<< طهران تدعم «البوليساريو» بالمال والسلاح من خلال «حزب الله» للسيطرة على منطقة الأطلسي
<< «حزب الله» سلّم للجبهة صورايخ «سام 9» و «سام 11» و «ستريلا» وأنواعا أخرى من العتاد العسكري
<< وزير الخارجية المغربي: «البوليساريو» ليست سوى جزءا من «نهج عدواني إيراني» تجاه شمال وغرب إفريقيا
قررت المملكة المغربية في مايو الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وطالبت القائم بالأعمال في سفارة طهران لدى الرباط بمغادرة البلاد فورا، على خلفية الدعم الإيراني لجبهة «البوليساريو» بالأسلحة والأموال، وهي ميليشيات مسلحة تنازع المغرب السيادة على إقليم الصحراء المغربية منذ عام 1975، حيث تحول النزاع بين الجانبين على الإقليم إلى صراع مسلح توقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1991، حيث تسعى الجبهة إلى تأسيس دولة مستقلة تحت اسم «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية».
وفور الإعلان عن الخطوة المغربية، أجمع مراقبون سياسيون على أن هذا القرار جاء ليكشف للعالم حقيقة نظام طهران الرامي إلى التوسع والتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية، بهدف إيجاد حالة حرب وانشقاق داخلي، ومحاولته تكرار المشروع الطائفي في دول المغرب العربين أسوة بما فعلته طهران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ودعوا إلى ضرورة ممارسة المجتمع الدولي ضغوطه الاقتصادية والسياسية لوقف وعزل النظام الإيراني عن نشر الإرهاب.
وجاء القرار المغربي متوافقا مع توجهات الدول العربية والإسلامية، التي تسعى إلى محاصرة التمدد الإيراني الطائفي في المنطقة، ورفض تدخلاتها السافرة في شؤون الدول، خاصة في ظل استمرار النظام الإيراني في دعم المنظمات الإرهابية لخلق عدم استقرار في الشرق الأوسط، بدءا من العراق إلى سوريا وصولا إلى اليمن والمغرب.
وكانت المملكة المغربية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عام 2009، متهمة إياها بالتشكيك في الحكم السني في البحرين. واستعاد الجانبان «علاقات فاترة» تدريجيا بحلول 2014، لكنها لم تكن قوية يوما في ظل مساندة الرباط لدول «التحالف العربي» الذي يقود حربا منذ سنوات لاستعادة الشرعية من أيدي ميليشيات «الحوثي» الانقلابية المدعومة من إيران.
وشهدت العلاقة بين المغرب وإيران تحولات عديدة منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وحتى قيام ثورة «الخميني» عام 1979 التي دعمت جبهة «البوليساريو» إعلاميا آنذاك، من منطلق سياسية «تصدير الثورة» التي تنتهجها طهران منذ ذلك التاريخ، ودافع «الخميني» نفسه عن خطاب «البوليساريو» الداعي إلى تقرير مصير الصحراء المغربية، والانفصال نهائيا عن المغرب.
وفي زمن لاحق، أعلنت إيران بشكل رسمي دعم ما أسمته «حق تقرير المصير» في الصحراء، وقامت بافتتاح مكتب لـ «جبهة تحرير بوليساريو» في العاصمة طهران، فردت الرباط وقتها باستدعاء الدبلوماسيين المغاربة من إيران وقطعت علاقاتها مع طهران في 30 يناير من عام 1981، ثم عادت العلاقات لاحقاً لكنها استمرت في المد والجزر مع استمرار التدخلات الإيرانية في الشأن العربي هنا وهناك.
أداة ضغط إيرانية
تأتي الأهمية الجيوستراتيجية للصحراء المغربية بالنسبة لإيران لعدة أسباب، أهمها إشرافها على العمق المغربي، ما يجعلها أداة ضغط إيرانية قوية ضد الرباط، قد تلعب الصحراء نقطة تلاقي وانطلاق نحو المراكز الشيعية في غرب أفريقيا، خاصة نيجيريا والسنغال وغانا، فضلا عن إطلال الصحراء على المحيط الأطلنطي، ما قد يسمح مستقبلا بوجود عسكري إيراني يعمل على تهديد الأهداف الغربية.
وقال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، إن إيران تدعم «البوليساريو» بالمال والسلاح من خلال «حزب الله» اللبناني، بهدف توسيع هيمنتها في منطقة شمال وغرب إفريقيا، لاسيما داخل البلدان الواقعة على الواجهة الأطلسية، مشيرا إلى أن «البوليساريو» ليست سوى جزءا من نهج عدواني لإيران تجاه شمال وغرب أفريقيا.
