الثلاثاء, 03 ديسمبر 2024
اخر تحديث للموقع : منذ 3 أسابيع
المشرف العام
شريف عبد الحميد

خيارات إيران في التعاطي مع أزمة العقوبات الأمريكية

في العمق - الباحث - طه الشريف | Wed, Sep 19, 2018 2:13 AM
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني

لا شك أن العقوبات الأمريكية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على إيران لم تكن إلا لتعديل الإتفاق النووي الذي عقدته الإدارة السابقة بمشاركة بقية الدول الخمس دائمة العضوية بالاضافة إلى ألمانيا وتقرباً إلى اللوبي اليهودي الرافض للاتفاقية مع إيران والطامع بكِبره وغطرسته إلى إبتزاز طهران - وليس دفاعاً عن ايران-  يشجعه علي ذلك اليميني القابع في البيت الأبيض والذي يتعامل بحماسة من أجل مصالح إسرائيل أكثر من بنيامين نتانياهو نفسه!!.

 ولا شك أن الدولة الإيرانية صاحبة دبلوماسية فريدة تتجلى في طول نفَسِها وذكاءها في التعامل مع الدول الأخرى بطريقة عجيبة ، فهي مع ما تقوم به  من تصديرٍ للثورة منذ قيامها في عام 1979 وتسخيرها لأموال الخُمس من أجل ذلك الغرض إلا أنها مع ذلك تتسم بمرونة كبيرة في سياستها الخارجية حتى مع الدول التي ناصبتها العداء وهذا ما نقصده في بحثنا هذا للإشارة إلى خيارات الدولة الإيرانية في التعاطي مع العقوبات الأمريكية عليها ...

أولا.. حينما ننظر إلى تعامل الدولة الإيرانية مع أزمة الخليج وقطر الأخيرة  فبالرغم مما كان بين الدولتين من خلافات نتيجة الموقف القطري المُعادي لإيران حيال الأزمة السورية، كذلك ما فعلته قطر في الأزمة السعودية الإيرانية عام 2016 حيث وقفت إلى جانب الموقف السعودي وخفّضت ساعتها من مستوى تمثيلها الدبلوماسي لدى طهران..

لكنّ إيران بمرونتها الشديدة قد وضعت الخلافات جانباً معلنة استعدادها لتزويد قطر بكل ما حرمه منها جيرانها العرب. وللعلم فليست قطر هي صاحبة أكبر تبادل تجاري مع إيران بل لعل البعض لا يعرف أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة العربية الأولى في التبادل التجاري مع إيران وأنه قد بلغ  حجم التبادل بينها وبين طهران نحو 17مليار دولار رغم احتلال إيران لثلاثة جزر إماراتية "طنب الكبرى.طنب الصغرى.أبوموسى"!!

ثانيا.. خيارات إيران للخروج من أزمتها مع العراق فهذا معلومٌ من الواقع بالضرورة! والأمر لا يحتاج إلى كثير من الأدلة والبراهين، فلقد استحوذت إيران على بلاد الرافدين_في ظل غياب الجامعة العربية الموقرة!_ وتواطئت مع المحتل الأمريكي وتمت مكافأتها في السيطرة على العراق والقيام بعمليات تغيير ديموغرافية وإخراج السنة من المعادلة واستصحب ذلك قيام تنظيم داعش بدورهم القبيح لإيجاد المبرر للحشد الشيعي من أجل الإجهازعلى أي تواجد سني قد يمثل مقاومة ضد الهيمنة الأمريكية أو التمدد الإيراني..

وبذلك فقد أصبح "العراق" امتداداً للجارة المُعممة! وقد تحققت لها السيطرة من خلال عمائم الحوزات الشيعية ومن خلال اللعب في التركيبة السكانية فوضعت بذلك يدها على خيرات بغداد وأصبحت مداداً لطهران ومستعمرة للملالي!.

ثالثا.. في علاقتها بتركيا وعلى الرغم من العداء التاريخي للدولة الصفوية ضد العثمانيين السنة في تعطيلهم لحركة الفتوحات العثمانية في أوربا والإستفزاز الذي كان يمارسه الصفويون في التحرش بالدولة السنية وهو ما شهد به كثيرٌ من المؤرخين الأوربيين بأنه لولا الدولة الصفوية في شغل العثمانيين عنّا لكنّا نقرأ القرءان في موناكو وفيينا كما يقرأ في الجزائر والشام !! ورغم ذلك العداء التاريخي الممتد فقد تغاضت الدولتان عنه وتشاركا في التصدي لابتزاز الإدارة الأمريكية من خلال توسيع التبادل التجاري بينهما وظهر ذلك في رفض تركيا التوقف عن استيراد الغاز الإيراني وردها على اعتراض الخارجية الأمريكية بأن عملية الإستيراد تتم من خلال القانون الدولي .

