السبت, 06 يوليو 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أشهر
المشرف العام
شريف عبد الحميد

شح الموارد يقلص مصالح إيران في بحر قزوين

صحافة - | Thu, Sep 20, 2018 2:39 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

<< روسيا تمكنت من توقيع اتفاقية بحر قزوين التي تحدد بها حصتها من البحر وثرواتها دون حل مشكلة حصة إيران ولم ترسم حدود إيران البحرية مع كل من أذربيجان وتركمانستان

يوما بعد يوم، تطول قائمة الشركات الدولية الكبرى المنسحبة من إيران لتجنب مواجهة خطر العقوبات الأميركية، على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومات الأوروبية لتحييد تأثير هذه العقوبات، ومساعي الرئيس الإيراني حسن روحاني للتخفيف من كل قرار جديد يمس صلب الاقتصاد الإيراني المنهار.

وتشي تحركات الرئيس روحاني، في الداخل والخارج، بصعوبة الموقف، وهي تحركات يؤكد الخبراء أنها تأتي بدفع من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ضمن سياسة تقوم على الدفع بالرئيس روحاني في الواجهة تجنبا لأي تصعيد جديد ضده، وضد الدولة العميقة، بعد الشعارات التي رفعت في احتجاجات ديسمبر 2017 والمنادية بـ”موت المرشد” وسقوط نظام الملالي.

ولا يبدو أن روحاني، ومن ورائه المرشد الأعلى، قادرين على تهدئة الأوضاع، بل بالعكس أدت قرارات أخيرة إلى تأجيج غضب الإيرانيين أكثر، من ذلك تعيين عبدالناصر هماتي محافظا جديدا للبنك المركزي الإيراني، وهو المعروف بتاريخه الطويل في غسل الأموال وانتهاك العقوبات الأميركية، كما الاتفاقية حول بحر قزوين التي تم توقيعها في أغسطس الماضي خلال قمة انعقدت في نهاية شهر أغسطس الماضي، بمدينة أكتاو في كازاخستان وجمعت الدول الخمس المتشاطئة لبحر قزوين (روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان)، وانتهت بتنازل طهران عما تعتبره “حقوقها التاريخية” في هذه المنطقة المائية الغنية بالموارد الطبيعية.

اقتصاد ينهار

يرصد تقرير جديد أصدرته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بعنوان “الاستثمار الأجنبي في إيران: امتثال الشركات متعددة الجنسيات للعقوبات الأميركية”، أنه في الأشهر الأربعة الأولى منذ الانسحاب الأميركي من خطة العمل المشتركة الشاملة، أعلنت 31 شركة أوروبية وآسيوية مغادرة السوق الإيرانية.

وتشمل القائمة شركات توتال الفرنسية، وأيرباص، وبي إس إيه/ بيجو، ومايرسك الدانماركية، وأليانز، وسيمنز، وإيني الإيطالية، ومجموعة مازدا اليابانية، وميتسوبيشي يو. إف. جي فاينانشيال جروب، وبي. بي. من المملكة المتحدة.

أما شركة رينو التي أعربت في البداية عن نية مقاومة الضغط الأميركي، فقد أعلنت أنها من المرجح أن تعلق عملياتها في إيران، مشيرة إلى الحاجة إلى الامتثال للعقوبات الأميركية. وقال رئيس البحوث بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ديفيد أديسنيك “لقد وجدنا أن العقوبات الأميركية ضد إيران لا تزال قوية للغاية حتى عندما تسعى الحكومات الأوروبية لتحييد تأثيرها”.

ويعمل تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بمثابة البطاقة لأولئك الذين يتابعون فعالية العقوبات الأميركية، بما في ذلك وزارة الخزانة الأميركية ومسؤولو وزارة الخارجية، وغيرهم من صانعي السياسة في الحكومة الأميركية ممن يراقبون امتثال الشركات العالمية للعقوبات المفروضة.

ويغطي التقرير أيضا ما مجموعه 232 شركة ومؤسسة، منها 67 شركة جزء من قائمة مجلة “فورتشين 500″ للشركات ذات أعلى الإيرادات. وحتى الآن، تخطط 19 شركة للبقاء في إيران، و71 للمغادرة، و142 لا يزال يتعين عليها توضيح نواياها.

يقول سعيد غاسمني نجاد، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، “في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الإيراني من أزمة انهيار العملة المحلية، تخسر إيران بسرعة أكبر الاستثمارات التي تم تحقيقها نتيجة للاتفاق النووي لعام 2015″.

