفدرالية عبر وسائل الإعلام والمراكز الثقافية للمنظمات والحركات المناهضة للدولة الإيرانية في الداخل والخارج. وفي سياق مواز، تتجسد المعوقات الاقتصادية التي تقف حجر عثرة أمام المخطط الصفوي في النقاط الآتية:
انتشار حالة عدم الرضا بين المواطنين الأحوازيين نتيجة صعوبات في الأوضاع المعيشية.
التجمعات والاعتصامات والإضرابات العمالية في الأحواز.
تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية نتيجة مياه البزل التي تنتجها شركات قصب السكر (مشاريع استيطانية).