من لم يفهم أن التشيع صنفان فاعل ومنفعل لا يمكن أن يفهم كيف يمكن أن يكون أداة سلطان للفاعل يحرك نزعات التهديم الذاتي عند المنفعل من توابعه.
وحتى يدرك القصد من هذه المقابلة فلتلاحظوا أن كل الظاهرات العجائبية والدالة على فقدان أدنى حد للعقل لا نراها إلا في العراق وسوريا وكل شيعة العالم وشيعة إيران من غير الفرس.
لذلك فما أسميه التشيع الفاعل هو تشيع فرس إيران. وهو يرد إلى جوهر الفهم الباطني للدين الذي لا يتجاوز التوظيف في دور الأداة التخديرية للسلطان الروحي والسياسي.
وإذن فكل تشيع غير فارسي هو تشيع منفعل بمعنى أنه خاضع لفنيات التخدير الروحي والسياسي للتشيع الفاعل وهي فنيات وظيفتتها غسل الأدمغة ضدهم من أجل أن يكونوا أدوات بيد الفارسي.
وإذن فالتشيع الفارسي استراتيجية حربية للانتقام من العرب بالعرب وبكل مسلم يجند بالتشيع المنفعل ليكون من أدوات تحقيق عكس ما فعل العرب بما يتصورونه عهدهم الزاهر.
فالعرب فتحوا فارس بالإسلام والعرب ليخرجوهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ثم به وبكل المسلمين ممن آمنوا بالرسالة للمحافظة على الفتوحات فعكس الفرس بالتشيع الفاعل الآية لاسترداد امبراطوريتهم.
ولما كان الفتح فرسانه الأساسيون هم العرب فإن إيران عكست فجعلت العرب مخربي ذاتهم وأداتهم الأساسية لاسترداد ما يعتبرونه امبراطوريتهم الغابرة.
بدأت حربهم المضادة فارسية (اغتيال الفاروق) كما بدا الفتح عربيا ثم سرعان ما انتقلت إلى غسل أدمغة العرب والمسلمين بالتشيع التخديري فكانت الفتنة الكبرى باغتيال ذي النورين.
وما يسمى بالخوارج ليس إلا الشكل الثاني من نفس الاستراتيجية وبها اغتيل الخليفة الرابع لما فهم خطتهم وحاول تحقيق الصلح بين المسلمين للحفاظ على وحدة الأمة.
فهم في الحقيقة ضحايا نفي الخطة التي نراها اليوم تعمل لدى البعض من المقاومة في العرق والشام وليبيا واليمن إلخ…مثلا والتي تبدو في الظاهر سنية وهي في الحقيقة من أدوات الباطنية لأنها تمهد لهم الطريق وتؤجج القتال بين المسلمين.
وإذن فالوضع الراهن هو نتيجة لاصل العملية منذ فجر العهد الراشدي وتطور في صراع تاريخي أخرج العرب من اللعبة ليصبح مع الأتراك منذ القرن السادس عشر.
وعندما أصبح مع الأتراك بعد تكون الدولة الصفوية فهو يذكر بالأصل الباطني للتشيع الفاعل للدور الإيديولوجي الذي أدته بقايا الباطنية في الشام.
وبهذا يمكن أن يفهم من لا يريد أن يفهم لماذا كان ابن تيمية يعتبر ضرورة الحسم مع هذه البقايا وكان يقدم ذلك على المعركة مع المغول والصليبية.
وإذن فالمعركة مع الباطنية معركة مضاعفة: هي أولا معركة مع التشيع الفاعل وحسمها يكون برد الفرس إلى ما كانوا عليه وهي معركة مادية وعسكرية بالأساس. فهم مجرد قوة مادية ثأرية بلا روح ولا أخلاق.
ولذلك فلا حد للجرائم التي تنتظر منهم. وأولاها الاعتماد على الكذب والدس والتقية الباطنية ولا يطمئن إليهم أو يصدقهم إلا غر لأنهم لا يؤمنون إلا بالغدر ككل ذليل استكبر للؤمه.
وهي من جنس المعركة مع قوة مادية ثارية أخرى هي إسرائيل لها نفس الغاية وهما من نفس الطبيعة: فكلتا القوتين مادية صرفة ليس لها مضمون روحي موجب بل أساسها “الروسنتمون” عقد نقص.