وإلى جانب التأثير الداخلي، يلقي هذا الوضع المالي المتدهور بظلاله على سياسات إيران الخارجية. فأمام شح الموارد وسيف العقوبات والأزمة الاقتصادية لن تكون قادرة على ضخ الأموال لميليشياتها ووكلائها. ويدفع هذا الوضع، مع المتغيرات الإقليمية والدولية السياسية التي ضيقت الخناق على المشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، طهران إلى البحث عن وسائل أخرى تكسب بها الدعم لتحافظ على الحد الأدنى من تواجدها في المنطقة، وهنا يشير الخبراء إلى الاتفاقية الأخيرة بشأن بحر قزوين، وما تضمنته من تنازلات إيرانية واضحة.

اتفاقية بحر قزوين

اتفق عدد من الخبراء، بينهم باحثون في معهد ستراتفور الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتجية، ومحللون في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، على أنه مقابل تنازلات قدمتها إيران بشأن ما تعتبره حقوقها في بحر قزوين، سمحت روسيا لإيران بالبقاء في سوريا ولعب دور في إعادة إعمارها.

ونشر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية تقرير “الحالة الإيرانية” يشرح من خلاله بنود هذه الاتفاقية والثمن الباهظ الذي قبل المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي بتقديمه مقابل استمرار التحالف مع روسيا، حيث حثّ خامئني الرئيس حسن روحاني على المشاركة في القمة التي استضافتها كازاخستان، وتم بالفعل وضع حد لعشرين سنة من المفاوضات الشاقة والشد والجذب بالإعلان عن اتفاق غير نهائي، يحدد إطارا عاما ناظما لطبيعة تقاسم الاستثمارات، بدا واضحا من خلال بنوده أن إيران، التي تريد حماية نفسها وتأمين ظهرها، تخلت عما تعتبره “حقوقا تاريخية”.

وسمح خامنئي لروحاني بالتوقيع على الاتفاق الذي يقلص حجم مياه إيران الإقليمية بمقدار النصف بالمقارنة مع المعاهدات الإيرانية والاتحاد السوفيتي لعامي 1921 و1940، بل ويقلل أيضا من حصتها من 20 بالمئة، التي أقرتها مفاوضات عام 1996، إلى 11 بالمئة فقط بموجب الاتفاق الجديد، مما يعطي معظم موارد إيران المحايدة تحت قاع البحر إلى أذربيجان.

انتقادات محلية

حاول النظام الإيراني كل ما في وسعه ليفرض رقابة على كل الأخبار المتعلقة بالاتفاق، لكن بعد أن سربت وسائل الإعلام الروسية التفاصيل التي أظهرت تراجع حصة إيران والتنازلات التي قدمتها، ظهرت الانتقادات في الداخل والخارج، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وبعد يومين من توقيع الاتفاق، أصدر رضا بهلوي الثاني نجل شاه إيران الراحل، وهو أشهر شخصية معارضة للنظام الإيراني، بيانا رسميا لما يسميه الإيرانيون “بالمعاهدة المشينة”.

وقال بهلوي الثاني “من المستحيل حماية مصالح إيران الوطنية من موقف ضعف. هناك تغيير كبير قادم يلوح في الأفق. يمكننا أن نشعر وأن ندرك أن نهاية النظام الاستبدادي تأتي بسبب زيادة الوعي القومي والوعي الذاتي. ومع هذه الصحوة الوطنية سنبني دولة حرة ومتطورة وديمقراطية. وسنستعيد حقوقها أينما كانت”.

ورصد تقرير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية غضبا شعبيا كبيرا عكسته التغريدات على هشتاغ #CaspianSeaSellOut، وأيضا من خال التجمهر أمام مبنى البرلمان في طهران في تعبير عن الاستياء مما اعتبروه قيام الحكومة الإيرانية ببيع نصيب إيران من بحر قزوين إلى روسيا، كما شبّه المحتجّون اتّفاقية أكتاو باتّفاقية تركمانشي التي وقّعت عام1828.

كما عبّر أعضاء البرلمان عن استيائهم لعدم إطلاعهم على هذه الاتفاقية، واعتبر آخرون أنها غير قانونية نظرا إلى عدم عرضها على أعضاء البرلمان للحصول على موافقة أربعة أخماس النّوّاب، ولم تشمل الاتفاقية ترسيم الحدود نهائيا، إلا أن المادّة الـ77 من الدستور الإيراني تنصّ على وجوب تصديق البرلمان على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، الأمر الذي لم يحصل في هذه الاتفاقية.

 كما تنص المادة الـ78 على أنه “يحظر إجراء أي تغيير على حدود البلاد، باستثناء التغييرات الطفيفة، مع مراعاة مصالح البلاد، على ألا تكون هذه التغييرات من طرف واحد، وألا تضرّ باستقلال ووحدة أراضي البلاد، وأن يصدّق عليها أربعة أخماس نوّاب مجلس الشورى الإسلامي”.