رابعا..لا شك أن ما بين إيران وباكستان من عناصر شقاق وصراع أكثر من أي تفاهم ممكن، فلقد مرت العلاقات بينهما بحالات من التوتر وخاصة بسبب تطوير ميناء "شاباهار" الذي يربط افغانستان بالبحر، ويربط الهند وإيران بدول آسيا الوسطى عبر أفغانستان ، وقد أتى ذلك على حساب ميناء غوادر الباكستاني  وهو ما يعزز دفع "إسلام آباد" نحو التقوقع !!.كما كانت للهجمات من قبل (جماعة جيش العدل) البلوشي السني نحو الدولة الإيرانية من داخل الأراضي الباكستانية مفعولها في تأزيم الأمور بين البلدين.

مؤشرات تحسن العلاقة وحدوث تقارب بين الدولتين

صرح رئيس الوزراء الجديد "عمران خان" أن بلاده ستطور علاقاتها مع إيران وستعيد النظر في علاقتها بأميركا!. وفي تصريح صحفي في اسلام آباد قال "خان" : ان الحكومة التي سيقودها ستطور علاقاتها مع ايران. وأضاف للأسف فإن حكومة حزب الشعب لم تتحمل ضغوط أميركا الرامية الى منع تنفيذ مشروع خط انبوب الغاز (بين ايران وباكستان) الا ان حزبه "تحريك انصاف" سيبذل أقصى جهوده لاستيراد الطاقة من ايران. وقد أكد "عمران" بان تطوير العلاقات مع الدول الجارة خاصة ايران يعد من أولويات السياسة الخارجية الباكستانية واضاف: ان تطوير العلاقات الشاملة مع ايران يصب في مصلحة باكستان.

وفي جانب اخر من تصريحه أعرب عمران خان عن اعتقاده بان باكستان يمكنها ان تؤدي دورا مهما في خفض الخلافات بين ايران والسعودية والذي تلعب "اسرائيل" دورا لافتا في تأجيجها!!. واضاف: ان لايران وباكستان الكثير من المشتركات وبامكانهما ان تؤديا دورا في حل مشاكل الدول الاسلامية ومن ضمنها مكافحة الارهاب خاصة جماعة داعش.

هذا وقد تلقفت الخارجية الإيرانية وعدد من الدوائر السياسية بطهران تصريحات وحوارات "خان" بكل أشكال الترحيب والثناء واعتبرته بداية رائعة للتفاهم والتقارب مع باكستان !!.

خامساً.. وحينما ننظر إلى طبيعة العلاقات الإيرانية الصينية ، وخيارات إيران للإستفادة من علاقتها مع التنين الصين سنعلم أن التبادل التجاري بينهما قد بلغ 40مليار دولار في العام الماضي بحسب بيان الغرفة المشتركة بين الدولتين وأنهما يتطلعان إلى وصول التبادل إلى 50 مليار في الفترة المقبلة ، والحقيقة أن الصين_كعادتها_ تفضّل دوما الخروج من مأزق التحالفات ذات الكلفة السياسية والتي تعيق تمددها وتوسعها الإقتصادي  ولنا أن نعلم إقدام الرئيس الرئيس الصيني شي جين بينغ على إلغائه زيارة له إلى المملكة العربية السعودية ومصر، وبُرر هذا القرار ساعتها باندلاع الحرب على اليمن ، ومن خلال ذلك الموقف سيتضح لنا لماذا تفضل بكين الخروج من المعتركات السياسية؟؟ وذلك للهروب من حرارة الأجواء الملتهبة في الشرق الأوسط .         

 إذن فالغياب الصيني هو الذي يحيّد إطار الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. ويكفي أن نعلم أن الصين هي أكبر مستورد للغاز الإيراني في العالم .

سادساً.. خيارات الدولة الإيرانية مع روسيا فنقول إبتداءاً أنه قد حفلت العلاقات بينهما قديما ودوما بالحروب والصراعات. وخلالها كانت روسيا دائما ما تجتاح الأراضي الإيرانية وقتما تشاء ، وتتدخل في شؤونها الداخلية إلى أقصى درجة. وفي عهد مملكة القاجار الإيرانية وصلت الحروب والتدخلات الروسية إلى ذروتها، وأفضت إلى عدة معاهدات أفقدت إيران حينها مساحات شاسعة من أراضيها الشمالية، تقدر بأكثر من 200 ألف كم2. كما احتل الجيش الروسي إيران في الحربين العالميتين..

هذا الإرث المتخم بالعداء قد شكّل انطباعا سيئا عن روسيا في ذاكرة الإيرانيين، وأن العداء لروسيا بالنسبة للدولة الإيرانية أكثر من معاداتها للغرب. وذلك ما دفع الشاه  إلى القول حينها : "لو كان الأمر بيدي لَما اخترت روسیا جارة لنا "!. وقد أحدث انهيار الاتحاد السوفيتي مفعوله في تغيير مسار العلاقات، وكانت إيران من أبرز المستفيدين منه بسبب التحول الإستراتيجي الذي أحدثه ذلك لصالح إيران، في جيوسياسية منطقة وسط آسيا والقوقاز وبحر قزوين، وتمثّل في إبعاد روسيا عن الحدود الإيرانية واستبدالها بجمهوريات صغيرة وضعيفة. وهو ما أنهى شبح تهديدات الجارة السوفيتية للأراضي الإيرانية.

