<< العملية الفدائية تؤكد أن «الحرس الثوري» عاجز تماما عن حماية نفسه.. فكيف يحمي إيران؟!
<< الهجوم يعد بكل المقاييس تحولا نوعيا في «نضال» المقاومة العربية الأحوازية ضد الاحتلال الفارسي
<< محلل سياسي سعودي: العملية الفدائية لا علاقة لها بتنظيم «داعش» الإرهابي لأنه يعمل لمصلحة إيران
تحوّل يوم إحياء نظام الملالي لذكرى الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) في 23 سبتمبر الماضي، إلى مسرح لعملية فدائية مسلحة استهدفت عرضا عسكريا في مدينة الأحواز، عاصمة الإقليم العربي المحتل الذي يحمل الاسم نفسه. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن الهجوم أسفر عن سقوط 24 قتيلا معظمهم من قوات «الحرس الثوري»، فضلا عن إصابة نحو 60 آخرين.
وكان تلفزيون إيران الرسمي ينقل تفاصيل العرض العسكري السنوي على الهواء مباشرة، حيث سارت الأمور كالمعتاد، حتى بدأت تدوي زخات رصاص في خلفية العرض. وبعد لحظات قليلة ارتفعت حدة إطلاق النار بشكل كبير، ودبت الفوضى في المكان، وفر العسكريون والجمهور على حد سواء، فيما سارع التلفزيون إلى قطع البث المباشر عن الحفل.
وعرض التلفزيون الحكومي صورا لما بعد الحادث مباشرة، أظهرت مسعفين يساعدون شخصا يرتدي ملابس عسكرية يتمدد على الأرض، كما أظهرت أفراد أمن يصرخون أمام منصة مشاهدة العرض العسكري، فيما أظهر مقطع مسجل بثه الموقع الإلكتروني للتلفزيون الرسمي جنودا خائفين ومصدومين في موقع الهجوم، وتساءل أحدهم «من أين جاؤوا؟»، ورد آخر «من خلفنا»!
حجم الفزع الإيراني
زلزلت العملية أركان النظام الإيراني، الذي بدا متخبطا في التعامل مع الحادث، وراح يطلق التهديدات والتصريحات يمينا ويسارا قبل حتى إجراء أي تحقيق حول العملية، وهو ما كشف عن حجم التخبط والخوف الذي أصاب النظام الإيراني، فراح يعمل جاهدا من أجل إلصاق هذه العملية بدول أجنبية حتى لا تتسع الأعمال المسلحة في الداخل الإيراني.
واتضح حجم الفزع الإيراني عقب الهجوم من خلال التصريحات المتداولة لكبار مسؤولي النظام الإيراني، فبينما حمّل العميد أبو الفضل شيكارجي المتحدث باسم رئاسة الأركان الإيرانية، 3 دول إقليمية وعالمية مسؤولية الهجوم، زعم قياديون في «الحرس الثوري» أن تنظيم «داعش» وراء العملية، في حين بات في حكم المؤكد أن «المقاومة العربية الأحوازية» هي التي نفذت الهجوم الدامي، الأمر الذي يعكس رغبة نظام الملالي في التقليل من حجم المقاومة العربية للاحتلال الإيراني، والتعتيم على ما تنفذه من عمليات نوعية كان آخرها وأهمها عملية الأحواز، التي تعد بكل المقاييس تحولا نوعيا كبيرا في «النضال» ضد «المحتل الفارسي».
وأشارت الأيدي المرتعشة للخارجية الإيرانية، بدروها، إلى تورط ما أسمتهم بـ«عملاء أمريكا» في الهجوم، حيث حمّل محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني من سمّاهم «عملاء» تدعمهم الولايات المتحدة المسؤولية عن العملية.
من جانبها، تبنت «المقاومة الوطنية الأحوازية» العملية العسكرية الباسلة، وقالت المقاومة في بيان لها: «استهدفت المقاومة الوطنية الأحوازية صباح اليوم منصة عرض عسكري للنظام الإيراني في الأحواز العاصمة، مما أدى إلى مصرع ما لا يقل عن 40 عسكرياً وإصابة العشرات كلهم من المسؤولين العسكريين أو عناصر حمايتهم».
من التظاهر.. إلى الثورة
أكد تقرير لمركز «المزماة للدراسات والبحوث» بشأن العملية، أن «ما حدث مؤشر واضح على انتقال المظاهرات السلمية التي اندلعت في الداخل الإيراني خلال الأشهر الأخيرة في أكثر من 140 مدينة إيرانية ولا تزال مستمرة حتى الآن، من مرحلة التظاهر السلمي إلى مرحلة الثورة الغاضبة والكفاح المسلح ضد النظام الإيراني، وهو مؤشر خطير للغاية على النظام ينذر بقرب نهايته، ويدل بشكل قاطع على حجم اليأس والإحباط الذي أصبح يسيطر على الشعوب الإيرانية من سياسات النظام وما أنتجته من كوارث وأزمات أصبح التعايش معها أمر صعب، ما دفع هذه الشعوب إلى اللجوء للعمل والنضال المسلح من أجل الخلاص من هذا النظام الظالم، بعد أن فقدوا الأمل في الوصول إلى حقوقهم أو إصلاح النظام عبر المظاهرات والمسيرات السلمية».