وعشية انعقاد القمة، غرّد محمود الصادقي، عضو البرلمان الإيراني، قائلا “يسافر الرئيس إلى أكتاو في حين أن الجوانب الأساسية للاتفاقية القانونية بشأن بحر قزوين لا تزال غير واضحة؛ هل صحيح أن حصة إيران البالغة 50 بالمئة انخفضت إلى 11 بالمئة فقط؟”.

وفي تغريدة أخرى، بعد الاتفاق، أشار الصادقي إلى أن الاتفاق تم دون علم من البرلمان، وتوجه إلى الإيرانيين بقوله “اعلموا جيدا أيها الناس أن أعضاء البرلمان لم يكونوا على دراية بما كان يحدث خلف الكواليس″. ويبدو واضحا أن الحكومة حصلت على الضوء الأخضر لتوقيع الاتّفاقية من المرشد الأعلى، لذلك لم يصر البرلمان على تصعيد هذا الموضوع.

تاريخيا، كان بحر قزوين يقسّم مناصفة بين روسيا القيصرية وإيران، نظرا إلى كونهما الدولتين الوحيدتين اللتين تطلان عليه، وفي عام 1845 أجبر قيصر روسيا إيران على توقيع معاهدة منعت إيران بموجبها من أي نشاط في بحر قزوين باستثناء صيد الأسماك على نطاق ضيّق، واستمرّ الوضع على هذا النحو حتى عام 1955، عندما منح الاتحاد السوفييتي لإيران الحقّ في 11 بالمئة من بحر قزوين.

 لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي طالبت إيران بـ20 بالمئة من البحر وثرواته، وتجمّد الوضع القانوني لبحر قزوين ولم يتّفق عليه بشكل جماعي. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، ولدت إلى جانب روسيا ثلاث دول جديدة على سواحل بحر قزوين، هي اليوم كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان. وأدّت ولادة هذه الدول الجديدة إلى نشوب نزاع بينها وبين إيران على حصة كل دولة من بحر قزوين.

وترى إيران أن مسطّح قزوين المائي يعتبر بحيرة، في حين تعتبره الدول الأخرى بحرا. ويشكّل هذا التصنيف أهمية كبرى لدول قزوين الساحلية، خصوصا إيران، لأنه إذا اعتبر بحرا فسيخضع لقانون البحار الدولية الذي ينصّ على أن لكل دولة الحقّ في تحديد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلا بحريا من الشاطئ، أما إذا اعتبر بحيرة فيحقّ لدول قزوين الساحلية تقاسمه بالتساوي.

وتكمن أهمّية هذا التنصيف لإيران في اعتبارها دولة تملك خطا ساحليا قصيرا على قزوين، ومن ثمّ إذا اعتبر قزوين بحرا فإن إيران ستصبح الخاسر الأكبر. واللافت أن اتفاقية أكتاو لم تستعمل صراحة وبشكل رسمي تصنيف البحر، إلا أن تصريحات المسؤولين تحيل إلى هذا التصنيف، حتى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني نفسه قال إثر توقيع الاتفاقية “بحر قزوين ملك فقط للدول المطلة عليه”.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الاتفاقية بشأن الوضع القانوني لبحر قزوين ستضمن حل الخلافات بين هذه الدول، وتفتح صفحة جديدة من العلاقات بينها.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي غريغوري كاراسين إن الاتفاق يشير إلى أنه بحر، لكن تمنحه بنود المعاهدة «وضعا قانونيا خاصا»، إذ ستتشارك الدول الخمس في معظم البحر لكنها ستقتسم القاع والموارد الجوفية.

ويشير تقرير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية إلى أن إيران تنازلت عن مطالبات تاريخية في بحر قزوين، وأيضا تخلّت عن إصرارها على أن قزوين بحيرة لا بحر، وحصلت روسيا على امتيازات أكثر من إيران، إذ تستطيع اليوم البدء في أعمال الاستثمار في بحر قزوين، في حين لا تزال إيران تنازع دول جنوب بحر قزوين، ومن ثمّ لا يمكنها البدء في أي أعمال استثمارية حتى بعد الاتفاقية.

ويبدو أن الضغوط الأميركية غير المسبوقة على إيران جعلتها مضطرة إلى تقديم هذه التنازلات الكبيرة مقابل التقارب الإيراني-الروسي، والتوصل إلى اتفاقية إقليمية أمنية.

العرب اللندنية

كلمات مفتاحية:

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت