قام «قاسم سليماني»، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وهو جناح العمليات الخارجية للحرس، بإصدار بيان إدانة قاسية الأسبوع الماضي ضد إلغاء البحرين لجنسية أحد رجال الدين الشيعة البارزين في البلاد. وقد أعلن «سليماني» أن الشيخ «عيسى القاسم» يمثل خطا أخمر بالنسبة إلى طهران. وحذر من أن أي ضرر مقبل يلحق به من شأنه أن يثير انتفاضة مسلحة ويشعل البحرين والمنطقة.
تشكل البحرين، الملكية الخليجية الصغيرة، أهمية استراتيجية بالنسبة إلى واشنطن بالنظر لكونها تستضيف مقر الأسطول الخامس الأمريكي المسؤول عن منطقة الخليج والمناطق المحيطة بها. ولكنها في ذات الوقت تمثل أهمية استراتيجية بالنسبة إلى طهران في وقت يمثل الشيعة فيه غالبية سكانها بنسبة 70% وهي تحكم من قبل عائلة مالكة سنية. لدى البحرين تاريخ طويل من التمييز ضد الأغلبية الشيعية وغالبا ما تميل النخبة الحاكمة إلى تأطير مطالب الشيعة للحصول على حريات أكبر على أنها دليل على أنهم من الطابور الخامس الإيراني. وقد ساعد المسؤولون والقادة الإيرانيون في تعزيز هذا التصور لأنهم غالبا ما يصفون البلاد على أنها المحافظة الرابعة عشرة للجمهورية الإسلامية.
وقد وصل الربيع العربي إلى المملكة الصغيرة في أوائل عام 2011، وقد سارعت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى التدخل لحماية النظام الملكي السني. وقد انهارت محادثات المصالحة منذ ذلك الحين بين الحكومة والمعارضة في حين استمرت الاشتباكات بين الحين والآخر.
وقد استرعت الزيادة في عدد المؤامرات التي يزعم ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني في البحرين وشبه الجزيرة العربية انتباه السلطات في البلاد. منذ عام 2011، اعترضت قوات الأمن البحرينية كميات كبيرة من شحنات الأسلحة المتطورة، بما في ذلك متفجرات خارقة للدروع متجهة إلى الجماعات الثورية الراديكالية مثل ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير، وسرايا المختار.
وقد أعلنت السلطات البحرينية عن العديد من هذه الاكتشافات منذ اتفاق نووي إيران في الصيف الماضي، بما في ذلك الكشف عن مصنع ومخبأ يحوي طنا ونصف من المتفجرات في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015. وقد ردت البحرين باستدعاء سفيرها من طهران وطرد السفير الإيراني من أراضيها. وقد أعلنت المنامة أنها اعتقلت ما لا يقل عن ستين من البحرينيين الذين يزعم ارتباطهم بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله منذ يوليو/تموز من العام الماضي. خلال الأسبوع الماضي، تم توجيه الاتهام إلى 18 شخصا وسحب الجنسية من 5 آخرين ينتمون إلى سرايا المختار. وقد تم اعتراض شحنات ومؤامرات مماثلة في المملكة العربية السعودية والكويت.
وقد ضاعفت إيران شحنات الأسلحة إلى البحرين والجزيرة العربية كما ونوعا منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. لم يكن ذلك من قبيل المصادفة: كان «سليماني» يرغب في فتح جبهة هناك للضغط على السعوديين لوقف الدعم للمعارضة المسلحة المناهضة للحكومة في سوريا. الرسالة الصادرة عن «سليماني»، المسؤول الأول عن الوضع في سوريا، تعكس بوضوح هذه الاستراتيجية.
قبل سحب الجنسية من «القاسم»، كانت السلطات البحرينية تجري تحقيقات في حساب مصرفي يحمل اسمه يحوي قرابة عشرة ملايين دولار. وفي معرض الإفصاح عن حيثيات سحب الجنسية، فقد قالت السلطات إنه قد لعب دورا رئيسا في خلق أجواء التطرف الطائفي وتقسيم المجتمع. وقد قام المسؤولون البحرينيون في مناسبات عديدة بسحب جنسية بعض الشخصيات قبل أن يقوموا بطردهم. القرار الأخير، رغم ذلك، يأتي وسط حملة أوسع على كل المعارضة الشيعية.
جماعة المعارضة الشيعية الرئيسية، جمعية الوفاق، فضلت تاريخيا النضال السياسي على الثورة التي ينادى بها في القصيم. خلال العام الماضي، تم الحكم على زعيمها الشيخ «علي سلمان» بالسجن لمدة أربع سنوات وزادت محكمة الاستئناف الشهر الماضي الحكم إلى تسع سنوات. في الأسبوع الماضي، أوقفت السلطات البحرينية أنشطة جمعية الوفاق بدعوى حماية أمن المملكة.