وبالطبع فقد ولّد_الإرث القديم_عدم ثقة من طهران بالسياسة الروسية ، فضلا عن سياسة التوازن التي تتبعها روسيا في علاقاتها الشرق أوسطية، والتي قد لا تتوافق مع المصالح الإيرانية. ولا ننسى وجود الخلافات القديمة بين الجانبين فيما يتعلق بعضها بالحق على بحر قزوين، إذ إن روسيا استثنت إيران من اتفاقيات ثنائية عقدتها مع الدول المطلة على هذا البحر وهذا ما دفع فلادمير بوتين خلال زيارته لمرشد الثورة الإيرانية "خامئني " إلى طمئنته قائلا : لن نخونكم !!.

لكنه ثمّ عامل مهم للتقارب بينهما وهو مما تحرص عليه الدولتين وهو الأصل الذي ندندن حوله .

"القاسم المشترك في تحدي الغرب وتحدي الصلف الأمريكي"

 الدولتان تقفان أمام تحدي النفوذ والوجود العسكري الغربي والأمريكي المتصاعد في المنطقة كما رأينا في توافقهما حول مناصرة ومساندة حليفهما السوري ، وفي واقعة أخرى تؤكد تصاعد منحنى التقارب بينهما ، ما فعلته روسيا ومندوبها في مجلس الأمن من إجهاض محاولة أمريكا إدانة إيران وكان لمندوبها الدور الواضح في استخدام حق الفيتو والتصدي لمحاولات المندوب الأمريكي.

سابعاً.. أما الإتحاد الأوربي فإنه بعد توقيع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة لألمانيا للاتفاق النووي والذي يقضي برفع العقوبات وسماح طهران لبعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش والبدء في عملية تخفيض التخصيب لليورانيوم..إلخ ، فقد رفض وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، طلب الولايات المتحدة عزل إيران اقتصاديًا، وأقرّوا آلية قضائية_نظام العرقلة_لحماية الشركات الأوروبية الموجودة في هذا البلد من العقوبات الأمريكية المحتملة، حسب ما أعلنته وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني.

وقالت "موغيريني" في ختام اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي في بروكسل "لقد اقررنا تحديث نظام العرقلة، وسنتخذ كل الاجراءات لجعل ايران قادرة على الاستفادة اقتصاديا من رفع العقوبات".

هكذا وقف الإتحاد الأوربي في مقابل العقوبات الأمريكية وأظهروا تحدياً لغطرسة الإدارة الأمريكية بتفعيل نظام العرقلة وتشجيع الشركات الأوربية المتواجدة في الداخل الإيراني ، وهو تحول كبير من قِبل الاتحاد الأوربي في مواجهة جموح الإدارة الأمريكية التي لا تحترم شركاءها وهو بلا شك يصب في مصلحة إيران في مواجهتها للعقوبات الأمريكية .

وختاماً.. فإن خيارات الدولة الإيرانية في التعاطي مع أزمة العقوبات الأمريكية رحبةٌ وفسيحة وذلك لأسباب عديدة :

_منها ما ذكرنا من رفض عدد من الدول الكبيرة ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية من عدم احترام شركاءها وتجلى ذلك واضحاً في أقرب شركاء الولايات المتحدة وهو الإتحاد الأوربي.

ومنها ذكاء الدولة الإيرانية ومرونتها في سياستها الخارجية وبراجماتيتها المدهشة في التفاعل مع المستجدات الخاصة بالعالم الخارجي ولعلكم تذكرون الموقف الإيراني حينما قامت بالترحيب بثورة ال25من يناير رغم العداء الكبير الذي كان مع نظام حسني مبارك ، وأن السبب في العداء لم يكن لمصلحة البلاد وإلا فمبارك كان اقرب حليف لإسرائيل ، والحقيقة أن العداء كان لحالة الإنغلاق التي أصابت النظام المصري والمزاجية الشديدة التي كانت تحكم معاملاته الخارجية حتى أنه قد ساءت علاقة مصر بعددٍ كبير من الدول الإفريقية بسبب محاولة اغتيال مبارك في أديس بابا في منتصف تسعينيات القرن الماضي ، وكان الفتور حاكماً في تعاملات الخارجية المصرية التي كانت لا تولي اهتماما بعمق مصر الإفريقي وهذه من الكوارث الدبلوماسية التي ارتدت علينا في ملف النيل ، ناهيك عن صورة إفريقيا في الإعلام والدراما المصرية!!...

تعليقات

أراء وأقوال

اشترك في النشرة البريدية لمجلة إيران بوست

بالتسجيل في هذا البريد الإلكتروني، أنتم توافقون على شروط استخدام الموقع. يمكنكم مغادرة قائمة المراسلات في أي وقت