فكلتا القوتين مادية بلا روح ولا أخلاق هدفها الانتقام من العرب المسلمين -السنة خاصة-من أجل محو تاريخ الأمة الإسلامة وإعادة الإقليم إلى ما قبل الإسلام.
وهما بذلك متحالفان مع بقايا الصليبية وخاصة مع بيزنطة (اليوم وريثتها هي روسيا) فوجود الأتراك في الاناضول وأوروبا والإسلام في الإقليم عندها احتلال لمستعمراتها السابقة.
والمعركة الثانية تحرر التشيع المنفعل من التخدير الإيديولوجي التي جعل الشيعة العرب كالإنسان الخاضع للتنويم المغناطيسي والمأمور بتهديم ذاته وهو في غيبوبة.
وأعلم أن التصدي لهذه المعركة أعسر من التصدي لتلك. ذلك أنه يشترط استراتيجية شديدة التعقيد لا يمكن أن تقوم بها أنظمة متخلفة صار حكامها مخلدين إلى الأرض همهم كروشهم وعروشهم.
كما أن المقاومين من شباب الأمة الذين يعملون في إطار الخطة الخبيثة للتشيع الفاعل يوطدون استراتيجيته من خلال عدم فهم طبيعة التشيع المنفعل الذي يحاربونه وهو مثلهم ضحية.
فعندي أن الحشد الشعبي وكل المليشيات من غير الفرس هم من التشيع المنفعل وهم ضحايا بدليل أن القيادات كلها من التشيع الفاعل الذي يستعبدهم : وقائدهم السيستاني الأعجمي.
وعدم فهم هذا الفرق يجعل المقاومين من السنة هم بدورهم أدوات غير واعية في الخطة الفارسية لأن الاقتتال بين الحشد والمقاومة هو لصالح إيران.
فذلك هو القصد بأن يكون العرب أدوات تهديم العرب والمسلمون أدوات تهديم المسلمين وإيران وإسرائيل تتفرجان ومعهما الصليبية الشرقية والغربية.
وفي الحقيقة هم لا يكتفون بالتفرج بل هم يقودون المعركة ويتدخلون لزيادة أوارها وصب الزيت في النار وتسليح الصفين لتحقيق الهدف: إعادة ما قبل الإسلام.
أعلم أن المتنمرين كالعادة سيقولون هذا من منطق القول بالمؤامرة. وقد بينت وكررت مرات عدة أن الصراع في التاريخ لا علاقة له بالمؤامرة بل هو جوهر تنافس الأمم وتغالبها على خيرات الأرض وقيم الوجود.
فإذا كانوا يسمون ذلك مؤامرة فلا مشاحة في الاصطلاح. الفرس لا يقدرون نعمة الإسلام-الشاهنامة تفيد ذلك-بل هم يريدون مثل اليهود الثار من العرب لما فقدوه.
ويعتقدون أن الفرصة سانحة محليا واقليميا ودوليا. فـمحليا هم القوة القائدة في إيران. وإقليميا العرب نيام. ودوليا الغرب يستعد لعماليق نظام العالم الجديد ومن مصلحته إضعاف المسلمين للاستحواذ إلى أدوات السلطان العالمي.
وفي هذا الاستعداد لا بد من إلغاء كل قوة غير موالية لشروط بقائه القوة الأولى في العالم إزاء أقطاب جديدة قد تنافسه على دار الإسلام بما فيها وبموقعها وثرواتها.
وهو يعتقد على صواب أن السلطان على دار الإسلام مستحيل من دون القضاء على قلبها وقاطرتها أي العرب والإسلام السني صاحب النص والمعالم الدينية.
ومما يجعل الغرب يحلم بأن فرصة تحقيق ذلك أصحبت متوفرة هو أن النخب العربية النافذة أصبحت أكبر مخرب للإسلام بدعوى التحديث السطحي والغبي فضلا عن غباوات الأميين من التأصيليين والتصوفيين.
ولهذه العلة فإن الطوابير الخامسة هي المليشيات بنوعيها من النخب العربية التي تقاتل بالقلم والسيف مع إيران وإسرائيل والغرب للتهديم الذاتي.
تصنيف المعارك
وبذلك فالمعارك قد أصبحت خمسا: 1-ضد الصفوية 2-والصهيونية 3-والصليبية الشرقية 4-والصليبية الغربية 5-والطوابير الخامسة التي تخدمهم في مناخ النوم العربي سواء كانت في الأنظمة أو في الشعوب.