من جانبها، كانت الحكومات الغربية تولي وجهها شطر اتجاه آخر: وقد عبر المسؤولون في الولايات المتحدة عن انتقاداتهم خلال المؤتمرات الصحفية والبيانات ولكن العلاقات قد بقيت على حالها. وفي الوقت الذي اتخذت فيه الولايات المتحدة موقفا خطابيا على الأقل تجاه سياسة البلاد فقد التزمت الصمت تجاه تصريحات «سليماني».
وقد ظهرت إمكانية تفاقم هذا التصعيد مع ظهور ممثل الشيخ «عيسى القاسم»، الشيخ «عبد الله دقاق»، الذي عقد مؤتمرا صحفيا في مقر وكالة أنباء تسنيم التابعة الحرس الثوري في طهران. وقد أشاد «الدقاق» ببيان «سليماني» واصفا إياه بأنه رسالة واضحة للحكومة البحرينية، كما انتقد المملكة العربية السعودية متهما إياها بدفع آل خليفة للانتقام من الشيعة بسبب قيامهم بتحرير الفلوجة من قبضة «الدولة الإسلامية» في العراق. وقال إن هجمة السلطات البحرينية ضد «القاسم» يمكن أن تؤدي في النهاية إلى «حمام دم». وقد هدد ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير/شباط، والذي كان من المفترض أن يحصل على شحنة أسلحة مقدمة من الحرس الثوري في عام 2013، بالاحتجاج في جميع أنحاء البلاد في حال واصلت قوات الأمن حصارها لمنزل «القاسم».
وأدان رجال الدين الشيعة في المراكز العلمية في قم الإيرانية والنجف العراقية بالإجماع قرار سحب الجنسية من «القاسم» على الرغم من أن رجال الدين وثيقي الصلة بإيران قد كانوا أكثر عدوانية.وقد خاطبه «آية الله العظمى علي السيستاني» في النجف، حيث قضى القاسم سنوات عديدة، بالقول: «مكانتك في قلوبنا وما أصابك لن يضرك». وقد وصف آية الله العظمى «مكارم الشيرازي» في قم تحركات الحكومة البحرينية بـ«الشيطانية» محذرها إياها من نهاية وشيكة. آية الله العظمى «كاظم الحائري»، الذي يمثل مرجعا للعديد من الميليشيات الشيعية العراقية، قام بمقارنة «آل خليفة» بالفراعنة القدماء محذرا من أن قرارهم تجاه «القاسم» يمكن أن يؤدي إلى الإطاحة بهم.
وقد ردد مسؤولو الحرس الثوري وكبار المسؤولين المقربين من «خامنئي» نفس النغمة. بعد يوم من تصريح «سليماني»، أصدر الحرس الثوري بيانا حذر فيه من قيام انتفاضة في البحرين. وعلاوة على ذلك، حذر علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى، السلطات البحرينية أن الخيار السلمي سوف يكون خارج جدول الأعمال في حال واصلت الحكومة تكرار أخطائها. وتشير كل هذه الأمور إلى أن تصريحات «سليماني» قد حظيت بموافقة المرشد الأعلى، الذي له القول الفصل في كل أمور السياسة الخارجية والعسكرية.
على الجانب الآخر كانت لهجة المسؤولين المقربين من الرئيس «حسن روحاني» أقل عدوانية. وقد سارع وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» لطمأنة الجماهير الأجنبية أن هناك أصواتا مختلفة في طهران عبر المسارعة إلى تأكيد أهمية العلاقات الحسنة مع دول الكرام. ولكنه سارع في اليوم التالي في هولندا إلى نفي وجود خلافات مع «سليماني» مؤكدا بالقول: «نحن نواصل التحدث سويا وكلانا يعتقد بأهمية وجود حل سياسي للأزمة السورية».
وقد التزم «روحاني» الصمت بشأن بيان سليماني وقضية البحرين بشكل عام، على الرغم من أنه انتقد بشكل غير مباشر «خامنئي» خلال الأسبوع الماضي في سياق منفصل. خلال حديثه إلى أساتذة الجامعات، أكد «روحاني» أن إيران لن تكون قادرة على تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي إذا أغلقت أبوابها أمام العالم الخارجي. وليس سرا أن أن «روحاني» يسعى لتحسين صورة إيران، خاصة مع جيرانها العرب القلقين حول دور إيران في زعزعة الاستقرار في الحروب الأهلية السورية واليمنية، خاصة مع التدفقات التي تجنيها في أعقاب الاتفاق النووي. وقد أسهمت هجمات الغوغاء على البعثات السعودية في إيران في وقت سابق من هذا العام في زيادة عزلة البلاد.
يوضح تدخل «سليماني» الصارخ في الشأن البحريني إلى أي مدى يشعر الحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى أنهم قادرين على إبراز قوتهم في جميع أنحاء المنطقة. وفي الوقت الذي تفرض فيه الجمهورية الإسلامية نفسها على الساحة العالمية بعد سنوات من العزلة، فسوف يتولى المتشددون القريبون من المرشد الأعلى ضبط النغمة.
| ترجمة - الخليج الجديد