تتعرض الثروة السمكية في بلاد الرافدين إلى كارثة بيئية كبرى مع نفوق آلاف الأطنان من الأسماك بشكل مفاجئ في المزارع المقامة بنهري دجلة والفرات جنوب البلاد، وقد وجهت أصابع الاتهامات إلى النظام الإيراني بالوقوف وراء الكارثة في عدد من محافظات جنوب العراق بشكل مفاجئ يسبق فرض عقوبات أمريكية على طهران.
ويعاني العراق منذ سنوات، انخفاضا متواصلا في منسوب مياه نهري دجلة والفرات، نتيجة قلة تساقط الأمطار في موسم الشتاء ونتيجة السدود والأنشطة المائية في دول الجوار.
ويعتمد العراق في تأمين المياه بشكل أساسي، على نهري دجلة والفرات وروافدهما والتي تنبع جميعها من تركيا وإيران، وتلتقي قرب مدينة البصرة جنوب العراق، لتشكل شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.
إيران المستفيد
الإعلامي العراقي مقداد الحمدان يتساءل: "من الذي يهدف الى قتل الاسماك بحوض الفرات ؟! وهل دجلة يتعرض لنفس الهدف؟، وتابع "نفوق مئات الالاف من الاسماك في الهندية و واسط و بابل و الديوانية والخسائر مليارية والأسماك المجمدة الايرانية تغزو الأسواق في المحافظات وهذا ما تعمل عليه جهات تجارية داخل وخارج العراق".
إلى ذلك، قال الخبير البيئي الدكتور شكري حسن، إن الحالات الأخيرة لنفوق الأسماك في محافظة بابل بهذا العدد الهائل والشكل المفاجئ، دليل واضح على احتمالية تلوثها بمواد شديدة السمية.
وأضاف حسن، إن هذه الأعداد لا يمكن أن تكون قد نفقت نتيجة أمراض أو أوبئة، وإنما بطريقة مقصودة أو عرضية.
وقال عضو مجلس محافظة بابل، أحمد الغريباوي، إن “الأسماك بعد نفوقها تحوّلت إلى مواد سمّيّة، وهناك مخاوف من تسبب الأسماك المتفسخة بتسمم المياه وتلوثها، داعيًا إلى “التدخل بشكل عاجل لرفع تلك الأسماك النافقة حفاظًا على حياة المواطنين من التسمم”.
وأضاف في تصريح لوسائل إعلام محلية: أنه في حال تسمم المياه فإن الأمر سيتحوّل إلى كارثة بيئية كبرى لاتقتصر على بابل، وإنما تمتد إلى جميع المحافظات المجاورة عبر المياه”.
المرض
فيما قالت وزارة الزراعة العراقية إن سبب نفوق ملايين الأسماك خلال الأيام القليلة الماضية يعود لمرض "تنخر الغلاصم البكتيري" الذي انتشر في عدة مناطق مؤخرا.
ونفت الوزارة في بيان صحة ما تردد من أنباء أشارت إلى أن سبب نفوق الاسماك يعود لإلقاء مواد سامة في نهر الفرات، مؤكدة عدم تسجيل إصابات جديدة خلال اليومين الماضيين، ووقعت الإصابة الأولى بالمرض بداية الشهر الماضي في أقفاص تربية الاسماك في مناطق محافظة ديالى المحاذية لبغداد، حسب الوزارة.
وأضافت أن استفحال الإصابات في بعض المناطق، جاء بسبب توفر ظروف مهيئة للمرض، من أبرزِها الازدحام في الاقفاص، وقلة الأكسجين، ووجود المواد العضوية المتحللة، إلى جانب قلة الإيرادات المائية.
وكانت شرطة بابل قد أعلنت في وقت سابق من الأربعاء، عن منع دخول كافة أنواع الأسماك سواء الحية أو المجمدة إلى المحافظة حتى إشعار آخر، وأشارت إلى أنها لا تستبعد أن تكون القضية نتيجة تنافس غير شريف بين تجار الأسماك في السوق.
تقليص المساحات المزروعة
وقبل أسابيع أعلنت وزارة الزراعة العراقية، تقليص المساحة المزروعة للموسم الشتوي، بنسبة 55 بالمائة، جراء نقص مياه الري.
وكان العراق قرر في يونيو/ حزيران الماضي، حظر زراعة ثمانية محاصيل زراعية صيفية، من بينها الأرز والذرة والقطن، بسبب أزمة المياه.
وقال حميد النايف، المتحدث باسم الوزارة في بيان، إن "الخطة الزراعية للموسم الشتوي الحالي، هي أقل من الموسم الماضي بنسبة 55 بالمائة، بالتالي فإن الموقف المائي لا يسمح إلا بزراعة 1.711 مليون دونم" (الدونم يعادل ألف متر مربع).
وبين أنه "سيتم شغل 1.261 مليون دونما، لزراعة القمح، و250 ألفا لزراعة الشعير و200 ألفا لزراعة الخضار".
وأوضح: سيكون بإلامكان، إضافة مساحات إلى الخطة الزراعية الشتوية، في حال توفر إيرادات مائية نتيجة سقوط الأمطار.
ويبدأ موعد تنفيذ الخطة الشتوية، في 15 أكتوبر/ تشرين أول، في المناطق الجنوبية، والأول من نوفمبر/ تشرين ثاني في المحافظات الأخرى.
ويعتبر العراق من بين أكثر دول المنطقة استيرادا للحبوب، جراء تضرر قطاع الزراعة بشدة خلال عقود من الحروب والحصار والجفاف.
مياه البصرة
أما البصرة ونتيجة نسب الأملاح العالية في المصادر المائية المحلية داخل البصرة، واجهت مشكلة كبيرة في إمكانية الحصول على مياه الشرب الآمنة، ففي معظم الأحيان لا يصلح استخدام مياه الشبكة العامة لغير أغراض الاستحمام والتنظيف.
أما مياه الشرب فعادةً ما يتم شراؤها من صهاريج المياه أو الأسواق التي تحظى بإمدادات من منشآت بتروكيميائية تستخدم تكنولوجيا التناضح العكسي للتخلص من الأملاح الزائدة.
وتعاظمت المشكلة مع قطع إيران لنهر الكارون وتحويل مجراه فزادت نسبة الملوحة أربعة أضعاف عن النسبة الطبيعية التي حددتها منظمة الصحة العالمية، وهذا يعني تحول المياه إلى سم قاتل يهلك الحرث والنسل.
وكشفت شعبة الرقابة الصحية في دائرة صحة البصرة، عن ارتفاع نسبة التلوث بمياه الإسالة في المحافظة بشكل كبير جدا، وقالت إن التلوث الكيميائي في مياه الإسالة بلغ 100%، والتلوث الجرثومي 50%.
وتسببت المياه الملوثة، التي تعاني منها محافظة البصرة، بتسمم المئات من السكان الذين اكتظت بهم مستشفيات المحافظة خلال الأسابيع الماضية.
الأكيد أن العقوبات الأمريكية الصارمة على نظام طهران، سيدفع إيران إلى المزيد من الهيمنة الاقتصادية على العراق، والواضح أن المستفيد الأكبر مما يجري هو الاقتصاد الإيراني.