وضع المعادلة التي تحدد هذه المعارك وترتبها وفهم الإشكال بالتوصيف الدقيق لمعطيات المعارك هو الذي يمثل نصف الحل وخاصة إذا بدأ بتوعية الشباب المقاوم.
وقد يكون في شعور الأنظمة بأن رأسها باتت مطلوبة مباشرة بعض الأمل في أنها قد تستيقظ فتكون عونا للصالح من المقاومة بداية لخوض المعارك بكل ثقل الأمة.
لكن ذلك ليس أمرا أكيدا فالكثير من الأنظمة مستعدة للعودة إلى منزلة الغساسنة والمناذرة بل دون ذلك بكثير لأنها تقنع بظاهر الحكم وتتنازل عن شروط السيادة.
فهم يتراكضون وراء إيران وإسرائيل وبوتين وأوباما ولا يهتمون بشروط القيام الذاتي ثم يعيبون على من له هذه الشروط ويفاوض كند يحترمه العدو.
بعضهم لا يستحي فيلوم أردوغان رغم ما توصل إليه من حلول وسطى وهم خاضعون بدون مقابل بدعوى أنه يطبع مع اسرائيل وهم غارقون في “الطبعة”(الوحل).
36-“الطبعة” بالتونسي هي الوحل. فهم غارقون في وحل التطبيع والخيانة إلى “العنكوش” (الرقبة بالتونسي) لأنهم جميعا يعتبرون إسرائيل شفيعهم لدى حاميهم وإيران سيدة الكثير من الحكام شكلا.
لذلك كتبت منذ سنة متوقعا أن أردوغان سينتهي إلى اليأس من حكام العرب وسيغير وجهته نحو ما كانت عليه تركيا قبل محاولته إرجاعها إلى حضنها الإسلامي.
وقد حدث ما توقعت. كلهم تراكضوا إلى بوتين في اللحظة التي جيش جيوشه لتهديم تركيا بتحالف بين مع إيران والغرب الذي استسنح الفرصة للجم تقدمها ومنع عودتها إلى حضنها الإسلامي.
ولهذه العلة كتبت عن تركيا مرتين لأبين العلل الموضوعية لعدم دخولها الحرب ثم لابين علل الموقف التركي الأخير في الصلح مع إسرائيل وروسيا شرطا في منع خطة الإطاحة بالنظام ذي الميل الإسلامي.
وهدفي ليس الدفاع عن أردوغان فمنجزاته وحدها كافية للدفاع عنه بل لبيان الخدلان العربي والنفاق الذي ينهى عن خلق ويأتي مثله بل أسوأ منه بذلة.
أعود إلى المعارك لارتبها ثم لأبين كيفيات خوضها خوضا فعالا والخطاب موجه بالأساس لمن استيقظ من الأنظمة ومن المقاومة الشبابية لضرورة الصفين.
ترتيب المعارك
فأقرب التشيع المنفل للوعي بانفعاله هو التشيع في إيران نفسها: فهؤلاء يرون مباشرة كيف أن التشيع الفاعل يختلف عنهم ويستعملهم مع احتقارهم.
ولعل أفضل مثال في هذه الحالة هو شيعة الأحواز.فهم اكثر الناس فهما لهذا الفرق ليس لأنه غير فرس فحسب بل لأنهم عرب: احتقار العرب عقيدة فارسية.
لكن الاحتقار لا يقتصر عليهم بل كل الشيعة من غير الفرس محتقرون ويعتبرون منفعلين لا فاعلين. ولذلك فلا سلطان لهم على جماعتهم فضلا عن دور في الدولة الإيرانية بل هم مستعمرون.
وهؤلاء هم غالبية سكان إيران لأن الفرس قد لا يمثلون ربع السكان ومن ثم فالمعركة هنا هي البداية: الفرق بين التشيعين يوقظ المنفعلين ليفعلوا.
وتلك هي الخطوة الأولى في المعركة الأولى مع الصفوية أي مع التشيع الفاعل. أما الخطوة الثانية فهي علاج التشيع المنفعل لدى شيعة في الوطن العربي بالمعاملة الحسنة والتوعية الصادقة.
ثم إنهم من نعم الله قد بدأوا يتحركون ويشعرون بالانفعال. ودليلي هو حركات شباب العراق من شيعته.فهذه الحركة المباركة إن ساعدناها ستوقظ كل شيعة العرب ليفعلوا.
