كانت مدينة البصرة العراقية تلقب يومًا بـ“فينيسيا الشرق”، نظرًا للقنوات المائية العديدة التي تتخللها، لكنها الآن تموت من العطش.
وتحولت تلك القنوات المائية التي جعلت الناس يشبهون البصرة بمدينة البندقية الإيطالية إلى برك مياه راكدة ملوثة، حسب إرم نيوز.
فشط العرب، الذي يشق المدينة ويعد مصدر المياه العذبة الرئيس لتلك القنوات، يعاني من تلوث كبير يتهدد حياة أربعة ملايين شخص في ثاني كبرى مدن العراق.
وقال أستاذ علوم البحار بجامعة البصرة، شكري الحسن، لـ”رويترز”، إنّه “ليس شريان حياة وإنما شريان للموت. مستويات التلوث عالية جدًا، شتى أنواع الملوثات الآن ممكن أن تجدها في هذا النهر، ملوثات جرثومية، ملوثات كيميائية، طحالب سامة.. مستويات الملوحة الآن بتراكيب غير مسبوقة ممكن أن تقارب مياه البحر أو هي مياه بحر بالفعل”.
وأوضح الحسن، أنّ “مستويات التلوث في شط العرب زادت أربعة أمثالها في الأعوام العشرة الأخيرة”، مضيفًا أنّ “التلوث يزداد ويُضاعف المخاطر على السكان”.
خليط فتاك
إلى ذلك، تنتشر بشوارع البصرة بالوعات الصرف الصحي المفتوحة، وأكوام من القمامة التي تنبعث منها روائح كريهة، مما دفع السكان الغاضبين في الآونة الأخيرة لتنظيم واحدة من أكبر الاحتجاجات منذ سنوات.
ويقارن كثير منهم بين الفقر الذي يعانوه وبين عائدات النفط الضخمة التي تدرها المحافظة على خزائن الحكومة.
ويقول مسؤولو الدولة، إنّ “أزمة في المالية العامة ناجمة عن تراجع أسعار النفط لسنوات هي سبب المصاعب التي تواجهها البصرة، التي كانت مقصدًا للسائحين في الشرق الأوسط حتى مطلع الثمانينيات”.
ويذكر رعد شبوط ظهار، وهو من سكان المدينة، أنّ “أزمة المياه واحدة من مشكلات كثيرة وضعت أسرته المؤلفة من 17 فردًا وتضم زوجتين وأمه و14 بنتًا في وضع يائس”.
وقال إنّ “الأمور زادت صعوبة لأنه في الوقت الذي اعتاد فيه على كسب عشرة آلاف دينار عراقي يوميًا (8.43 دولار)، كان ينفق خمسة آلاف على الطعام ويدخر الباقي، بينما يواجه الآن ضغوطًا مالية”.
وأضاف: “لأن العشرة بعد ما تجيب شيء للعائلة”، مشيرًا إلى أنّ “500 لتر من الماء كانت كافية لأسرته للشرب فقط، لكنها الآن مضطرة لاستخدام هذه الكمية في كل الأغراض”.
مصارف
تقع البصرة عند التقاء نهري دجلة والفرات قرب الخليج بالطرف الجنوبي، الذي يشتهر بأرضه السبخة وهي واحدة من عدد قليل من مدن الشرق الأوسط التي لا يوجد بها نظام فعال لمعالجة المياه.
وكانت المدينة تملك بنية تحتية للصرف الصحي في الستينيات من القرن الماضي، لكنها تعطلت بعدها بعقود مما حول الجداول المائية إلى مستنقعات تفوح منها الروائح الكريهة، والتي تفاقمت بفعل المناخ الصحراوي الحار.
ويقول سكان البصرة، إنّ الأملاح التي تتسرب للمياه تجعلها غير صالحة للشرب وتتسبب في دخول مئات السكان للمستشفيات.
وقال رئيس الإدارة الصحية في البصرة، رياض عبدالأمير، إنّ “زهاء 90 ألف شخص دخلوا المستشفيات وإن أربعة آلاف يوميًا يطلبون العلاج هذا الشهر”.
ولم يعد عقيل شاكر عبدالمجيد، يرى أملًا في المستقبل وهو يقف لشراء مياه الشرب.
وتساءل الرجل: “(كيف) زين الفقير منين راح يجيب؟ ألما عنده منين راح بجيب؟ يعني شلون يسرق… ما ادري شلون وضعية صارت”.
ولتحسين المياه، تبني الحكومة المركزية مشروعًا كبيرًا للمعالجة ومحطة للتحلية معتمدة على قرض من اليابان.
ومن المتوقع استكمال المشروع نهاية العام الجاري، لكن رحيل الخبراء اليابانيين بسبب التهديدات خلال الاحتجاجات أرجأ تنفيذ المشروع.