وأكد «بوريطة» أن إيران ترغب في استخدام دعمها لـ «البوليساريو» لتحويل النزاع الإقليمي بين المغرب والجبهة إلى وسيلة تمكنها من توسيع هيمنتها في غرب أفريقيا، وخاصة الدول الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي، كجزء من نهج عدواني لإيران اتجاه دول المنطقة، والدول العربية عامة، محذرا من أن الارتباط القائم بين «حزب الله» اللبناني و «البوليساريو» يكتسي طابعا خطيرا بالنسبة لشمال أفريقيا.
وأشار الوزير المغربي إلى أن «الإيرانيين يقومون بجهود توسعية في دول شمال إفريقيا، ويستقطبون بعض شبابنا عن طريق تمكينهم من منح دراسية، كما أن طهران تطلق أعمالا شيعية تبشيرية في أوساط الجالية المغربية المقيمة بالخارج، لاسيما في بلجيكا».
ونال الموقف المغربي تأييدا واسعاً من الحكومات العربية؛ إذ أعربت الجامعة العربية، عن تضامنها مع المغرب في قراره قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وقال محمود عفيفي، المتحدث باسم الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، في بيان، إن القرار المغربي إزاء التدخلات الإيرانية يعكس موقفاً عربياً صلباً في رفض هذه التدخلات والعمل على التصدي لها.
ومن جهته، أعرب مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن تضامنه الكامل والثابت مع المغرب، معرباً عن دعمه كل ما يتخذه من إجراءات، تعزز سيادته ووحدة أراضيه والحفاظ على أمنه واستقراره في مواجهة التدخلات الإيرانية السافرة.
دور «حزب الله»
تملك المغرب التي تدعو إلى إقرار «حكم ذاتي» في منطقة الصحراء، أدلة دامغة ومفصّلة على دور «حزب الله» في القيام بعمليات تدريب عسكري لـ «البوليساريو» على عمليات حربية في المدن، فضلا عن تسليم «حزب الله» أسلحة ثقيلة للجبهة شملت صورايخ «سام 9» و «سام 11» و «ستريلا» وأنواعا أخرى من العتاد العسكري.
وذكرت مصادر مغربية أن ميليشيات «البوليساريو» بدأت خطة «المظلة الصامدة»، التي حفر أنفاق في المنطقة العازلة مع المغرب، بإشراف خبراء من «حزب الله»، متهمة الحزب بأنه «لم يكن يفعل ذلك إلا بتوجيهات من إيران».
وفي مطلع أكتوبر الماضي، أكدت صحيفة «لابرينسا» البنمية، التواطؤ الإيراني في ملف الصحراء المغربية، مؤكدة أن هذه التواطؤ يسعى لزعزعة الاستقرار وبث الفوضى في شمال إفريقيا، على الخصوص.
ونوهت الصحيفة إلى مشروع القانون الذي تقدم به أعضاء في الكونغرس الأمريكي، منهم جو ويلسون وكارلوس كوربيلو وجيري كونولي، لإدانة التواطؤ بين إيران و «البوليساريو»، وكذلك أهداف طهران المزعزعة للاستقرار في منطقة شمال إفريقيا وغيرها، مشيرة إلى أنه يبدو واضحا أن إيران، وعلى الرغم من الاحتجاجات الداخلية التي تعيشها وتراجع اقتصادها، لم تكف عن توجيه مبالغ مالية ضخمة وموارد نحو كيانات تابعة لها وميليشيات وخلايا إرهابية في بعض البلدان العربية.
وقال خالد الشرقاوي السموني، مدير «مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية»، إن إيران تسعى منذ «ثورة الخميني» إلى التوغل في عدد من الدول العربية وفقا لخطة استراتيجية، وخلال السنوات الأخيرة بدأت طهران تفكر في التوغل داخل أفريقيا، وأبرمت عددا من الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية في عدة دول إفريقية.
وأشار «السموني» إلى أن إيران دعمت جبهة «البوليساريو» بشكل غير مباشر عبر «حزب الله» كنوع من التخطيط الاستراتيجي والتكتيك، لكي لا تظهر بنفسها في الصورة، لذلك أوعزت إلى التنظيم اللبناني الشيعي المتطرف، ليقوم بهذا الدور نيابة عنها، فيما أدى التقارب الكبير بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي إلى إزعاج إيران التي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في المغرب العربي، وجعلها تفكر في استخدام كل ما أمكن من أوراق ضغط لثني المغرب عن مواصلة تعاونه مع محيطه العربي.