<< «الصفويون» تحالفوا مع البرتغاليين لإدخال الاستعمار الأوروبي إلى منطقة الخليج
<< قائد برتغالي للشاه «إسماعيل»: إذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم «مكة» ستجدني بجانبك!
<< إجهاض مخطط «صفوي- برتغالي» للتوغل في البحر الأحمر والاستيلاء على مدينة «السويس» المصرية
عمد الفرس منذ نحو 5 قرون إلى إضعاف العالم العربي، بشتى الطرق، ولو كان ثمن ذلك هو «التحالف مع الشيطان» نفسه، للانفراد بأسباب القوة والنفوذ على دول الخليج العربي بشكل خاص، وذلك بحكم موقعها الاستراتيجي المهم، وباعتبارها «حديقة خلفية» للأطماع الإيرانية!
وهكذا، أدخلت الدولة «الصفوية» التي أرغمت الشعوب الإيرانية على التشيع بالقوة، الاستعمار الأجنبي إلى منطقة الخليج العربي في القرن الخامس عشر الميلادي، ومهّد «الصفويون» من خلال معاهداتهم وتحالفاتهم مع الأوروبيين الطريق للدول الاستعمارية للتواجد في المنطقة واحتلالها، بل والتعاون معهم لتحقيق ذلك الهدف الشيطاني.
وهذه الخيانة التاريخية، تستوجب التذكير بأنه إذا كان ملالي إيران الكاذبين يتظاهرون اليوم بلعن أميركا على الملأ بدعوى أنها «الشيطان الأكبر»، ويرفعون شعارات «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل»، فإن أجدادهم من «الصفويين» هم أول من أدخل الاستعمار إلى منطقة الخليج العربي، وسهّلوا احتلاله، كما سهّلت إيران في التاريخ المعاصر لأميركا احتلال أفغانستان والعراق.
خيانة تاريخية
بدأ البرتغاليون والصفويون بتبادل الرسائل الودية بينهما منذ اليوم الأول لوصول الأساطيل البرتغالية إلى نطاق المياه العربية، حيث دخلوا إلى مياه الخليج في عام 912هـ/ 1507م، أي بعد سنوات قليلة من تأسيس الدولة الصفوية، وكانوا قبل ذلك احتلوا جزيرة «سقطرى» قبالة الساحل اليمني، لكنهم شعروا بعدم جدوى احتلال هذه الجزيرة، نظرا لفقرها في الموارد الطبيعية، ومن ثم حاولوا احتلال عدن، لكنه لم يستطيعوا ذلك فرأوا أن يتجهوا شطر الخليج العربي.
وخشي القائد ألفونسو البوكيرك، الحاكم البرتغالي في الهند، أن يثير تحركه هذا حفيظة الشاه إسماعيل الصفوي، أول حكام الدولة الصفوية، فأراد أن يكسب وده، ويأمن جانبه، ولكي يخيف بهذا التقرب عرب الخليج، فأرسل «البوكيرك» إلى الحاكم «الصفوي» رسالة جاء فيها: «إني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة، ستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدّة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي، وسأنفذ له كل ما يريد».
وفي تلك الفترة، عُقدت اتفاقية بين الشاه إسماعيل الصفوي و «البوكيرك» نصت على أن تصاحب قوة بحرية برتغالية «الصفويين» في حملتهم على البحرين والقطيف، وتتعاون البرتغال مع الدولة الصفوية في إخماد الثورات التي نشبت وقتها في بلوجستان ومكران، وأن تصرف حكومة إيران النظر عن جزيرة «هرمز» في مياه الخليج، وتوافق أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال.
وارتبطت أهداف البرتغاليين ومخططاتهم منذ بداية حركة الاستكشافات الجغرافية أساسا بالعمل للسيطرة على طرق التجارة العالمية في المحيط الهندي، وانتزاعها من أيدي العرب والمسلمين، ولاسيما تلك الطرق التي تمر بالخليج والبحر الأحمر.
وكان هدف البرتغاليين من السيطرة على الخليج إغلاق هذه الطرق بوجه التجار العرب والمسلمين، وذلك لإضعاف العالمين العربي والإسلامي اقتصاديا، والقضاء على الوساطة العربية التجارية بين أوربا والمناطق الآسيوية المنتجة للتوابل والعقاقير والعطور والذهب، ثم تحويل فوائد تلك التجارة إلى أيدي البرتغاليين.
وهكذا، ارتبط «الصفويون» باتفاقيات مع البرتغال منذ وقت مبكر، منذ عهد أول حكام الدولة الصفوية. وفي ذلك الوقت كانت البرتغال قوة استعمارية كبيرة، ففي القرن الخامس عشر الميلادي، كان البرتغاليون قد وصلوا إلى مناطق كثيرة في آسيا وأفريقيا. ولم يكد ذلك القرن يشرف على الانتهاء، حتى كان البرتغاليون قد اكتشفوا طريق «رأس الرجاء الصالح» حول قارة أفريقيا، واحتلوا الهند.