والخطوة الأخيرة في نفس المعركة الأولى مع الصفوية هي تحرير شيعة المسلمين كلهم من الانفعال والعودة إلى حب آل البيت مثل السنة دون غلو أو تاليه.
فنكون بخطة المعركة الأولى قد حسمنا المعركتين الثانية والثالثة مع أدوات إيران بصنفيها أي الأنظمة المتراخية وعملائها من النخب والمقاومة المتغابية وتبقى معركتان كبريان.
وهكذا نصل إلى المعركتين الأخيرتين اي الرابعة مع الغرب والخامسة مع إسرائيل. سيسأل سائل: كيف تقدم المعركة مع الغرب على المعركة مع إسرائيل؟ الجواب: لهذا التقديم علتان عميقتان.
فبخلاف الوهم المعركة مع الغرب أيسر من المعركة مع إسرائيل. ففي الغرب ينبغي التمييز بين الأنظمة والشعوب أما مع إسرائيل فالشعب والنظام شيء واحد.
الشعب الإسرائيلـي يعلم أن سقوط نظامه يعني نهاية دولته وعودته إلى الشتات. أما الشعوب الغربية فتميز بين مصالحها ومصالح حكامها. ومن ثم فالعمل الذكي فيها ممكن.
والمعركة مع الغرب ليست عسكرية رغم أنها في آن معركة معه ومع إسرائيل بصورة غير مباشرة لأن قوة اسرائيل ليست ذاتية فحسب بل هي مستمدة بالأساس من التاييد الرسمي الغربي المطلق.
والتأييد الرسمي الغربي المطلق سره سلطان مافياتها على النخبة الحاكمة والنخبة الاعلامية والفكرية. فينبغي إذن العمل على إفقادها التأييد الشعبي.
وهذا يسير لو كان للعرب “مخ” أي قدرة على التفكير السوي والصبور وطويل النفس مع العلم بالوضع الشعبي في الغرب. ذلك أن الشعب فيه أصبح مزيـجا. ومن يكره الإسلام منهم هم كبار السن وذوي الأصل الغربي.
وهم المصوتون حاليا. أما الشباب فيعتمد على الثقافة الشعبية أي الفن الشعبي والرياضة وأنماط العيش التي هي أقرب إلى العالم الثالث منها للغرب.
وبهذا يمكن بيسر غزو القاعدة الشعبية للأنظمة والتاثير بأبطال الرياضة بكل أصنافها والفنانين الشعبيين فضلا عن توظيف حركات المجتمع المدني من جميع الأصناف.
وهؤلاء الشباب هم المصوتون قريبا وسينقرض كبار السن الذين ربوا على كراهية العرب والإسلام وعلى احتقار ثقافة الشعب الذي تغير فاصبح أقرب إلينا منه إليهم وهو الذي سيحكم الغرب بالتدريج.
ولما كانت الثقافة الشعبية في الغرب هي ثقافة العالم الثالث-ثقافة السود واللاتين والعرب والمسلمين-فإن الاستراتيجيا طويلة النفس تجعل مسرح المعركة هنا.
وبذلك فإن المعركة الخامسة والأخيرة تكون تحصيل حاصل: فإسرائيل ستقع كما تقع الثمرة الخامجة دون جني. ويقتضي ذلك أن يستيقظ العرب ليفعلوا.
واليقظة عملية روحية لا يكفي فيها الاجتهاد الفكري بل لا بد من الجهاد العملي. وما يجري من معارك حقيقية في الإقليم بداية اليقظة بحق. فالثورة ستعيد للعرب خاصيتهم إباء الضيم والشعب المحارب.
لست أدعي في العلم فلسفة. كل ما في الأمر أني أعتقد أن للأشياء طبائع وأن العمل على علم لا يكون من دون العودة إلى هذه الطبائع منطلقا للعلاج.
كذلك نصحنا القرآن الكريم: “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق”: الحق يتبين من طبائع الأشياء بنوعيها هي طبائع الآفاق وطبائع الانفس.
فالآفاق هي طبائع الظاهرات الطبيعية والأنفس هي طبائع الظاهرات الإنسانية أو التاريخية. وكلاهما مجال الاعتبار القرآني لتربية البشرية وسياستها.
وكل علل الأمة وأدواؤها مردها إلى ما سماه ابن خلدون “فساد معاني الإنسانية” بسبب فساد التربية والحكم. العمل بالسنن كما حددها القرآن الكريم شرط النصر.