وأضاف التقرير أن «من المتوقع أن تزيد السلطات الإيرانية من أنشطتها القمعية، وتوسع دائرة الاستهداف الممنهج ليشمل كافة من يعارض أفكار «الولي الفقيه» وخاصة في المدن العربية، إضافة إلى اعتبار هذا الحادث فرصة يمكن للنظام استغلالها لإلهاء الرأي العام الداخلي عن الأزمات المتفاقمة يوما بعد يوم، والترويج لفكرة وجود «أعداء» يتربصون بالشعوب الإيرانية، ما يستدعي منها الوقوف إلى جانب النظام وقواته الأمنية والعسكرية للتصدي للأعداء، غير أن ذلك لن يكون نافعا بعد أن أعلنت بعض الشعوب الإيرانية اللجوء إلى العمل المسلح ضد النظام الإيراني، ما يجعلنا ننتظر المزيد مثل هذه الأعمال المسلحة ضد القوات العسكرية الإيرانية في المستقبل».
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي السعودي محمد آل الشيخ أن «العملية الفدائية» الأخيرة التي حدثت في الأحواز، لا علاقة لها بتنظيم داعش الإرهابي؛ لأن داعش تعمل لمصلحة إيران، فهل من المعقول أن يطلق الإنسان النار على نفسه؟ كما أن هذه العملية هي عملية مقاومة نوعية للاحتلال الفارسي البغيض، فمن يبرر لإيران أن تنتقم من أهل الأحواز هو كمن يبرر لإسرائيل عملياتها الانتقامية من الفلسطينيين عندما يناضلون من أجل تحرير وطنهم من الاحتلال الإسرائيلي. إن تركيا ولبنان وسوريا شجبوا العملية، واعتبروها إرهابا، بينما هي عملية مقاومة مشروعة، من المفروض أن أول من يقف معها ويساندها العرب؛ لأن من قام بها، واستُشهد من أجلها، هم عرب أقحاح».
من جهة أخرى، أثبتت عملية الأحواز البطولية أن الحرس الثوري عاجز تماما عن حماية نفسه، فكيف بحماية إيران، وفضحت مزاعم قادة النظام الإيراني الذي يهددون المنطقة والعالم بقوات «الحرس الثوري»، ويرعبون به الداخل الإيراني، ليتبين للكافة أنه ليس سوى قوى كرتونية وفزاعة لتهديد الخارج وترويع الداخل، ففي أشد الظروف التي يجب أن تكون فيه قوات «الحرس الثوري» على أهبة الاستعداد، تم استهدافها من قبل مجموعة صغيرة استطاعت فتح حرب وقتال واسع النطاق ضد القوات العسكرية الإيرانية في عقر دارها.
ومن جانبه، يقول الكاتب المصري عماد الدين أديب إن «إيران تدرك جيدا أن إقليم الأحواز هو منطقة متمردة مضطربة تسيطر عليها طهران بالقوة منذ عام 1925 بعدما تم قتل حاكمها العربى خزعل الكعبى، وتدرك السلطات الإيرانية أن هذا الإقليم الذى ينتج 72٪ من نفط إيران، والملحق إدارياً بإقليم خوزستان(حسب التسمية الفارسية) هو إقليم متمرد رافض للسلطة المركزية للدولة بسبب التفرقة الشديدة في حقوق مواطني المنطقة».
وأخيرا، وليس آخرا، فإن الأهمية الكبرى لهذه العملية تأتي من كونها جاءت في ظل تزايد رقعة الغضب والاستياء الشعبي من النظام الإيراني وسياساته، كما أنها جاءت بعد قيام القوات الأمنية بممارسة أشكال القمع والعنف ضد المعارضة الإيرانية في كافة أنحاء البلاد، ولاسيما في إقليم الأحواز العربي المحتل.
ومن المؤكد أن نجاح هذه العملية النوعية سيحفز الجماعات المعارضة الإيرانية على التسليح وشن هجوم على مؤسسات «الحرس الثوري» وأجهزته الأمنية في مناطق أوسع من الداخل الإيراني، كوسيلة للدفاع عن النفس ووضع حد لاضطهاد النظام الإيراني للشعوب غير الفارسية، فهل تكون عملية الأحواز بالنسبة لملالي إيران هي بداية النهاية؟ هذا السؤال المصيري ستجيب عنه الأيام المقبلة.