وبعد سيطرتهم على مناطق في آسيا، ومنها الهند، تطلع البرتغاليون صوب منطقة الخليج العربي والمشرق الإسلامي، إذ كانوا بصدد إنشاء امبراطورية مسيحية كبيرة في الشرق، ولم يكتفوا بالسيطرة على الطرق الرئيسية للتجارة العالمية، وإنما عمدوا إلى إحكام سيطرتهم على الطرق البحرية الفرعية الأخرى حتى تصبح جميع منافذ التجارة في أيديهم، بحكم أن الخليج العربي هو شريان التجارة المهم إلى نهر الفرات وسواحل الشام.
واجتمعت لدى البرتغاليين أسباب دينية واقتصادية لاحتلال الخليج، أولها سيطرة «الروح الصليبية» على الجنود البرتغاليين الذين نشأوا في وقت احتدام الصراع بين المسلمين والنصارى في الأندلس، فأشربوا في قلوبهم الرغبة الجارفة في الانتقام من المسلمين، الأمر الذي كان يوجب على الدولة الصفوية محاربتهم دفاعا عن أرض الإسلام، غير أنهم – على العكس- تحالفوا معهم ضد العرب والمسلمين!
قدم الصفويون الخليج للبرتغاليين على طبق من ذهب، ولم يكونوا يأبهون لأغراض البرتغاليين الدينية والاقتصادية، مادامت تحالفاتهم معهم ستؤدي إلى إضعاف الدولة العثمانية، العدو اللدود للصفويين، وإذلال الإمارات السنيّة، وفي سنة 1515م ذهب سفير الشاه إسماعيل الصفوي إلى مملكة هرمز التي كانت تحت سيطرة البرتغاليين، وحمل عدة مطالب واقتراحات للبرتغاليين، أهمها:
1 ـ تقدم البرتغال بعض سفنها لإيران كي تمكنها من غزو البحرين والقطيف.
2 ـ يساعد البرتغاليون الشاه في قمع تمرد قام ضده في مكران.
3 ـ يتنازل الشاه للبرتغاليين عن «جوادر» على ساحل بلوخستان.
4 ـ تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية.
5 ـ تصرف حكومة إيران النظر عن مملكة هرمز، وتوافق على أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال، وألاّ تتدخل في شؤونها الداخلية.
ويذكر المؤرخون أن البرتغاليين كانوا يفكرون بتأجيل احتلالهم للخليج لانشغالهم بالهند، لكن عرض الصفويين للبرتغاليين عجل بغزوهم واحتلالهم للخليج العربي.
الاعتداء على «مكة والمدينة»
لم يقتصر تحالف الخيانة الصفوي مع البرتغاليين فحسب، بل تعدّاه إلى التحالف مع إيطاليا وإسبانيا والمجر وهولندا وبريطانيا، الأمر الذي أوجد لهذه القوى الاستعمارية أيضاً موطئ قدم في منطقة الخليج.
ويتجلى ذلك في التحالف الذي قام بين الصفويين والأوربيين، وفي مقدمتهم البرتغاليون، لمهاجمة الدولة العثمانية السنيّة، وبعض الإمارات السنيّة المستقلة، ومعلوم أن التواجد البرتغالي في منطقة الخليج العربي، واحتلال بعض المناطق الإسلامية، كان امتداداً للحروب الصليبية.
وذكرت المراسلات التي تمت بين ملك البرتغال ورجال الدولة الصفوية أنه إذا «سيطر البرتغاليون على بعض مناطق الخليج كالبحرين والقطيف، فإن الطريق إلى الأراضي المقدسة من ناحية الشرق ستصبح ممهدة للسيطرة البرتغالية على مكة والمدينة، وانتزاع اسم محمد صلى الله عليه وسلم من الجزيرة العربية كلها».
وهكذا لم يجد «الصفويون» مانعاً من مساندة البرتغاليين في محاولتهم الاعتداء على «مكة والمدينة»، ما دام تحالفهم معهم سيؤدي إلى إضعاف الدول السنيّة.
وفي هذا الصدد، أظهرت وثائق كشف عنها الأكاديمي الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ، أستاذ التاريخ الحديث سابقاً في جامعة الملك سعود بالرياض، عن خطة لم يكتب لها النجاح الكامل حاك خيوطها الاستعماري العريق ألفونسو البوكيرك والشاه إسماعيل الصفوي أيضا، ومؤدى هذه الخطة أن يعمل الشاهُ على شغلِ السلطانِ المملوكي في مصر حتى يتمكن البرتغاليون من التوغل في البحر الأحمر والاستيلاء على جدة، ومن ثم الوصول إلى مدينة «السويس»، مما أدى لإرباك السلطان المملوكي، الذي تمكن في النهاية من الصمود أمام هذا المخطط «الفارسي- البرتغالي».